كتب : محرر الشؤون الاقتصادية الأردنية – خاص وطن
غيب الموت أمس الأول الثلاثاء ، رئيس المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي ، لكنه أعاد للذاكرة والأذهان الملف المصرفي الأسود حادثة إفلاس بنك البتراء احد المصارف المالية التي تولى مجلس إدارته في العاصمة الأردنية عمان ، وأعاد الملف مجدداً على طاولة النقاش وتصدر صالونات عمان التي غادرها مطلع تسعينيات القرن الماضي بطريقة لا تزال الضبابية تخيم عليها دون اية مسائلة أمنية ، ليحمل لاحقاً مسؤولية إفلاسه ويطارد بقرار قضائي غيابي الاشغال الشاقة المؤقتة مدة 22 سنة وغرامات مختلفة تقدر 30 مليون دولار بجرم الاحتيال وإساءة الائتمان .
ربع قرن على جريمة اقتصادية مالية هزت الشارع الأردني بالتزامن مع حقبة مالية اقتصادية صعبة في تاريخ الأردن بما عرف لاحقاً بنك البتراء- تحت التصفية وبلغت معها ديون البنك المركزي في حينها نحو 217,85 مليون دينار ، كلف فيها الأخير محافظاً مصفياً بقرار لجنة الأمن الاقتصادي والذي اكتسب الصفة القطعية بموجب قانون حماية الاقتصاد الوطني آنذاك .
الحكاية من بدايتها …
بعيداً عن غرابة منح الموافقات الحكومية الرسمية وصعوبته حتى على الأردنيين أنفسهم ، ثلاثة ملايين دينار كانت كفيلة بدء تأسيس بنك البتراء كشركة مساهمة عامة منتصف سبعينيات القرن الماضي ، قبل ان يصبح رأس المال المصرح به 5 ملايين دينار مطلع العام 1985 ، قدر للجلبي احمد ان يتولى رئاسة مجلس الإدارة ومديراً عاماً مطلع آب 1982 بعد ان غيب الموت رئيس مجلس إدارته آنذاك محمد طوقان .
ستة سنوات استطاع من خلالها العراقي احمد الجلبي إلى جانب ثمانية من أقاربه في البنك فرض سطوته على سوق المصرف الأردني ، كانوا يعملون لصالحه الشخصي عبر بنوك أخرى تخص عائلة الجلبي في الخارج ، قبيل صدور قرار لجنة الأمن الاقتصادي 2 آب 1989 بحل مجلس إدارة البنك وتعيين لجنة للإدارة ، قبل أن يغادر الأول البلاد بستة أيام بصورة لا تزال محط جدل مراقبين ومهتمين في الشأن السياسي الاقتصادي الأردني.
تحت غطاء قرارات لجنة الأمن الاقتصادي آنذاك التي كان البنك المركزي يكتبها، الزم معها بكفالة الالتزامات المترتبة على بنك البتراء، ولم يكتفي فقط بدفع ودائع العملاء بل أيضاً ودائع البنوك الأخرى لديه والمقدرة بنحو 80 مليون دينار، وهي كفالة كلفت البنك المركزي خسارة مباشرة صافية تقدر بحوالي ربع مليار دينار، تضاف إليها تكاليف غير منظورة لا تقل عن هذا المبلغ، ناشئة عن عدم قيد أية فوائد على الحساب المكشوف للبنك تحت التصفية لدى البنك المركزي خلال 25 عاماً، وهو يحسب بمئات الملايين من الدنانير التي أعاد المركزي امتصاصها مرغماً من السوق عن طريق شهادات الإيداع بكلفة باهظة.
عشية أول هزة مالية أواخر الثمانينيات تعاملت السلطات الأردنية معها كعنوان رئيسي للازمة الاقتصادية بدءً من تذبذب سعر صرف الدينار امام الدولار والعملات الأجنبية ، مروراً باسوأ ازمة مالية انهار سعر الصرف لدرجة لم يعد معها البنك المركزي قادراً آنذاك السيطرة على أسعار السوق ، رافقها تقلص احتياطي البلاد من العملات الأجنبية كما تبخر جزء مهم من احتياطي الذهب الذي لجأت الحكومة لاحقاً لبيعه من اجل الوفاء بالتزاماتها تجاه الدائنين ، انتهاءً بموقعة إفلاس بنك البتراء الذي مثل لاحقاً 29 من اصل ثمانية وأربعين متهما جميعهم من العاملين في البنك امام المحكمة العسكرية التي فرضتها حقبة الأحكام العرفية السائدة في البلاد ، فبرأت 26 منهم وحكمت على البقية وجاهياً منهم 19 آخرين غيابياً.
وكانت محكمة امن الدولة أصدرت حكما غيابيا بحقه بتاريخ 9/4/1992 بإدانته بجرائم اختلاس أموال بنك البتراء ابان توليه رئاسة مجلس الإدارة في الفترة ما بين 1982- 1989 ، وكذلك تجريمه بجرائم الاحتيال وإساءة الائتمان والحكم عليه بالاشغال الشاقة المؤقتة مدة 22 سنة وغرامات مالية قدرت بنحو 30 مليون دولار .
ولعل غياب المحاكم المدنية في البلاد المفترض النظر بملفات الجرائم الاقتصادية والتي لا تزال حتى اللحظة صاحبة الولاية العامة فيها ، حال القرار القضائي الصادر من المحاكم العسكرية دون الزام الإنتربول – منظمة الشرطة الجنائية الدولية إحضار المطلوب الأبرز في الملف لعدم دستوريتها وفقاً للقانون الدولي ،
بينما يؤكد البنك المركزي الأردني أن إجراءات تصفية بنك البتراء لا تزال مستمرة ويتم تجديدها سنوياً ، 10 ملايين خسائر سنوية جراء تأخر إغلاق وحسم ملف التصفية وإبقائه بمثابة التكسب لأعضاء لجنة التصفية والتي باشرت عملها منذ التسعينات يتقاضون مكافآت شهرية منهم وزراء سابقون ومدراء بنوك ومحامين تتراوح من 300 -750 دينار شهريا ، فيما تزخر الصحف اليومية في إعلانات مستمرة تؤكد بقائها على قيد الحياة ، وهو ما يؤكد رغبة الاستمرار في حمل حساب بنك البتراء المكشوف المقدرة ربع مليار دينار ضمن ميزانية البنك المركزي كموجودات مع أن القيمة الحالية الحقيقة لتلك الموجودات لا تزيد عن عشر هذا المبلغ في أحسن احوالها جراء نقصان قيمة اثمان الحجوزات خاصة العقارية منها.
وتشكل هذه الديون غالبية المطالبات المالية المترتبة للبنك المركزي على بنوك ومؤسسات مالية متعثرة تحت التصفية أو اخرى تم دمجها أو تصفيتها وبنوك ومؤسسات مالية والبالغة 263,9 مليون دينار كما في نهاية العام الماضي ، تم توريد مبلغ 24,37 مليون دينار للبنك المركزي لغاية العام 2009 وتم تقاصها من رصيد تسهيلات عملاء بنك فيلادلفيا ، وفقا لتقرير مدقق حسابات “المركزي” الذي رفعه مؤخرا لرئيس مجلس الوزراء ومجلس إدارة البنك.
كما تشمل ديون البنك المركزي على البنوك والمؤسسات المالية ديونا على بنك فيلادلفيا ، حيث قدم البنك المركزي تسهيلات لمعالجة العجز في موجودات بنك فيلادلفيا ويعود معظمها لتسهيلات ممنوحة لعملاء بنك فيلادلفيا والتي لا تزال هي الأخرى قيد المتابعة من قبل مدعي عام محكمة أمن الدولة علما بانه تم دمج بنك فيلادلفيا مع البنك الأهلي الأردني خلال العام 2005 ويتم إيداع المبالغ المحصلة في حسابات وسيطة لدى البنوك التجارية والتي تقوم بدورها بتحويلها للبنك المركزي.
غادر المطلوب لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ” احمد عبد الهادي الجلبي” العاصمة الأردنية عمان وهو أبن الوزير ورئيس البرلمان العراقي خلال الحقبة الملكية في العراق ، مختفياً قبل ان يظهر كمعارض ليبرالي أواخر تسعينيات القرن الماضي بصورة السياسي المعارض والذي لعب فيه دوراً بارزاً بغية اسقاط نظام حزب البعث الحاكم ، فكان اول الواصلين لبغداد خلف رتل دبابة الاحتلال الأمريكي بعد غياب استمر عقود وهي التي غادرها ابن الـ 14 عاماً ، ليفارق الحياة الثلاثاء بملء الذاكرة في منزله المسمى البيت الصيني في بغداد وهو الذي اقتحمته قوات الاحتلال الأمريكي لاحقاً واعني منزله بعد ان ثبت تورطه في التجسس لطهران ، اكتفى معها بنصيبه السياسي التي فرضها بول بريمر الحاكم الأمريكي المدني للعراق.
اسقط نبأ وفاة الجلبي الاحكام الجزائية القضائية وتبقى الاحكام المالية قائمة ان وجدت له تركة وفقاً للقوانين الأردنية ، وتقول يحق للأردنيين المطالبة بقيمة المستحقات المالية التي قضت بها محكمة أمن الدولة ، فيما تتجاهل عدم دستورية المحاكم العسكرية دولياً، بالإضافة لعدم اتخاذ إجراء الحجز على ممتلكاته وتركته.
وكان الجلبي رفع دعوى قضائية آب 2004 ضد الأردن والبنك المركزي وبعض المسؤولين السابقين امام المحاكم الأمريكية مطالبا بدفع تعويضات مالية له جراء عملية تصفية بنك البتراء ، حيث ردت دعواه شكلا أمام محكمة الدرجة الأولى الأمريكية.