وعد الأحمد – وطن (خاص)
لم يعد بإمكان الرجل أن يقول للمرأة ولو على سبيل المزاح “لديك عمى ألوان” فقد ثبت بالدليل العلمي أن هذا المرض ذو طبيعة وراثية تحمله الأمهات ويورَّثنه لأبنائهن الذكور ” فقط ” وإذا ما ورثت الابنة هذا المرض من أمها فإنها تصبح حاملة له فقط وغير مريضة به، ثم تورثه لأجيال الذكور بعدها. ومرض “عمى الألوان” أو عدم القدرة على التمييز بين الألوان المختلفة مرض شائع بكثرة في كل أنحاء العالم، ولكن هذا الخلل الحسي اللوني ما زال يكتنفه بعض الغموض في الآلية والأسباب وطرق العلاج التي لم يتم التوصل إليها حتى الآن رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها الأطباء الإختصاصيون وعلماء الوراثة والفيزيولوجيا الذين يعولون على تطور الهندسة الوراثية مستقبلاً للتخلص من هذا المرض أو معرفة آليته الإمراضية
الدكتور شاكر مطلقحول طبيعة هذا المرض وأسبابه يقول الدكتور شاكر مطلق أخصائي العيون وجراحتها وعضو المجمع العيني الألماني لـ”وطن”: هناك نوعان من خلل الحس اللوني ( الولادي والمكتسب ) فالخلل المكتسب يمكن أن ينجم عن ضرر في القشرة الدماغية أو في شبكة العين أو في العصب البصري ، وبما أن الخلل ( العمى) في مجال الأحمر والأخضر هو الأدق لوظيفة الشبكية فإن الضرر الذي ينال من حس اللون يصيب غالباً هذا المجال من الطيف اللوني قبل أن يصل إلى إصابة الأصفر ، كما أن أمراض المشيمية قد تؤدي إلى مثل هذا الخلل اللوني ” ويوضح د شاكر مطلق أن شكلاً نادراً من هذا الخلل اللوني المسمى بالرؤية الصفراء يمكن أن ينجم عن تعاطي أدوية ما مثل (السنتونين ) كما يمكن أن تنشأ هذه الظاهرة بعد استئصال الساد والخلل الولادي ، وهو يصيب في معظم الأحيان مجال الطيف (الأحمر والأخضر ) ويوجد من هذا النوع أشكال مختلفة وتركيبات متعددة تتعلق بعدم امكان الرؤية في مجال معين من الطيف المرئي ، فعلى سبيل المثال يخطىء من لديه عملى في مجال الأحمر والأخضر ما بين الأحمر والأخضر ولهذا الأمر أهمية في الحياة اليومية وبخاصة في مجال إشارات المرور.
قطاف التوت البري
ينتشر الخلل في مجال الأخضر والأحمر (أو ما يسمى بالعمى) عالمياً وبخاصة بين الرجال حيث يصل إلى نسبة 4% من عدد السكان ، أما إصابة النساء فنادرة وهي تعادل 4 بالألف، وقد لوحظ أن الآباء ينقلون هذا الخلل اللوني عن طريق ابنة سليمة إلى الأحفاد الذكور وهذا ما يشبه مرض الدم ( الناعور ) ويشير د شاكر مطلق إلى أن ما يُسمى بـ”خلل النوع الثامن لتخثر الدم” يمكن ملاحظته لدى الأطفال عند قطاف التوت البري أو الكرز حيث لا يميزون بين الثمرة الناضجة وغير الناضجة ، ولكن اكتشاف الخلل يتم عادة في وقت متأخر مثلاً عند التقدم لوظيفة يحتاج المرء فيها إلى حاسة لونية سليمة والأهمية العملية لمعالجة هذا الخلل يمكن فهمها عند القيام بوظائف معينة يجب التمييز فيها بين الألوان كما في قيادة السيارات والقطارات والسفن والعديد من الوظائف الأخرى
ألواح أشي هاراألواح آشي هارا
ويضيف د . شاكر مطلق : “بما أن هذا الخلل يمكن أن يكون مكتسباً سواء من خلال أمراض عينية أو عصبية فإن ثمة ضرورة لإعادة فحص مثل هؤلاء الناس العاملين في مجالات لها علاقة قوية بموضوع الألوان ، وربما من الطريف الإشارة إلى أن المصابين بهذا الخلل وببعض التمرين والذكاء-كما يشير د.مطلق- يتحركون بحرية جيدة مستفيدين من الفروقات الطفيفة بين درجة الإنارة المختلفة فوق جسمين مختلفين
ويذكر أن هناك ألواحاً خاصة لعل من أشهرها الألواح المسماة ” آشي هارا ” نسبة إلى العالم الياباني الشهير للكشف عن هذا الخلل كما توجد أجهزة متطورة أخرى
وحول نسبة انتشار هذا الخلل الحسي بين الناس يقول د مطلق :
إذا تشددنا في فحوص اللون للكشف عن خلل في هذا الحس ولو بدرجات قليلة فإننا سنفاجأ بالعدد الكبير الموجود بين الناس الذين يحملون دون معرفتهم غالباً مثل هذا الخلل ، ولذلك ننصح في حال وجود خلل لوني أن يتم التعرف إلى الأسباب الكامنة وراءه والتي كما ذكرنا ليس بالضرورة أن تكون ولادية المنشأ وإنما مكتسبة ومتعلقة بوجود بعض الأمراض سواء في العين أو في الجهاز العصبي .
المورث الجيني اللوني
وحول إمكانية الشفاء من هذا المرض يقول ويرى الدكتور شاكر مطلق أن” هناك إمكانية للتحسن والشفاء من هذا المرض في حال وجود أمراض مكتسبة قابلة للعلاج ومرتبطة بهذا المرض ،أما في حال وجود مرض وراثي فالأمر ليس في متناول يدنا وربما أدى التطور العلمي المتعلق بالمورثات وبالهندسة الوراثية في السنوات المقبلة-كما يشير- إلى إمكان معالجة المورث المسؤول عن مثل هذا الخلل وهذا قد ينطبق على معظم الأمراض المعروفة لدينا الآن” ويتوقع الدكتور شاكر مطلق أن “طالب الطب مستقبلاً قد لا يتعلم الأمراض كما تعلمها الأطباء الممارسون منعزلة كالقرحة المعدية والساد والذبحة القلبية وما شابه، وإنما قد يكون الأمر على شكل مغاير بأن يتعلم أن الخلل الذي يصيب المورث الجيني رقم كذا يؤدي إلى أعراض ما ، وقد يتم استبداله-كما يؤكد- وبالتالي الشفاء التام ، وربما في مراحل مبكرة قد تسبق الولادة ، ويضيف على ضوء التطور المذهل الذي نعيشه الآن في مجال الهندسة الوراثية والاستنساخ – في مجاله العلمي المفيد – لا أعتقد أن هذا سيكون ضرباً من الخيال العلمي.