“متابعات- وطن”- “إخفاق مدوٍ، فشل صارخ، انهزام، جُبن، قُنوط ويأس، هذه بعض المُفردات التي طغت على المشهد الإسرائيلي بعد عملية بئر السبع مساء الأحد، والتي تمكن خلالها الفلسطيني المُسلح بسكينٍ ومُسدسٍ من اختراق محطة الحافلات المركزية في المدينة رغم الإجراءات الأمنية الشديدة، وقتل جندي وانتزاع سلاحه ومُواصلة العملية”، هكذا وصف المراسل الصحفي “زهير أندراوس” من مدينة الناصرة جانبا من مشهد الهبًة الفلسطينية أمس.
وللتدليل على عمق الارتباك والبلبلة وحالة الهستيريا في الشارع الإسرائيلي، بما في ذلك قوات الأمن، وفقا لما أورده، يكفي الإشارة إلى أن ضابط الأمن في المحطة ومع رجال الشرطة قاموا بقتل مُستجلب من اريتريا، رميًا بالرصاص، والتنكيل به، لأنه يحمل ملامح شرقية، ليتبين بعد ذلك، أن لا علاقة له، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ بالعملية الفدائية.
الناطق بلسان الشرطة الإسرائيلية اعترف بالفشل، وقال لوسائل الإعلام العبرية إن الجهات الأمنية ستقوم بالتحقيق في هذا الفشل، مشيرًا في الوقت عينه إلى أنه يتحتم على المُواطنين أنْر يكونوا دائمًا على يقظة، بسبب وجود معلومات عن إمكانية قيام الفلسطينيين بتنفيذ عمليات أخرى، على حد تعبيره.
في السياق عينه، كما كتب، أقر مُحلل الشؤون الأمنية والعسكرية في صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية، وهو المُقرب جدًا من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، أقر بأن استعداد ثلاثة، أربعة أو خمسة فلسطينيين في اليوم للهجوم على الإسرائيليين وبأياديهم السكاكين المرفوعة، مع علمهم التام بأن احتمالات موتهم مُرتفعة جدًا، أدى إلى تغيير الواقع بشكلٍ أساسي، على حد تعبيره.
وتابع قائلاً: إن هذه الظاهرة زرعت حالة من الكآبة والهلع في الشوارع وفي الحافلات العامة، وألزمت قوات الشرطة الإسرائيلية والجيش على تعزيز عناصرهما بشكلٍ كبيرٍ في قلب المدن الإسرائيلية، وفي المُستوطنات الإسرائيلية الواقعة على خطوط التماس، حسبما ذكر.
وأوضح أيضًا أنه رغم وجود قواتٍ كبيرةٍ من الشرطة والجيش، التي تمكنت من إحباط عددٍ كبيرٍ من العمليات الفدائية، وتحديدًا الطعن، لم يردع هذا الشباب الفلسطيني، مُشددًا على أن العامل الأساس هو استعداد الكثيرين من الفلسطينيين أن يُخاطروا بأنفسهم ويموتوا، وهذا الأمر، أضاف هارئيل، هو الذي أحدث التغيير المفصلي في الأسابيع الأخيرة، على حد قوله.
وتابع المُعلق الإسرائيلي قائلاً إن تقدير الأجهزة الأمنية في تل أبيب، في نهاية الأسبوع الماضي، كان يؤكد على أن عمليات الطعن ستستمر. وأشار إلى أنه حتى اللحظة، تمتنع الحكومة الإسرائيلية عن اتخاذ خطوات عقابية، كما فعلت في الانتفاضة الثانية عام 2000.
وبحسب مصدرٍ أمني رفيع المُستوى، أضاف المُعلق هارئيل، فإن العمال الفلسطينيين ما زالوا يعملون في إسرائيل، ولم تقُم السلطات بفرض قيودٍ جديدةٍ عليهم.
وأشار إلى أنه وفقا لوجهة نظر قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، فإن إغلاق الضفة الغربية وفرض الطوق العسكري عليها، لن يتمكنا من وقف ظاهرة الطعن بالسكاكين، إنما سيؤدي إلى المس بالفلسطينيين الذين يعملون داخل ما يُطلق عليه الخط الأخضر، وسيؤثر سلبًا في الاقتصاد الإسرائيلي، ويدفع بالكثيرين من أبناء الشعب العربي الفلسطيني إلى القيام بتنفيذ عمليات فدائية ضد إسرائيل، على حد قول المصادر الأمنية الرفيعة في تل أبيب.
أما فيما يتعلق بعملية بئر السبع، فقال المُحلل هارئيل إن السيناريو الأسوأ والأخطر، والذي تم وضعه من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من شأنه أن يتحقق، وهذا السيناريو، بحسب المصادر في تل أبيب، هو قيام خلايا فلسطينية منظمة أكثر بالدخول في الصورة والقيام بموجة عمليات ثانية، تُعتبر استكمالاً لموجة “إرهاب الأفراد”.
وكشف أن ما يقُض مضاجع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية هو أن الفدائي الذي قام بتنفيذ عملية بئر السبع مساء الأحد، تمكن من طعن جدني واختطاف سلاحه الرشاش الأوتوماتكي، والأكثر تعقيدًا أنه أثبت قدرته على استعمال السلاح بشكل ممتاز، على حد قوله. وشددت المصادر الإسرائيلية في حديثها للصحيفة العبرية على أن الضفة الغربية المُحتلة مليئة بالأسلحة الحية، غير الأسلحة التي تمتلكها قوات الأمن الفلسطينية.
وأضافت المصادر ذاتها أن القسم الأكبر من هذه الأسلحة موجود مع ناشطي التنظيم التابع لحركة فتح، ولكن مع ذلك، تُشير التقديرات الإسرائيلية، إلى وجود كياتٍ من الأسلحة لدى مقاومي حركة حماس في الضفة العربية، موضحةً أن البنية التحتية للحركة تعمل بأوامر مباشرةٍ من صلاح العاروري، الذي يُقيم في تركيا، من أجل إخراج عمليات عسكرية ضد أهدافٍ إسرائيليةٍ، على حد قول المصادر الأمنية بتل أبيب.
ويقول أحد المحللين المتابعين للشأن الفلسطيني والصهيوني إنه بعد مرور حوالي ثلاثة أسابيع، يبدو أن الهبة تستمد وقودها من تراكم الحقد على الاحتلال وممارساته ليس في القدس، وفقط، وإنما في كل أرجاء فلسطين.
وليس صدفة، كما كتب، أن أعداداً متزايدة من الإسرائيليين بدأت تشير إلى أن درجة الكراهية الكامنة في أداء الفلسطينيين تعبّر عن عمق موقفهم من الاحتلال ليس فقط الذي جرى قبل حوالي 50 عاما وإنما ما جرى أيضا قبل حوالي 70 عاما.
ولاحظ المحلل نفسه أن ازدياد ميل الإسرائيليين للتدين واحتلال الأرض وإقامة المستوطنات ورفض التسوية السياسية القائمة على أساس حل الدولتين هو ما دفع باتجاه خيار ا للهلهبة والتصعيد الثوري والعمل الفدائي.
وثمة مسألة مهمة، أشار إليها هذا المراقب، أن الفاشية في إسرائيل مكون أساس من الحياة اليومية للمجتمع الصهيوني، لكنها تتفاقم مع ازدياد الإحساس بالافتقار للأمان الشخصي. وهي بهذا المعنى مرتبطة جدا بالوضع الأمني.
ولكن إذا ترافق الوضع الأمني المتدهور مع ازدياد الأعباء على الاقتصاد الإسرائيلي وبالتالي تراجع أوضاع الإسرائيليين الاجتماعية والاقتصادية فإن الفاشية تترسخ وتتعمق بشدة أكبر.
ووفقا لخبراء إسرائيليين، فإن الهبّة الشعبية ألحقت أضرارا بالغة بالمؤسسات التجارية الصغيرة والمتوسطة في عدد من المدن الإسرائيلية. وقد أبلغت مجمعات تجارية كبيرة عن تراجع مبيعاتها بشكل واضح ولكن الأضرار كانت أكبر على المؤسسات الصغيرة.