في تجربة غير مسبوقة بـ “جدة”، وليكشف كواليس هذا العالم الاستثنائي المليء بالمفارقات، عمد صحفي سعودي على تقمص دور “متسولة”، مؤكدًا تعرضه إلى مواقف محرجة كادت تكشفه وأخرى كادت تعرضه للإيذاء، وفقًا لما نشرته صحيفة “المدينة” السعودية.
وفي التفاصيل، اشترى الكاتب السعودي عبدالعزيز الغامدي، عباءة على مقاسه وطرحة وقفازات وحذاء نسائيًا وتنكر في زي امرأة فتعرض لمواقف ما بين تحرشات المراهقين إلى قذف بالحجارة من الأطفال ممن يمارسون التسول ويرغبون في إبعاده من أمام الصرافات والمساجد التي يؤمها الأثرياء.
وكشف أنه تمكن في ساعات من جمع مبلغ يعادل راتب موظف في شهر كامل، مبينا أنه قام بتأجير طفلة إفريقية من أمها بـ 40 ريالا في الساعة حتى ينسج الشباك على أصحاب العطايا والأيادي البيضاء وحتى تكون الطفلة جسرًا يحرك رحماتهم.
ووقف “الغامدي” عند أجهزة الصراف ولدى أبواب المساجد ومحطات الوقود ببعض أحياء جدة مستعطفًا المارة بعبارات تقليدية، فكان هناك من يعطي ريالًا وريالين وآخرون فاجأوه بمنحه مبالغ بين 30 و70 ريالاً، حتى جمع خلال ساعات من أمام الصرافات أكثر من 3 آلاف ريال.
ولفت إلى أنه تعرض لمشادات وعنف المتسولات المحتلات لأماكن وقوفه، حتى إن إحدى المتسولات قامت بمحاولة الاعتداء عليه،
كما قام الأطفال المتسولون بقذفه بالحجارة ليرحل من أماكن وقوفهم.
ومن خلال حديثه مع بعض الأطفال المتسولين، علم عبدالعزيز منهم أن أهاليهم يقومون بتأجيرهم لمتسولين مقابل 40 ريالا في الساعة ترتفع إلى 90 ريالاً حال كان المستأجر طفلًا رضيعًا، موضحًا أنه تفاجأ بتدريبهم واستعدادهم، حتى إن الطفلة التي استأجرها كانت تناديه “ماما”.
وتابع أنه أمام إحدى الإشارات خاطب متسولة تقف بأبنائها طالبا منها تأجيره أحد أطفالها فوافقت على الفور وبدأت في التفاوض معه على السعر، فيما تفاجأ بمتسولات يزورن صكوك إعسار وتقارير طبية إلى جانب تنكر وافدين متخلفين بالزي النسائي، واستغلال البعض الآخر للعاهات المصطنعة.
وعن المواقف المحرجة التي تعرض لها، روى الغامدي أحدها، قائلا: “من بين المواقف المحرجة التي تعرضت لها أذكر أنني كنت واقفًا عند إحدى الإشارات في شوارع جدة وكنت أتسول بصوت ناعم متوجسًا من أن ينكشف أمري، وعندما اقتربتُ من سيارة فارهة طرقت الزجاج فالتفت سائقها، وقال: “نعم”، عندها تكلمت دون انتباه بصوتي الحقيقي وقلت له بصوت رجولي (ربي يخليلك عيالك ساعدني) فعقد حاجبيه وقال مستغربًا (إنتي رجال ولّا حرمة) ارتبكت وقلت بسرعة بصوت نسائي أنا امرأة، ما تفرق أنت بين الرجال والمرأة وأعطيته ظهري وانطلقت للشارع المقابل فوقف مصدومًا ونظراته تلاحقني حتى أضاء النور، وهو لا يزال واقفًا وأبواق السيارات تنطلق من خلفه، وحمدت الله أني نفذت بجلدي قبل أن يكشف أمري”.
ومن القصص الأخرى التي تعرّض لها الغامدي: “عند وقوفي عند صرافة، وقفت سيارة أحد المقيمين لكي يقوم بعملية السحب الاعتيادية ولم ينتبه لوجودي بجانب الماكينة، طلبت منه التصدق عليّ التفت وقال (أنت سعودية؟)، لم أجاوبه وسكتُ، فوقف وأخرج مئة ريال، وقال بعطيك خمسين، وإذا ركبتي سيارتي بعطيك خمسين مستغلًا حاجتي المزعومة، ولكشف نواياه الحقيقية قلت له أين أذهب معك؟ قال بيتي قريب من هنا اركبي! ابتعدت عنه وهو يقترب مني فهرولت ناحية الشارع المقابل”.
ولفت إلى أنه توجه إلى إدارة مكافحة التسول يتسول عند بابها لجس النبض والتأكد مما يتردد عن تحويل المتسولين إلى التوقيف واتخاذ الإجراءات اللازمة، إلا أنه وجد موظفي إدارة مكافحة التسول يتصدقون عليه وهو على درجات الإدارة، معلقا: “المكافحة في سبات عميق”.