نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريرا تحدثت فيه عن المال الخليجي الذي بدأ يؤثر في صنع القرار بالأمم المتحدة بعد وصوله لها في إشارة إلى الأنباء التي وصفت طبيعة العلاقة بين الدولة والمبعوث الدولي الخاص بليبيا.
ويقول كاتب المقال كولام لينيتش إن وسيط الأمم المتحدة ناندينو ليون كان يكافح لجمع الفصائل الليبية للاتفاق على حكومة موحدة في صيف 2015 سعياً لوقف تدهور الأوضاع نحو الفوضى في البلد العربي الشمال أفريقي.
ومع ذلك، فقد كان ليون يسرق وقتاً من عمله لملاحقة خططه الخاصة بمستقبله, ويفكر في عرض آخر قدم له يصل إلى 50 ألف دولار أمريكي في الشهر ليترأس الأكاديمية الدبلوماسية التي أنشئت حديثا في الإمارات العربية المتحدة.
ويشير التقرير إلى أن ليون قبل في النهاية العرض، حيث كشفت صحيفة “الغارديان” عن سلسلة من الرسائل المتبادلة بينه وبين المسؤولين الإماراتيين. وهو ما أثار قلق الدبلوماسية داخل الأمم المتحدة من أن باب المؤسسة الدولية المتحرك بدأ يخرج عن السيطرة.
وتستدرك المجلة بأن “المسؤولين البارزين لم يظهروا بعد أسبوع من الفضيحة أي اهتمام بالبحث فيما إن كان وزير الخارجية الإسباني السابق قد تصرف بطريقة غير مناسبة. وخلافاً لهذا فقد حاولوا الظهور بمظهر من يريد وضع الحادث المحرج وراء ظهورهم”.
ويذكر لينيتش أن نقاد المبعوث الدولي يقولون إنه لم يكن يبحث عن عمل بعد تقاعده من مهمته، ولكنه كان يتفاوض حول عرض مغر مع حكومة تؤدي دورا في النزاع الذي يحاول حله.
وفي هذا إشارة إلى الدور الذي قامت به الدولة، خاصةً أن هناك أنباء عديدة تتحدث عن دعم الدولة للغارات التي كانت تشن ضد أحد أطراف الصراع في ليبيا ” الطرف الإسلامي” عدا عن الدور الذي لعبته الدولة خلف الكواليس وتوجيهها لحل الأزمة باتجاه يرضيها ويحقق أجندتها الخارجية.
وينقل التقرير عن مسؤولين في الأمم المتحدة ومجلس الأمن قولهم إن بحث ليون عن وظيفة أدى إلى الإضرار بسمعة المنظمة الدولية.
وتلفت المجلة إلى أن المجلس الوطني الليبي، الذي يسيطر على مدينة طرابلس، ويضم عددا من الفصائل الإسلامية، دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى التحقيق في الموضوع قائلا: إن “علاقة ليون مع الإمارات العربية المتحدة أثرت على حيادته ودوره. وحتى أن ليون اعترف بإمكانية القيام بما عمله بطريقة مختلفة”، وقال: “أقول وبتواضع إنني كنت فعلت ما فعلت بطريقة مختلفة”.
ويوضح الكاتب أن الحادثة أضرت بسمعة الأمم المتحدة. وجاءت بعد أسابيع من اعتقال رئيس الجمعية العامة السابق جون آش، بعد توجيه المدعي العام إتهامات له بتلقيه رشاوى بقيمة 1.3 مليون دولار من ملياردير صيني مالك شركة عقارات، وعدد آخر من مديري شركات صينية. ونفى آش الاتهامات الموجهة إليه.
من جهته قام ليون بدعوة عدد من مساعديه والمدافعين عنه للحكم عليه، بناء على عمله الذي قام به، والاتفاق الذي قدمه. ونفى أن يكون حابى الإمارات في عمله، أو أيا من الأطراف الليبية المتنازعة. وقال إنه كان واضحا في نيته ترك مهتمه قبل أن ينتهي العقد معه لمدة عام. وقال :”كنت دائما متقيداً بالقواعد”.
ويعلق لينتش قائلا: “المشكلة هي أن الأمم المتحدة ليست لديها قواعد تمنع مسؤولا بارزا تبديل عمله بعمل يدر عليه راتباً أفضل في القطاع الخاص، أو بمنصب حكومي في مكان آخر”. ومن المفترض أن يتقيد موظفو الأمم المتحدة بـ”معايير السلوك للخدمة المدنية الدولية”، التي وضعتها لجنة الخدمة المدنية الدولية. وتم تعديل هذه المعايير عام 2013، وتشجع المسؤولين على تجنب الاستفادة بطريقة غير مناسبة من عملهم أو منصبهم السابق. ولكنها تسمح لهم بالبحث عن عمل آخر أثناء عملهم داخل المؤسسة الدولية. وتقول إرشادات أخرى أصدرتها الأمم المتحدة عام 2012، إنه يجب على مبعوثين مثل ليون “ألا يقبلوا شروطا لدعم لاعبين خارجيين يمكن أن يؤثروا على حيادية عملهم”، وبناء عليه يمكن للأمم المتحدة أن تجري تحقيقا فيما إن خرق مسؤول أو مبعوث المعايير.
وتذكر المجلة أن الأمم المتحدة قد استخدمت سلطتها لإجبار رئيس الوزراء الهولندي السابق رود لوبرز، الذي عمل مسؤولا لمفوضية الأمم المتحدة للاجئين، على ترك منصبه، بعد الكشف عن تحرشه الجنسي بفتيات عاملات معه. مستدركة بأن هناك حالات لا يتم التحقيق بها، ولوبرز من الحالات التي تم فيها طرد مسؤول من عمله.
ويشير التقرير إلى أن الوظائف الكبرى قد تكون نقطة انطلاق للبحث عن وظائف مهمة في مؤسسات وشركات أو مناصب سياسية. فقد تم انتخاب مساعد الأمين العام السابق للشؤون السياسية دانيلو تيرك رئيسا لسلوفينيا، وهو يحاول الآن أن يحل محل بان كي مون. أما الرئيسة التشيلية ميشيل باشليت فقد ترأست منظمة المرأة وتركت عملها عام 2013، حيث انتخبت في العام ذاته. كما وهنأ بان كي مون أمينة محمد، التي عملت مستشارة له حول التنمية المستدامة، بعد تعيينها وزيرة في الحكومة النيجيرية.
ويقول الكاتب إن “الأمم المتحدة تحاول وضع حد لسياسة الأبواب المتحركة، خاصة بعد فضيحة الفساد في برنامج النفط من أجل الغذاء وقيمته 68 مليار دولار، الذي سمح فيه لنظام صدام حسين ببيع النفط من أجل شراء الطعام والمواد الأساسية. وفي ديسمبر 2006، قام الأمين العام في حينه كوفي عنان بإصدار أمر يمنع مسؤولي المشتريات في الأمم المتحدة من (البحث أو قبول فرص عمل) من أي متعهد مع الأمم المتحدة لمدة عام، ولكن هذه السياسة لم تطبق على مسؤولي الأمم المتحدة البارزين بمن فيهم الوسطاء ومبعوثو السلام”.
ويضيف لينتش: “حاول مؤسسو الأمم المتحدة حث المسؤولين العاملين في مؤسساتها الدولية على عدم الاستفادة من مراكزهم لتعزيز مواقعهم السياسية في بلادهم. وفي عام 1946، تبنت الجمعية العامة قرارا جاء فيه: (لأن الأمين العام يحظى بثقة الكثير من الحكومات، فمن الأفضل ألا يمنحه أحد موقعا بعد تقاعده أو قبل ذلك، ما سيؤدي إلى الكشف عن معلومات سرية)”.
وتختم “فورين بوليسي” تقريرها بالإشارة إلى أن هذا الأمر لم يمنع المسؤولين الكبار من المشاركة في العملية السياسية، مثل كورت فالدهايم، الذي خدم في المؤسسة حتى عام 1981، وترشح لرئاسة النمسا، التي فاز بها عام 1986، كما ترشح خلفه بيريز دي كويلاي ولم ينجح لرئاسة بيرو عام 1995.