بالتورط في الحرب السورية، تكون روسيا قد تحالفت مع إيران في محاولة لإنقاذ نظام بشار الأسد، ولكن هل هذا التحالف من النوع الدائم أم مجرد تقارب مؤقت في المصالح، قد ينفجر مع تقدم الصراع؟ كما تساءل الكاتب في صحيفة “وول ستريت جورنال”، ياروسلاف تروفيموف.
عسكريا، تشير القوة الجوية الروسية إلى أن الاستخبارات والأسلحة المتقدمة تكمل مهمة القوات البرية والاستخبارات البشرية التي يقدمها فيلق الحرس الثوري الإيراني. وكلا البلدين يشتركان في الهدف الآني لمنع انهيار النظام في دمشق، ومساعدته على استعادة بعض الأراضي التي خسرها مؤخرا.
في الوقت الحاليَ، يقول الكاتب، تمثل هذه الجبهة الموحدة بين روسيا وإيران في المنطقة تحديا هائلا للولايات المتحدة وحلفائها، استعراضا للقوة من بحر قزوين إلى البحر والبحر الأبيض المتوسط وإرباكا للانفتاح الإيراني على الغرب في أعقاب الاتفاق النووي هذا العام.
ولكن سياسات البلدين في سوريا مدفوعة بتصورات مختلفة جذريا، يمكنها أن تؤدي إلى توتر حقيقي، وخاصة إذا كان القتال، خلال الأشهر القادمة، لا يتجه كما هو مخطط له، وإذا تباينت المواقف والمصالح في محادثات السلام، في وقت لاحق، حول كيفية تقسيم غنائم الحرب.
“حتى الآن، كانت روسيا وإيران فعالتين جدا في تسويق الوهم بأن برنامجهما متشابه في سوريا، ولكنه انطباع خاطئ جدا”، كما نقل الكاتب عن “جان بيير فيليو”، المتخصص في المنطقة في معهد العلوم السياسية الجامعة في باريس والمستشار الدبلوماسي السابق لرئيس الوزراء الفرنسي.
بالنسبة لموسكو، فإن الحرب السورية جزء من إستراتيجيته العالمية في تشكيل عالم “متعدد الأقطاب”، تعاود فيه روسيا الظهور باعتبارها واحدة من القوى الرئيسة تزامنا مع تراجع أمريكا. ويركز الكرملين على منع “الثورات الملونة” وتغيير النظام مثلما حدث في أوكرانيا ومصر.
ووفقا لهذا المنطق، ترى موسكو في دعم الأسد على أنه يشكل سابقة في أنه لن يُتسامح مع مزيد من ثورات تغيير الأنظمة، رسالة موجهة للغرب كما لمعارضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الداخل. وتأتي في المرتبة الثانية اعتبارات موسكو الأخرى، مثل الحاجة إلى تأمين القاعدة البحرية على الساحل السوري، المنفذ الوحيد لروسيا في البحر الأبيض المتوسط.
إيران، على النقيض من ذلك، لا تزال دولة ثورية تسعى إلى تحويل المنطقة وتعزيز نفوذ الشيعة على طول الطريق إلى لبنان واليمن. ويدعو المسؤولون الإيرانيون علنا إلى تغيير النظام في السعودية ودول الخليج السنية الأخرى.
الطريقة الإيرانية للعمل في العراق ولبنان والآن في سوريا هو إضعاف هذه الدول من خلال صنع وكلائها من الميليشيات الشيعية.
ومع ذلك، فإن إذكاء الفتنة الطائفية ليست شيئا ترغبه روسيا، حيث إن نسبة 15٪ من سكانها هم من المسلمين السنة في بعض المناطق التي لها تاريخ من الاضطرابات.
وفي هذا السياق، رأى ” نيكولاي كوزانوف”، وهو باحث في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن والدبلوماسي الروسي السابق في طهران، أن “أهداف البلدين مختلفة تماما وليست مواتية لتشكيل تكتل”.
وبالنسبة لموسكو، وفقا للباحث والدبلوماسي السابق، كانت إيران دائما حليفا مشبوها، وخلال السنوات الأخيرة تنافس البلدان في سوريا. وتساورها الشكوك، تقليديا، تجاه المحاولات الإيرانية للعب بالورقة الشيعية والإسلامية.
ولم يذكر الرئيس بوتين، خلال الظهور العلني له مع الأسد في موسكو هذا الأسبوع، المساعدات الإيرانية الضخمة دعما للنظام السوري منذ بدء الحرب في عام 2011، ولو من باب الإشارة والتلميح.
وحتى في أيام الإمبراطورية السوفييتية، كان علاقات موسكو مع طهران معقدة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن موسكو دعمت نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين في الحرب ضد إيران. ومن جانبهم، ساند الإيرانيون بعض المقاتلين المجاهدين ضد السوفييت في أفغانستان.
منذ الأيام الأولى للحرب السورية، لم تتردد إيران في دعم الأسد، الذي ينتمي للطائفة العلوية القريبة من التشيعـ مثل العديد من الشخصيات الرئيسة في النظام.
وخاضت ميليشيات حزب الله في لبنان، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بإيران، بعض المعارك ضد الثوار السنة في سوريا. وأبقى المال الإيراني النظام واقفا على قدميه. كما أشرفت طهران على إرسال المقاتلين الإيرانيين مع تجنيدها للعراقيين واللاجئين الأفغان الشيعة.
في هذا الشهر، فقط، قتل العميد في الحرس الثوري الإيراني العميد، الجنرال حسين حمداني في سوريا، وهو واحد من ضباط بارزين اعترفت إيران بمقتلهم في الحرب على سوريا والعراق.
وقال كريم سجادبور، المحلل في مؤسسة كارنيغي في واشنطن، إن الدعم الإيراني لا يزال يفوق كل ما قدمته روسيا لنظام الأسد، مضيفا: “إيران هي الشريك المالي الذي لا غنى عنه لنظام الأسد، وحزب الله هو الشريك العسكري الذي لا غنى عنه أيضا”.
ومع ذلك، فإن الكثير من المساعدة الإيرانية قد ذهب إلى قوات الدفاع الوطني، وهي شبكة ميليشيات تحت إشراف المستشارين الإيرانيين، وربما هي أكثر ولاء للممول الإيراني من الرئيس الأسد، وليس إلى الجيش السوري.
روسيا، على النقيض من ذلك، تريد استعادة القدرة القتالية لجيش النظام، المتهالك، والذي يجد صعوبة متزايدة في تجنيد الجنود الجدد، حتى بين العلويين.
“تحتاج روسيا للتعامل مع الحكومة في سوريا، ولكنها ضعيفة ومنهكة، لأنها تحتاج إلى مفهوم شرعية”، كما قال “اميل حكيم”، وهو باحث في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في البحرين. وأضاف: باعتبارها قوة كبرى، لا تريد أن تقوم بتنسيق عمل الميليشيات، إنها تريد أن تتعامل مع محاور رئيس.
ووفقا لرأي الباحث: فإن طريقة الروس مختلفة جدا عن الإيرانيين الذين يصنعون الوكلاء والحلفاء ويرعونهم، فهم يخوضون الصراع في سوريا من دون الأسد. ذلك أن طهران استثمرت في تلك الميليشيات لتوجد لها بدائل عن الأسد.
وبإعادة تنشيطه عبر انضمام موسكو إلى الحرب، من المرجح أن الأسد يحاول انتزاع بعض استقلاليته.
فالتدخل العسكري الروسي أعطى له مجالا للمناورة، وفقا لما رآه “جوزيف باهوت”، وهو باحث زائر في مركز كارنيغي، مضيفا: “إذا كان ذكيا جدا، يمكنه أن يلعب بورقة الروس ضد الإيرانيين إذا كان يرى أن واحدا منهم على استعداد لمقايضته”.
حتى الآن، لا تزال هذه الخلافات بين موسكو وطهران صامتة. وهذا يرجع، في بعض جوانبه، إلى أن الرئيس بوتين والمرشد الإيراني علي خامنئي، كلاهما يريد منع انجراف إيران نحو الغرب في أعقاب الاتفاق النووي هذا العام مع خمس قوى عالمية.