وطن – (خاص) لماذا يكذب الناس ، وهل يلجأون للكذب كحيلة للهروب من الواقع أم كوسيلة لتجميل صور ذواتهم في مرآة الآخرين على مبدأ – لا نكذب ولكن نتجمل – وهل أصبح للكذب فلسفة خاصة في زمن تعليب القيم والمعايير .
تقول دراسة حديثة وضعها عدد من الباحثين في جامعة كاليفورنيا الجنوبية أن الإنسان بصورة عامة يكذب كل 8 دقائق كمعدل وسطي ، بعدما زودوا 20 شخصاً بأجهزة للتنصت وجعلوهم يراقبون سراً تصرفات مجموعة من الرجال والنساء ، وتذهب الدراسة المذكورة إلى أن أكثر الناس ميلاً إلى الكذب هم الذين يقيمون علاقات اجتماعية كثيرة أو يسعون بحكم مهنهم وراء المعلومات ، ويندرج ضمن هذه الفئة : الباعة ، السكرتيرات ، الأطباء ، الصحفيون ، المحامون ، العلماء النفسيون .. والسياسيون والشعراء وكشفت أجهزة التنصت أن بين كل ثلاثين كاذباً توجد عشرون امرأة وعشرة رجال .
ويرى الباحث ابراهيم العبد الله الذي يحمل دبلوم فلسفة وآخر في التربية من جامعة دمشق عامي 1964-1967 لـ”وطن” أن “أسباب الكذب تتنوع بتنوع أشكاله ولعل أهم ما يدعو الإنسان إلى الكذب-كما يقول- هو “الخوف الناجم عن التزام الصدق في ظروف ناشئة من سلطة أو حالة استبداد وقهر أو من مواجهة الخطر ، حيث يصبح الكذب”-كما يشير – وسيلة لحماية الذات، لكن استمرار هذه الظروف لابد أن يؤدي بفعل العادة إلى انعدام الشعور الأخلاقي بمساوىء الكذب وإلى نشوء وتزايد الانسجام بين المصلحة الفردية والكذب ، واتساع دائرة ممارسته فيتفشَّى القلق والخداع والغش والاحتيال والخيانة والسرقة ، وتفسد الضمائر ،
ويذهب محدثنا إلى القول أن “الناس يعمدون إلى ممارسة الكذب كوسيلة أو سلاح في حلبة صراع المصالح والشهوات، وتتكرر هزائم المدافعين عن الحق والحقيقة مقدمة بذلك الدليل تلو الآخر على أفضلية مخالفة أحكام الضمير ، فتترسخ الانتهازية في كافة صور العلاقات الاجتماعية ، ويتحول المجتمع إلى ما يشبه الغابة يفترس فيها القوي الضعيف ، ويتوزع أفراده بين عدة فئات أقواها فئة الكواسر المدعَّمين بقوة إحدى السلطتين السياسية والاقتصادية أو كلتيهما.
فلسفة الكذب
ولكن هل للكذب فلسفة . يقول الباحث الدكتورعدنان مسلم المدرس في كلية علم الاجتماع بجامعة دمشق لـ”وطن”: يمكن الإجابة عن هذا السؤال بـ ” لا ” و” نعم ” فالفلسفة بمعناها الحرفي أو في أصلها اليوناني ( فيلا – صوفيا ) هي حب الحكمة أو طلب الحقيقة ، وتتناقض كلياً مع الكذب ، لكن شمولها للمنطق ووسائل الإقناع ونظريات التأسيس للمذاهب والإيديولوجيات المختلفة-كما يوضح- “أفسح المجال لاحقاً لاحتوائها ظاهرة الكذب كمغالطات منطقية أوحقائق متناقضة ، وتعتبر السفسطائية القديمة والبراجماتية ( الذرائعية ) الحديثة من أهم الشواهد على أن للكذب فلسفة خاصة به ، كما يمكننا اعتبار المضامين الفكرية لسياسات عالم اليوم والأصول المتبعة في وسائل الإعلام أو المرافعات القضائية جزءاً من فلسفة الكذب بمقدار ما هي جزء من الفكر” .
بين التبرير و” البراغماتية ”
أما الدكتور نوفل نوفل المدرس في كلية التربية بجامعة دمشق يحلل ظاهرة الكذب من وجهة نظر تربوية قائلاً :
موضوع الكذب قديم وُجد مع وجود الإنسان ، فقد أنَّبت الكتب السماوية على الدوام وتوعدت الكاذبين بالنار وعذاب جهنم ، وهناك تسميات عديدة لهؤلاء الناس منهم المنافقون والنفاق هو قمة الكذب والسبب في ذلك أن الإنسان يُظهر شيئاً ويضمر في باطنه خلاف ذلك ، ويشير د . نوفل إلى أن “للكذب فلسفة خاصة يتعامل بها هؤلاء الناس الكاذبون ولهذه الفلسفة أشكال عدة منها ( تبريرية ) ومنها ( (براغماتية ) – نفعية ويتجلى الكذب التبريري في ما يقوم به بعض الناس عندما يُسألون عن ناحية معينة أو مشكلة ما ويكون صاحب المشكلة قريباً منهم أو يمتون إليه بصلة فلكي لا يلحق به الضرر يكذبون على السائل وقد يتجرأ ون القسم بأيمانٍ كاذبة لتبرئة هذا القريب ، لذلك عالج الإسلام هذه الناحية ووضع لها ضوابط وخصوصاً عندما دعا هذا النوع من الكذب شهادة الزور وعُدَّ من الكبائر، وهناك الشكل البراغماتي ونفعية الكذب الذي يريد من خلاله بعض الناس الوصول إلى مكاسب اجتماعية للشهرة أومادية ( للكسب المادي) لذلك يلجأون إلى هذا النوع من الكذب.