عرضت طهران على واشنطن ابتعادها عن الروس في سورية مقابل تخلي الولايات المتحدة عن السعودية في الموضوع السوري.
وقال مسؤولون أمريكيون “إن الإيرانيين أبدوا استعدادهم الابتعاد عن الروس في سورية، وهو ما نعتقد إشارة لاستعدادهم للتخلي عن الأسد”. في المقابل، طلب الإيرانيون أن يكون “التفاوض حول سورية حصرياً بين طهران وواشنطن”، ما يعني إخراج الرياض وأنقرة وموسكو من المعادلة، وما يعني أن يفاوض الأمريكيون باسم المعارضة السورية من دون الأخذ برأي السعوديين.
ولم يفصح المسؤولون الأميركيون عن “طبيعة القنوات” التي أوردت من خلالها طهران طلبها، ولكنهم ذكروا أنها “قنوات متعددة، مباشرة وغير مباشرة”.
وتوقع مراقبون أن يكون وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، ألمح إلى الأمر أثناء لقائه نظيره الأميركي جون كيري في فيينا على هامش اللقاء الذي تم تخصيصه للتباحث في الأزمة السورية، الأسبوع الماضي، بمشاركة ممثلي 14 دولة والاتحاد الأوروبي.
ورصد المعنيون في الشأن السوري في العاصمة الأميركية قيام مجموعات اللوبي الموالية لإيران بتمريرها رسائل علنية من هذا النوع، فمراسل صحيفة “وال ستريت جورنال” اليمينية المحافظة نقل في طهران عن مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى تهديدات مفادها أن “مشاركة إيران في المحادثات حول سورية ليست مفتوحة الأمد”، وأن “طهران ستنسحب إن لم تثمر المفاوضات نتائج سريعة للتوصل إلى تسوية في سورية، خصوصاً إن تحولت هذه المفاوضات مبارزة سياسية بين إيران والسعودية”.
ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن إدارة الرئيس باراك أوباما صارت تعتقد أن “إيران تعلق أهمية على إلحاقها الهزيمة بالسعودية أكبر بكثير من الأهمية التي تعلقها (إيران) على بقاء الأسد في الحكم”.
ويتابع المسؤولون أنه “لطالما قال الرئيس (أوباما) إن الإيرانيين يعرفون حسابات الربح والخسارة”، وإن الإيرانيين في سورية “لا يتعلقون ببقاء الأسد بل هم عملوا على إبقائه في الحكم حتى يتمكنوا في وقت لاحق من مقايضته”.
الطريقة التفاوضية نفسها اتبعها الإيرانيون في ملفهم النووي، فهم أوغلوا في تركيب الطرود المركزية للتخصيب النووي، ثم تخلوا عن معظمها ووافقوا على مراقبة دولية لصيقة لبرنامجهم مقابل مقايضات يعتقدون أنها أكثر فائدة لهم في موضوعات أخرى، حسب المسؤولين الأميركيين.
وفي هذا السياق، يكرر مراقبون أميركيون أن “هدف إيران لم يكن يوما صناعة أسلحة نووية، بل مقايضة ملفها النووي، وهي على مدى ست سنوات، نجحت في اقتناص سلسلة من التسويات الهائلة من أوباما وإدارته، تصدرتها تنازلات أوباما الواسعة في العراق وتخليه عن حلفاء أميركا هناك وتسهيله تعاظم النفوذ الإيراني”.
اليوم، يبدو أن إيران تعتقد أن ثمن تخليها عن بشار الأسد في سورية، وهو تخلٍ لم تترك واشنطن مجالاً للشك أنها مستعدة مقابله لمنح الإيرانيين اليد العليا في سورية، هو ابتعاد أميركي عن الموقف السعودي المصر على خروج الأسد من الحكم.
والتنازل الأميركي للإيرانيين عززه تدخل روسيا، الغريم الأكثر ثقلاً وإستراتيجية ضد الولايات المتحدة، في الحرب السورية.
ومنذ دخول روسيا الحرب السورية، صارت إدارة أوباما شبه متأكدة أنه بمنح إيران النفوذ الكامل في سورية، فإن المصلحة الأمريكية لن تنحصر في إلحاق الهزيمة بتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) و”جبهة النصرة” وتثبيت الأمن في سورية، فحسب، وإنما أيضا في إلحاق هزيمة بالروس داخل سورية.
أما الثمن الوحيد الذي طلبته أميركا من إيران فهو التخلي عن الأسد.
ومن جانبها، يبدو أن طهران يمكن أن توافق على الحل الأميركي بتسلمها سورية وإخراجها الأسد وتثبيت الوضع الأمني، ولكن الهدف الإيراني البعيد المدى هو كسر التحالف التقليدي بين أميركا والسعودية. “حتى نكون أكثر دقة”، يقول المسؤولون الأميركيون: “تعتقد طهران أنه يمكن لنا (أميركا) الافتراق عن السعودية في الموضوع السوري على الأقل”.
ويمكن أن الإيرانيين رصدوا حالات ماضية سبق أن افترقت فيها إدارة أوباما عن حلفائها، إن كانت إسرائيل أم السعودية. ويمكن لافتراق آخر أن يتسبب في قطيعة بين واشنطن والرياض، وهو يبدو الهدف الإيراني الأبعد من قبول طهران للتصور الأميركي للحل في سورية.
وتناقلت أوساط في واشنطن أن اللوبي الموالي لإيران في العاصمة الأميركية، والذي سبق أن حمل عروضاً إيرانية عدة للأميركيين، حتى في زمن الرئيس السابق جورج بوش، يكثف عمله لتسويق تصور طهران للحل الأميركي – الإيراني في سورية.
أما إن رفضت واشنطن العرض الإيراني، فالإجابة جاءت من طهران سريعاً في “وال ستريت جورنال”، وتقضي بإغلاق النافذة الإيرانية التي تفتحها طهران لمدة قصيرة جداً للحل.
واشنطن – من حسين. ع