قال البروفيسور “إيال زيسر” المتخصص في تاريخ الشرق الأوسط وإفريقيا بجامعة تل أبيب إن العرب قد تخلوا تماما عن الفلسطينيين، وهو ما يكشفه الصمت المطبق للدول العربية منذ اندلاع انتفاضة السكاكين التي لم تحظ بتأييد سواء داخل المجتمعات العربية أو في وسائل الإعلام.
ورأى “زيسر” في مقال بصحيفة “إسرائيل اليوم” إنه “ليس لدى من يحارب الإخوان المسلمين وتنظيمات الإسلام الراديكالي في مصر وتونس ومناطق أخرى أي سبب لتأييد الحركات الإسلامية وحماس فيما تحاول إشعال النفوس باسم الدين”.
إلى نص المقال..
في مقابل موجة الاعتداءات الأخيرة التي يقودها حاملو سكاكين فلسطينيون مراهقون، يبرز صمت العالم العربي، الذي يختار تجاهل العاصفة التي يحاول هؤلاء تحريكها، ويفضل تركهم وحدهم مع ما صنعوه. فنضال حملة السكاكين هؤلاء هذه المرة، ليس نضال العالم العربي ضد إسرائيل، بل حتى، كما يتضح، ليس نضال كل الفلسطينيين.
الصمت، والتجاهل هذا، جديران بالذكر، لأنه في الماضي غير البعيد كان يكفي أن تشتعل الأوضاع قليلا في الأراضي الفلسطينية، نهايك عن جبل الهيكل(المسجد الأقصى)، كي تخرج الحشود للشوارع في كل أرجاء العالم العربي. الآن الشوارع خالية، حتى في بؤر التوتر المعروفة كعمان والقاهرة.
حتى وسائل الإعلام العربية اختارت أن تملأ أفواهها بالمياه وامتنعت عن التهييج أو التحريض، باستثناء، قناة الجزيرة بالطبع، التي حاولت بشكل لا إرادي هذه المرة صب الزيت على النار. لكن الحقيقة أن أصحاب القناة، حكام قطر، وحتى السلطان أردوغان من أنقرة، قد التزموا الصمت وامتنعوا عن الانضمام للاحتفال. لم تسمع كلمة إدانة واحدة من أفواههم تجاه إسرائيل، واتضح أن لهم مصلحة هذه المرة في عدم إشعال النفوس.
على ما يبدو فإن سبب الصمت في العالم العربي هو انشغال الدول العربية بالمشاكل والصراعات الداخلية. فعقول الجميع مشغولة عن الفوضى التي يحاول بعض الفلسطينيين إحلالها، ويبدو أيضا أن الزعم بمحاولة إسرائيل تغيير الوضع القائم في جبل الهيكل يصعب التسليم بها كحقيقة.
على العكس تماما، هناك محاولة لتهدئة النفوس في الأردن ومصر، ونقل رسالة بأن الإيضاحات الإسرائيلية والاتفاقات، التي أنجزت بوساطة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري كافية لإنزال القضية من على جدول الأعمال.
لكن يجب التذكير أن هناك صراعا مصيريا في العالم العربي بين الإسلام الراديكالي والتشدد الذي يقوده وبين هؤلاء، من نموذج النظام المصري عبد الفتاح السيسي، إلى جانب أنظمة عربية أخرى، فهمت وأدركت أن التطرف الديني لن يطال إسرائيل فقط، وأنه سيخترق المجتمع العربي داخليا. لذلك فليس لدى من يحارب الإخوان المسلمين وتنظيمات الإسلام الراديكالي في مصر وتونس ومناطق أخرى أي سبب لتأييد الحركات الإسلامية وحماس فيما تحاول إشعال النفوس باسم الدين.
كذلك، فإن الأفق الذي يحاول هؤلاء المتطرفون جر العالم العربي إليه واضح للجميع، وهو أفق مظلم وكئيب، سواء في سوريا التي يقتل فيها العشرات كل يوم باسم الدين، أو في مصر التي يحاول فيها المتشددين زعزعة الاستقرار. من الصعب تفهم ذلك، لكن إسرائيل والأراضي الفلسطينية، وأيضا بعد اعتداءات حاملي السكاكين والقتلة، ما زالت جزيرة للاستقرار مقارنة بما يحدث حولنا.
من الأهمية أيضا الإشارة إلى حقيقة أن “أبطال” موجة الاعتداءات الحالية هم فتيان لا ينظر إليها بالضرورة حتى في المجتمع الفلسطيني، ناهيك لدى الجمهور والإعلام العربي، كدليل على البطولة، والمسئولية والتضخية من أجل الوطن الفلسطيني. على النقيض، فإن الكثيرين يعتبرونها فقدان للطريق والأفكار. فالبالغون، الأكثر رجاحة عقل، امتنعوا عن الالتحاق بمواجة العنف ويشيرون إلى أنه ليست لهم علاقة بعنف المراهقين، وبالأخص إلى أنهم يعتقدون أنه لن يجلب لهم فائدة ما أو يعزز قضيتهم.
في الحقيقة، فإن لأعمال القتل التي تتغذى من التحريض وغسل العقول محرك وقوة دافعة خاصة بها، وعلى أية حال فقد جيل الآباء تأثيره على الشباب والفتيان، الذين يتدفقون بالآلاف للتطوع لدى داعش وأشباهه، وباسمه يرتكبون أعمال قتل مروعة.
لكن حقيقة أنه ليس هناك نصير لموجة حاملي السكاكين في العالم العربي، وأن الكثير من المجتمعات العربية المجاورة لنا، وأيضا داخل المجتمع الفلسطيني، يدركون أن طريق المتشددين هو طريق الخسران، تعطي أملا في سحق موجة الإرهاب. لكنها تنطوي على إشارة تحذير للمستقبل، لأن جيلا قام علينا من الفتيان العرب والفلسطينيين الذين فقدوا الطريق وقدسوا السكين والموت باسم الدين. إن صراع هذا الجيل، والصراع الداخلي في العالم العربي، يمكن أن يكون طويلا وقاسيا.