يهدد النقص المتزايد في مخزون النقد المصري قدرة البلاد على العودة الاقتصادية بعد الاضطرابات التي أنشأها الربيع العربي في عام 2011. إنه السبب في تحول مصر من كونها واحدة من أكثر المناطق جذبا للمستثمرين منذ عامين فقط إلى واحدة من أكثر البلاد ركودا.
وتراجعت احتياطيات مصر من النقد الأجنبي في نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي إلى16 مليار دولار وهو أدنى مستوى منذ 6 أشهر. وهذا يساوي ثلاثة أشهر فقط من غطاء الواردات، وهو الحد الأدنى للوسادة النقدية التي أوصى به صندوق النقد الدولي.
وقال «جيسون تيفي» خبير شؤون الشرق الأوسط في «كابيتال إيكونوميكس» إن المستوى الهزيل لاحتياطيات مصر النقدية يعني أن مصر حرقت معظم الـ12 مليار دولار من حزمة الإنقاذ النقدية التي تلقتها من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت في مارس/أذار الماضي.
وأضاف «في ضوء انخفاض أسعار النفط، هناك مخاوف ألا يتم تزويد مصر بنفس القدر من الدعم المالي على مدى السنوات القادمو فقا لـ«تيفي». أو بعبارة أخرى فإن «المانحين لديهم مشاكلهم الخاصة الآن».
في الأسبوع الماضي، خفضت «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني للمملكة العربية السعودية بسبب انخفاض عوائد النفط والذي تسبب في سحق ميزانية المملكة. وجاء هذا التخفيض بعد أيام فقط من تحذير صندوق النقد الدولي من أن المملكة سوف تستنفذ احتياطياتها من النقد خلال 5 سنوات أو أقل إذا بقيت أسعار النفط تتراوح حول سعر 50 دولارا للبرميل.
وفي هذا التقرير نفسه أشار صندوق النقد الدولي إلى أن مصر «تتلقى منحا رسمية كبيرة» من هذه الدول الخليجية التي تتصارع الآن مع النفط الرخيص.
الأمور تبدو أكثر قتامة في مصر
المخاوف بشأن مستويات النقد المنخفضة في مصر، والشك في قدرتها على الحصول على مساعدات أكبر من قبل الدول الخليجية المجاورة يخيف المستثمرين.
تشهد البورصة المصرية تباطؤا ، وقد انخفض مؤشر مورجان ستانلي بنسبة 12% هذا العام مقارنة بانتعاش بلغ 30% العام الماضي، وزيادة 52٪ في عام 2012.
وقالت شركة أبحاث ماركيت أن تكلفة تأمين السندات المصرية وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ انتخاب الرئيس «عبد الفتاح السيسي» في مايو/ أيار 2014.
توقيت الاضطراب المالي مثير للسخرية إلى حد ما نظرا لأن مصر تتمتع بلحظة من الهدوء السياسي لاسيما بالمقارنة مع الفترة الخمسية الأخيرة التي شهدت اضطرابات كبيرة.
«الواقع الاقتصادي يطغى على الاستقرار السياسي الذي بدأت البلاد تشهده مؤخرا في أعين المستثمرين» وفقا لـ«سالمون كالفين» محرر السياسات في ماركيت.
السياح والمستثمرون لا يزالون يخافون من مصر
وقد تم هز الاقتصاد المصري من قبل مجموعة من العوامل السلبية. ومن المفهوم أن الاضطرابات السياسية وسلسلة متواصلة من تخفيض قيمة العملة قد أفزع العديد من المستثمرين الغربيين ، مما تسبب في هبوط في الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد.
وبالمثل، فقد أحجم السياح الغربيون بعيدا إلا من زيارة الأهرامات المصرية، وتضرر قطاع السياحة الذي يشكل أهمية كبرى في البلاد.
«من الواضح أن السياحة تشهد ركودا، وهناك حاجة ماسة لإحيائها» وفقا لـ«تيفي».
وفي الوقت نفسه، تحاول مصر تضييق الخناق على السوق السوداء للعملات الأجنبية. وتتسبب هذه الخطوة في ضرر للاقتصاد من خلال التسبب في نقص في الدولارات التي تحتاجها الشركات لاستيراد السلع.
وتتفاوض مصر حاليا على قرض بقيمة 3 مليارات دولارات من البنك الدولي لمساعدتها في التغلب على نقص العملة.
هل ستواصل السعودية تقديم القروض؟
السؤال الكبير الآن هو: هل المملكة العربية السعودية وحلفاؤها سوف يواصلون مد أيديهم في جيوبهم لتمويل الخزائن المالية سريعة التفريغ في مصر؟
ويقول «تيفي»: «لا أعتقد أن دول الخليج سوف تقوم بسحب كامل دعمها لمصر».
على الرغم من أن الخليج يتضرر اقتصاديا، فإن الدوافع السياسية ربما تجبره على مواصلة تقديم المساعدة لمصر.
ويشير «تيفي» لرغبة المملكة العربية السعودية وبلدان أخرى في المنطقة لمواصلة الحملة السياسية التي يشنها «السيسي» على جماعة الإخوان المسلمين.
« ينظر الى جماعة الاخوان المسلمين باعتبارها تشكل تهديدا للملكيات في منطقة الخليج. وفي مقابل قيام السيسي بتضييق الخناق على الإخوان، فقد قدمت هذه الدول مليارات الدولارات إلى مصر».
الحاجة للمزيد من الإصلاحات
مع ذلك، فإن تحطم النفط يجعل من الواضح أن مصر تحتاج إلى تسريع الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى جذب المستثمرين الأجانب مرة أخرى.
يدفع صندوق النقد الدولي بدوره مصر إلى زيادة الإيرادات الضريبية، وتحسين سياسات سوق العمل ومتابعة الإنفاق المعزز للنمو على البنية التحتية التعليم والرعاية الصحية.