تناول معهد واشنطن في تقرير نشره على موقعه الإلكتروني، المأزق الذي يمر به العراق، حيث أورد أنه يعاني من قوتين متناقضتين تتمثلان بمحاولة هيمنة إيرانية، إلى جانب خطر تنظيم الدولة “داعش” الذي يسعى إلى إنشاء دولته التي تتضمن الأراضي العراقية وفق مخططه.
وقال كاتب التقرير روبرت فورد، إنه استنادا إلى خبرة كبيرة في شؤون العراق، وفق قوله، يمكن القول إن البلاد لم تضِع، ولكنها تمر بمأزق حرج. فقد بقي الكثير مما عملت واشنطن على تحقيقه هناك، ولكن قوتين متناقضتين، كلتاهما معادية للولايات المتحدة، هما تنظيم الدولة وإيران، تسعيان إلى السيطرة على العراق وزعزعة استقرار المنطقة، وفق قوله.
وتساءل فورد وهو دبلوماسي أمريكي سابق، بالإضافة إلى جيمس جيفري، هو السفير الأمريكي السابق في العراق وتركيا –شارك في كتابة التقرير- عن كيفية منع سيطرة كل من إيران وتنظيم الدولة على العراق.
وفي معرض مناقشتهما لهذا التساؤل، أشارا إلى أن الولايات المتحدة بإمكانها مساعدة أصدقائها العراقيين، وزيادة الاستقرار، بدءا من إطلاق حملة سريعة وأكثر فعالية ضد تنظيم الدولة، وعبر تعزيز المساعدة لحكومتي بغداد وأربيل. وحذرا من أنه في حال تجاهلت أمريكا ذلك، فستكون الآثار المترتبة على النظام الإقليمي مخيفة.
ووفقا للتقرير الذي نشره المعهد، فإن لهجة التعامل بين الحكومة المركزية في بغداد والمسؤولين في “إقليم كردستان” أصبحت أفضل إلى حد كبير، وأكثر واقعية مما كانت عليه قبل عقد من الزمن. ومن العوامل المساعدة هنا أن كلتا الحكومتين تدرك بأنها تواجه عدوا مشتركا هو تنظيم الدولة. وبالتالي، فإن النجاح في بناء دولة عراقية اتحادية غير مؤكد، ولكن الأمر ممكن إلى حد بعيد.
وبحسب التقرير، فإن بغداد وأربيل تواجهان أزمات سياسية ومالية مترابطة، وتنشأ هذه الأزمات السياسية والمالية جزئيا، وتتفاقم بالتأكيد بسبب تنظيم الدولة، وفق ما يراه معدا التقرير.
إيران تقف أمام فرص الإصلاح
وقال الباحثان إن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يواجه تحديات كبيرة من المتشددين السياسيين، وأولئك في صفوف المليشيات المدعومين من إيران، الذين يرفضون الإصلاح، وينظرون نظرة قاتمة إلى فكرة المصالحة الوطنية.
فالعراقيون من جميع الأطياف يعتقدون بأن إيران، كما هو الحال في سوريا، تتّبع منحى متطرفا للوصول إلى السلطة في العراق، واستغلال عدم النجاح ضد تنظيم الدولة. وتخوفا من أن ذلك قد يكون تعزز حاليا مع روسيا، نظرا إلى اتفاقية التنسيق الاستخباراتي (على الرغم من أن الحكومة العراقية تقول إنها لن تقوم بتنسيق العمليات مع موسكو).
وإذا وقعت بغداد ومناطق جنوب العراق التي يهيمن عليها الشيعة تحت سيطرة طهران، فستنتهي المصالحة بين المجموعات الرئيسة الثلاث في البلاد، ما سيدفع بـ”دولة شيعية” أكثر طائفية لأن تكون أقرب إلى الإيرانيين.
ويرى الباحثان أن هذه هي المعادلة التي يعوّل عليها زعيم تنظيم الدولة، حيث من شأن قيام دولة شيعية طائفية وسيئة أن يضمن عددا كبيرا من المجندين لـ”خليفة” تنظيم الدولة، لكي يعوّض عن خسائر معركته.
وحذرا من أن ينحدر العراق نحو هذا الطريق. وإذا كان الأمر كذلك، فإن العراقيين والمنطقة سيلقون باللوم على الولايات المتحدة لعدم هزيمتها تنظيم الدولة وسماحها بعد ذلك بسقوط شريك لها.
ومن شأن انضمام العراق إلى إيران وسوريا، أن يخلق “الهلال الشيعي” الذي حذر منه العاهل الأردني الملك عبد الله، وفق معدي التقرير. بالإضافة إلى ذلك، فإن احتياطيات النفط في جنوب العراق التي تبلغ 140 مليار برميل إلى جانب احتياطيات إيران المماثلة، تفوق احتياطيات المملكة العربية السعودية التي تبلغ 268 مليار برميل.
ولفتا إلى إن تحولا في القوة من هذا البعد في منتصف المنطقة لصالح إيران، وأقل من ذلك لصالح تنظيم الدولة، قد يدفع في المنطقة، وببعض من أقرب حلفاء واشنطن وشركائها، وفي النهاية بالولايات المتحدة نفسها، إلى نزاع إقليمي واسع النطاق بين السنة والشيعة. وقالا إن هذه الحرب طويلة الأمد بين السنة والشيعة قد تفيد كلا من روسيا والمتطرفين الذين يكرهون الغرب أيضا، خاصة الولايات المتحدة.
وأشارا إلى أن الحفاظ على عراق موحد وموال للولايات المتحدة يصب في المصلحة الحيوية لها. وفي صلب الحفاظ على هذه المصلحة تكمن حملة أكثر جرأة ضد تنظيم الدولة.
وبحسب التقرير، فإن كيفية جعل الحملة العسكرية الأمريكية ضد تنظيم الدولة أكثر جرأة وأسرع تحركا تشكل قضية عسكرية تتجاوز إطار إلمام معدي التقرير، ولكن نظرا إلى القوة العسكرية الأمريكية الكبيرة يمكن للمرء أن يفترض أن القيود التي تحول دون ذلك هي سياسية بالدرجة الأولى، وبالتالي تشكل موضوعا لا بأس به للنقاش العام.
ويرى المسؤولان السابقان أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تركز على عدد قليل من الأهداف الهامة، لمساعدة بغداد والعرب السنة على التوصل إلى حل متفق عليه بصورة متبادلة، والتخفيف من بعض الأعباء المالية التي ترهق الأكراد، وذلك يكون بشكل عملي أكثر.
وأوضحا أن ذلك يتم من خلال المساعدة بدفع تكاليف اللاجئين والمشردين داخليا، وتوفير الأسلحة التي تحتاجها أربيل، وعدم تجاهل مشكلات الحكم الداخلية، بل تحفيز بغداد وأربيل على معالجتها من أجل تعزيز الاستقرار على المدى الطويل.