وعد الأحمد- وطن- خاص
نور، صباح، وسام، نجاح، سلام، سماح أسماء علم تمثل جزءاً من قاموس الأسماء المشتركة بين الجنسين في الكثير من المجتمعات العربية، وهذه الظاهرة وإن كانت تبدو للوهلة الأولى طريفة ومضحكة إلا أنها قد تكون في أحيان أخرى كارثية وربما سببت للأشخاص الذين يحملون أسماء مشتركة مشاكل ومواقف محرجة.
خضعت أسماء الناس مثل غيرها من السمات والمكونات الشخصية للكثير من التغيير والتبديل في سورية بسبب التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي طال القيم والمفاهيم أيضاً في العقود الأخيرة وانعكس ذلك على أسماء الذكور والإناث التي دخلها الكثيرمن الألفاظ الغريبة وغير المألوفة ، بل إن بعضها أصبح يُطلق على الذكر والأنثى وكأن ( الاسم ) الذي من اشتقاقاته ” الوسم ” و ” السمة “( أثر الكي ) والسيماء ( العلامة ) وكان جزءاً من كيان الإنسان القديم ومن روحه أيضاً أو
” قريناً ” له حسب معتقدات القدماء أصبح اليوم لفظاً بلا معنى وبات من المعتاد أن نرى أسماء مشتركة للإناث والذكورعلى حد سواء يغلب على بعضها التذكير في معرض التأنيث والعكس صحيح، وجرت العادة في تسمية الإناث أن يشير الاسم إلى الأنوثة لفظاً أومعنى أو مجازاً أو صفة أما أن تضيع هذه الإشارة ويختفي أثرها فهذا مما يدعو للعجب ، ومن يتأمل قاموس الأسماء الأنثوية في سورية اليوم سيحار في أمره ويعجزعن التمييز بين الذكر والأنثى وسيجد صعوبة كبيرة في اكتشاف ” عبيرالأنوثة” في أسماء ثقيلة الوقع والظل من مثل ( ازدهار ، ختام ، إحسان ، إنعام ، انتصار ، رجاء ، نجاح ، إسعاف ، إنصاف ، اعتدال ، فكرات ، ابتهاج – جودي – كفاح ) وبالمقابل لن يجد شيئاً مما يوحي بالرجولة في أسماء من مثل ( دلال ، وفاء ، سماح ، نوار، عصمت، جمال، إقبال، إحسان, إلهام) . وغيرها من الأسماء التي تزخر بها اللغة العربية، وتُطلق على الإناث والذكور من دون أن ترجح كفة أي منهما الأنثى أو الذكر في أحقية حملها. لكن بعض هذه الأسماء قد يشكل في أحيان كثيرة عبئاً ثقيلاً على الاثنين معاً، لا لسبب غير عدم وضوح صورة جنس الفرد حين يذكر اسمه في المجتمع، خاصة إذا كان غير مشار إليه في وجوده، أو ماثلاً أمام الآخرين عند لحظة المناداة.
فتاة في الجندية !
يفسر البعض ظاهرة إطلاق أسماء مشتركة بين الإناث والذكور إلى ميل الأهل غالباً إلى وضع الابن أو البنت في إطار توجههم أو أفكارهم الناتجة عن عوامل اجتماعية أو ثقافية أو سياسية وثمة من يفسر هذه الظاهرة من ناحية عاطفية، فـ”هناك تقليد تلجأ إليه بعض العائلات التي تطلق أسماء مشتركة على أبنائها وهو يتمثل بأمنية يطمح الأهل إلى نيلها، وهي أن يرزقوا طفلة أو طفلاً كي تكتمل صورة العائلة المثالية التي تشمل بين ثناياها الجنسين، ولذلك يعتقدون أن إطلاق اسم مذكرعلى الطفلة فال خير بالنسبة لهم ودلالة على أن القادم من أبنائهم ذكر”- كما تقول الصحفية “هنادي أبو هنود”لـ”وطن”
الصحفية هنادي أبو هنودومهما كانت أسباب اعتماد هذه الأسماء التي ترافق حامليها طوال العمر، فإن هذا لا يمنع من القول أن آثار هذه الأسماء متفاوتة بين شخص وآخر ففي حين يتباهى بعضهم بها وتشكل عامل فخر لما يحمل اسمه من معنى راقٍ، قد يتحول بالنسبة إلى البعض الآخرعبئاً ثقيلاً يلازمه ويتذكره في كل مرة يناديه أحد ما، خصوصاً إذا ترافقت هذه المناداة مع تساؤلات متعلقة باللغط الحاصل بين جنس المسمى وسبب التسمية.
وتقول ( وسام العلي 21 عاماً – طالبة جامعية): منذ وعيت على الحياة وأنا أشعر أن اسمي عبء ثقيل علي فالكثير من صديقاتي كن لا يصدقن أنه اسمي الحقيقي الذي أورثني والدي إياه دون أن يقدر العواقب المترتبة على هذا الاسم وعقدة المنشار كما تقوم وسام عندما جاء محضر من شعبة التجنيد يبلغ أهلها بضرورة ألتحاق ابنهم الذي هو أنا – الأنثى- بالخدمة العسكرية ولولا أن تدارك أهلي الأمر وقام أبي بتصحيح قيدي الذي سجل فيه بالخطأ ذكر لكنت الآن في صفوف الجيش أو مرمية في قطعة عسكرية لا أدري أين ؟!.
ويروي ( ميسرة شناعة 27 سنة ) -أعمال حرة – قصته مع اسمه المؤنث قائلاً : جئت مع عائلتي من مدينة حلب إلى دمشق لنسكن فيها، وقد أثار أسمي غير المألوف في الحي الذي سكنا فيه الكثير من الاستغراب والاستهجان لاعتقادهم أن الاسم أنثوي فقط وأذكر أنني تشاجرت مع أحد أبناء الجيران لأنه عايرني باسمي وراح يردده بطريقة استهزائية أثارت غضبي ولكن مع ذلك أحب هذا الاسم لأنه غريب من نوعه ونادر في سوريا .
فيما ترى ” تِمام العبود –بكسر التاء-20 عاماً -طالبة جامعية ” التي غيرت اسمها إلى “تيماء” أنها كانت قانعة باسمها القديم وخاصة أنه اسم بدوي معروف ومألوف في الوسط الاجتماعي الذي تعيش فيه ولكن بمجرد دخولها الجامعة أصبحت مثاراً للتندر والسخرية من جميع زميلاتها لدرجة أنها كرهت الاسم وحبست نفسها 3 أيام بالغرفة حتى يوافق والدها على تغييره وهذا ما حصل بالفعل حيث توجهت مع والدها إلى دائرة السجل المدني وقامت بتغيير اسمها .
شبهة ذكورية !
أثبتت الدراسات النفسية والاجتماعية أن التربية التي يهتم بها الوالدان لابنهما تبدأ من الاسم وأن أكثر من 90 % من أصحاب الأسماء المشتركة بين الجنسين يقعون ضحية أسمائهم وهم نتيجة لذلك يكنون في الغالب شيئاً من الحقد والكراهية للآخرين ، من جانب آخر تشير إحصائيات السجل المدني في حمص أن الفتيات دون العشرين عاماً هن الأكثر إقبالاً على تغيير أسمائهن التي ” تحمل شبهة ذكورية ” كـ” « نور، و صباح، ووسام، ونجاح، وسلام، وسماح، وعصمت، وجمال، وإقبال، وإحسان ” بينما يلجأ الشبان إلى تغيير أسمائهم الأنثوية لأنها تسبب لهم الكثيرمن المضايقات والإحراج من قبل الآخرين ومن هذه الأسماء ( نهاد – سمر – وفاء – ميسرة – رواد ).
ومن القصص الشهيرة المرتبطة بأسماء الذكورة والأنوثة في سورية قصة الضابط فايزمنصور الذي استطاع أن يدخل إلى الكلية الحربية بعد أن قام بخدعة بسيطة أضاف فيها تاء مربوطة إلى اسمه ليصبح فايزة منصور– وهو اسم أخته الحقيقي- وبعد حصوله على شهادة البكالوريا دخل الكلية الحربية وتخرج منها ليصبح طياراً شهيراً في سورية أبلى بلاء حسناً في حرب تشرين ضد القوات الإسرائيلية قبل أن يستشهد ويُكتب اسمه بالدم وماء الذهب ، ولازالت طائرته الفانتوم إلى اليوم معروضة في حديقة المتحف الحربي بدمشق ، وهناك قصة الأديب والناقد السوري المعروف سمر روحي الفيصل الذي كان اسمه الأنثوي مثار استغراب لدى الكثيرين ومنهم الكاتبة الكبيرة غادة السمان التي أرسلت إليه تخاطبه فيها بصيغة التأنيث لاعتقادها أنه ” ناقدة ” يقول الدكتور سمر روحي الفيصل: لقد سبب لي اسمي غير المألوف بالنسبة لعالم الرجال الكثيرمن المواقف والمفارقات الغريبة والطريفة في بعض الأحيان وبالذات أثناء دراستي في جامعة دمشق ، ويتابع د.سمر: “لا زلت أذكر أنني كتبت دراسة عن أعمال الكاتبة السورية الكبيرة غادة السمان فأرسلت لي رسالة تخاطبني فيها بصيغة المؤنث لاعتقادها أنني امرأة فأرسلت لها توضيحاً ومنذ ذلك الوقت تربطني بها علاقة مودة وتقدير بعد هذا الموقف الطريف”
الدكتور سمر روحي الفيصلولكن لماذا يلجأ الآباء عادة لإطلاق أسماء لا تتناسب مع جنس مواليدهم ، لا شك أن إطلاق اسم ما على المولود يعكس ثقافة الوالدين أو انتماءهما الاجتماعي أوالفكري وتؤكد الباحثة آمال عبد الرحيم لـ”وطن” أن شيوع ظاهرة الأسماء المشتركة في المجتمعات العربية يعود بالدرجة الأولى إلى المعاني التي تحملها هذه الأسماء، وهي صفات يعتمدها العرب لإضفاء سمات تميز أبناءهم عن غيرهم. وتنفرد لغتنا ومجتمعاتنا العربية بهذه الميزة التي تسمح باستخدام صفات مشتركة بين الجنسين، وهي غير قابلة للتأنيث، ما جعل العرب يستفيدون منها في تسمية أبنائهم، وهي إضافة إلى ذلك تلعب دوراً إيجابياً، نظرا لبعدها عن الأسماء الدينية التي تعكس انتماء الفرد الطائفي أو المذهبي . ويمكن أن نعزو اعتماد الأسماء المشتركة إلى أسباب وراثية واجتماعية ودينية وسياسية برزت بشكل واضح في تاريخ الشعوب العربية التي أطلقت على أبنائها أسماء القادة والشخصيات التي تركت بصمة في تاريخهم مثل جمال وجيفارا وغيرها من الأسماء.
الدكتورة آمال عبد الرحيم