عبد الخالق همدرد – وطن (خاص)
نشر موقع (تراي أينكل) مقالا يشير إلى أن النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط بلغ ذروته في السبعينيات عندما طردت مصر- التي كانت تعتبر القوة الريادية في المنطقة- الاتحاد السوفياتي منها؛ لكن تلا ذلك حادثان مهمان في المنطقة أولهما تشكيل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبيك) من قبل دول المنطقة في قيادة المملكة العربية السعودية، فرفعت المنظمة أسعار النفط مما تسبب في إنشاء مشاكل للغرب، والثاني الإطاحة بشاه إيران الموالي لأمريكا عام 1979. وتحدت إيران واشنطن بالاستيلاء على سفارتها في طهران مع احتجاز موظفيها لفترة عامين. وإثر ذلك تقدمت القوات السوفياتية إلى أفغانستان، فتصدت لها الولايات المتحدة وتمكن المجاهدون من إلحاق هزيمة بالاتحاد السوفياتي في الثمانينيات من القرن المنصرم. وتلك الهزيمة نتجت في تفكيك الاتحاد السوفياتي ليتلاشى في صفحات التاريخ. وهنا تنهد الأمريكان الصعداء على انتهاء حرب باردة استمرت بينهم وبين الاتحاد السوفياتي لنصف القرن.
وكان صدام حسين في تلك المرحلة مع الولايات المتحدة التي ساعدته في الوصول إلى الحكم في السبعينيات. وبعد ذلك حارب صدام إيران في الثمانينيات. وبذلك تمكنت أمريكا من حماية مصالحها في المنطقة لكنها كانت تنقصها قاعدة عسكرية في المنطقة. فمهدت لذلك بهجوم صدام حسين على الكويت. وبالتالي أنشأت لها قاعدة في الكويت التي تقع على خليج العرب. ورحبت المملكة العربية السعودية بذلك وقامت بدفع مصاريف الحرب. وعاش صدام بعد ذلك أيضا معاديا لإيران لكن الاقتصاد العراقي هبط إلى الحضيض.
وهكذا وجدت الولايات المتحدة موطئ قدم في الشرق الأوسط عام 1991 وحرزت مكسبين كبيرين: وضع حد أمام طموحات إيران في المنطقة وإركاع السعوديين الذين أنشأوا (أوبيك). فبدأت أموال نفط الخليج تدور في فلك أسرة الرئيس الأمريكي جورج بوش – التي كانت تتاجر في قطاع النفط منذ القدم- شراء واستثمارا، بينما أصبحت مصر عميلة للولايات المتحدة بعد إبرام اتفاقية مع إسرائيل عام 1978 بجهود وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر الذي قضى على احتمال هجوم العرب على إسرائيل، علما أن الدعم الأمريكي لإسرائيل خلال حرب عام 1973 كان أحد أسباب تشكيل (أوبيك).
وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي لم يبق أحد ليتحدى سيطرة الولايات المتحدة على العالم. ورغم أن الصين تقدر على ذلك لكن انشغالها بسياستها الداخلية لم توفر لها فرصة لذلك. ولم تعد أي دولة في منطقة الشرق الأوسط قادرة على المساس بالمصالح الأمريكية. وهنا جاء دور العناصر غير الرسمية من أسامة بن لادن وآخرين الذين تحدوا الولايات المتحدة وكبدوها خسائر حيث اضطروها للنزوح من السعودية عام 1996، وأصابوا بتلفات لأسطولها، ثم تمكنوا من هدم مركز التجارة العالمي في نيويورك الذي كان يعتبر رمزا للنظام الرأسمالي الأمريكي، حتى إن البيت الأبيض أيضا بات مهددا.
ومن المعروف أن أفغانستان مقبرة للغزاة منذ فجر التاريخ وأن الولايات المتحدة تواصل أطول حرب فيها منذ عام 2001، بينما غزت العراق وانسحبت منها مخزية، بعد أن دمرت العراق وقتلت صدام حسين. كما أن سقوط صدام حسين قدم شحنة لشعوب المنطقة للنهوض ضد الأنظمة الدكتاتورية من تونس حتى سوريا. وذلك ما تسبب في إنشاء فوضى في المنطقة فوقفت حكومة العراق الشيعية مع جارتها الدينية إيران، بينما تمدد نفوذ إيران إلى البحر الأبيض المتوسط عن طريق بشار الأسد. كما أدت تلك الأوضاع إلى بروز داعش الذي استولى على مناطق شاسعة من العراق وسوريا إضافة إلى مجموعات مسلحة أخرى، بينما لا يبالي أحد بالمصالح الأمريكية في المنطقة. وبذلك أصبحت أمريكا تحنو إلى غارات جوية إيرانية في العراق وسط عام 2015، كما أنها ركعت أمامها بالاتفاقية النووية المزعومة، في حين ستذهب الأموال الإيرانية التي سيتم رفع الحظر عنها نتيجة تلك الاتفاقية لدعم النظام السوري المتهالك، رغم أن الولايات المتحدة كانت تعهدت بإسقاطه.
وفي هذه الخلفية ذهبت روسيا إلى سوريا بأهداف واضحة خلافا للولايات المتحدة، وهي تتلخص في دعم نظام بشار الذي يوفر لها قاعدة على المتوسط وتشكيل تحالف مع إيران لتعزيز الشراكة الاقتصادية وتشديد قبضة روسيا على دول وسط آسيا. ويبدو أنه يمكن لبوتين تحقيق تلك الأهداف. وقد تمكن بوتين من منع الرئيس الأمريكي أوباما من تنفيذ غارات جوية على النظام السوري في قضية استخدام الأسلحة الكيماوية قبل عامين. وبذلك مهد طريقه للتدخل في سوريا. والآن هو يعد الغرب بأنه سيضع حدا أمام تدفق اللاجئينن السوريين إلى أوروبا. واحتمال نجاحه في ذلك وفشله سواء؛ لكن الأمر الذي لا يختلف عليه اثنان هو أن بوتين هو اللاعب الأوحد في الساحة الآن وأن الولايات المتحدة هي من مكّنته من ذلك.