أنتج ناشطون في كندا فيلما وثائقيا باللغة الانجليزية حول السجون السرية والتعذيب في الإمارات بصورة عامة، عارضين قضية المعتقلين الليبيين في الإمارات الذين يحمل بعضهم جنسية الدولة الكندية التي يرى الناشطون أنها تقيم علاقات إستراتيجية مع دولة الإمارات على حساب حقوق الإنسان بصفة عامة وحتى على حساب مواطنيها.
وفي ذات الوقت سلطت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الضوء على اعتقال الليبيين في الإمارات كاشفة جانبا من التعذيب الممارس على المعتقلين في السجون السرية في أبوظبي.
فتحت عنوان «الاعتقال التعسفي: الاختطاف القسري .. السجون السرية والتعذيب» جاء الوثائقي الكندي الذي بلغت مدته نحو 12 دقيقة مكثفة وشاملة. وبدأ الفيلم بتحديد فترة اعتقال السلطات الإماراتية للمعتقلين من رجال الأعمال الذين يحملون الجنسية الليبية والكندية بين أغسطس/آب وسبتمبر/آيلول 2014 على يد جهاز أمن الدولة، أمام عائلاتهم وجيرانهم بعد تفتيش منازلهم ونقلهم إلى سجون سرية في أبوظبي.
الفيلم الذي عرض صورا لناطحات السحاب في دبي و«مترو دبي» وبعضا من البنى التحتية المتطورة جدا إضافة إلى برج خليفة وبرج العرب وصولا إلى صورة قضبان حديدية لسجن في صورة حية مختزلا المشهد الذي يجري اليوم في الإماراتي إذ يريد الناشطون إظهار أن «هذا التطور المادي الكبير في الدولة يقوم على انتهاكات حقوقية مؤسفة للغاية».
واستطرد الفيلم بالتأكيد أن عائلات المعتقلين أبلغوا المنظمات الحقوقية الدولية ومن بينها «أمنستي» و«هيومن رايتس ووتش» باعتقال ذويهم واختفائهم قسرا ومنع المحامين عنهم ومنع الزيارات العائلات عنهم أيضا.
ورد الوثائقي الحقوقي أسباب اعتقال أمن الدولة الإماراتي المعتقلين الليبيين إلى تأييد الإمارات لحكومة طبرق التي تقود الثورة المضادة ضد ثوار طرابلس، وأن اعتقال هؤلاء الليبيين بسبب «تأييدها أحد أطراف النزاع هناك».
الفيلم عدد المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام الغربية الكثيرة وحتى الصينية التي تثير مسألة اعتقال رجال الأعمال الليبيين. ولا تزال السلطات الإمارات لا تستجيب لأي مناشدة بشأن إطلاق سراح المتبقي منهم بعد أن أفرجت عن بعضهم في وقت سابق.
وعرج الفيلم على «الرابطة الليبية لضحايا التعذيب والإخفاء القسري بدولة الإمارات»، والتي تشكلت بعد اعتقال هؤلاء المعتقلين، وقد أفادت الرابطة أن المعتقلين «يعاونون من عدة أمراض سواء قبل الاعتقال أو أمراض جاءت نتيجة اعتقالهم والتعذيب الذي تعرضوا له مثل الصداع الشديد والذبحات الصدرية وآلام الظهر وتكسير الأسنان والأرجل».
وعرض الفيلم صورا من التعذيب التي يتعرض لها المعتقلون مثل الصعق الكهربائي والضرب المبرح على كافة أنحاء الجسم ورش المعتقلين بالماء البارد جدا.
الفيلم تطرق إلى تقرير المقرر الأممية «غابريلا نول» حول زيارتها للإمارات بشأن النظام القضائي والمحامين وأكدت ضرورة خضوع أمن الدولة الإماراتي إلى الإجراءات القضائية ومنع تدخله في القضاء ومنع جهات غير قضائية في النظام القضائي ككل.
منظمات حقوقية تدعو للتحقيق في وقائع التعذيب
قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، إن على سلطات الإمارات التحقيق فورا في مزاعم ذات مصداقية بأن عناصر أمن الدولة عذبوا معتقلين، ومحاكمة أي شخص مسؤول عن هذه الأفعال وخاصة التعذيب الذي وقع على المعتقلين الليبيين.
و تحدثت «هيومن رايتس ووتش» بشكل منفصل مع 3 معتقلين سابقين وأقارب من المعتقلين الحاليين، كانوا ضمن مجموعة من 10 رجال أعمال ليبيين اعتقلوا في الإمارات.
وأكد المعتقلون أن مستجوبيهم سألوهم عن صلاتهم المفترضة بـ «الإخوان المسلمين»، الجماعة التي صنفتها الإمارات على أنها إرهابية. ووصف المتحدثون مجموعة من الانتهاكات التي تعرضوا لها، منها الضرب والإجبار على الوقوف، والتهديد بالاغتصاب والقتل والصعق الكهربائي. تتوافق هذه الروايات مع مزاعم سابقة عن التعذيب في مراكز أمنية في الإمارات.
وتابعت «هيومن رايتس ووتش» بالقول أنه ما زال هناك 6 من الرجال الـ 10 محتجزين بمعزل عن العالم الخارجي، منهم مواطنان يحملان الجنسيتين الليبية والأمريكية، «كمال ومحمد الضراط»، والمواطن الليبي الكندي «سليم العرادي»، لم يتلق أي منهم المساعدة القانونية، وليس من الواضح إذا ما تم توجيه الاتهام إليهم رسميا بارتكاب أي جرم.
وقال «جو ستورك»، نائب مدير قسم الشرق الأوسط في المنظمة: «هناك أدلة قوية على أن لدى الإمارات منشأة خارج مدينة أبو ظبي، حيث تعذب قوات الأمن المعتقلين وتُبقي موقعهم سري. أي اعترافات أو ما يسمى استخبارات تصدر عن هذا المقر ينبغي اعتبارها غير مقبولة وغير موثوقة».
كما قال أحد المعتقلين السابقين، بحسب المنظمة إن المحققين طلبوا منه توقيع محضر فيه تحريف فاضح لما قاله أثناء الاستجواب، ويورط زورا طرفا ثالثا في أعمال مخالفة.
«ستورك» أكد أنه: «في ضوء مزاعم متكررة وذات مصداقية تتحدث عن التعذيب في الإمارات، ورفض السلطات السماح بأي مساعدة قانونية للمحتجزين، على حكومات الولايات المتحدة وكندا وليبيا الدعوة علنا إلى الإفراج عن مواطنيها. عليها أيضا المطالبة بالمساءلة الكاملة عن هذه الادعاءات المقلقة حول التعذيب وغيرها من الجرائم التي ارتكبت ضدهم».
تفاصيل التعذيب في الإمارات
«محمد العرادي» (51 عاما)، وهو ليبي كان مقيما رسميا في الإمارات لمدة 23 عاما، قال لـ «هيومن رايتس ووتش» إن محققين لهجتهم إماراتية ضربوه بخراطيم مطاطية في جميع أنحاء جسده، وهددوه بالاغتصاب، مؤكدا: «كان يمكنك أن تسمع أصوات التعذيب طوال الوقت. كان هناك بكاء وصراخ دائمين».
أحد أقارب الأب والابن «كمال» و«محمد» الضراط، وكلاهما يحمل الجنسيتين الأمريكية والليبية، قال لـ «هيومن رايتس ووتش» «إن عنصر أمن “أنثى” أخبرت أعضاء الأسرة إنهم لن يروا كمال مرة أخرى بينما كان العناصر الآخرون يقتادونه بعيدا في سيارة رباعية الدفع».
«محمد»، نجل «كمال»، أبلغ السفارتين الليبية والأمريكية باحتجاز والده، ولكنه اعتُقل بدوره بعد يومين، في (28|8|2014)، من قبل المجموعة نفسها من عناصر الأمن.
تعذيب «أحمد السويدي»
وتطرقت «هيومن راتيس» أيضا إلى تعرض «أحمد غيث السويدي» للتعذيب، قائلة أنه في إبريل/نيسان 2012، اعتقلت السلطات الإماراتية المواطن الإماراتي «أحمد السويدي» 5 أشهر دون تهمة في مكان لم يكشف عنه ومنعته من التواصل مع محام. كان اعترافه أساسيا في إدانة الادعاء لـ 68 رجلا آخر في يونيو/حزيران 2013 بتهمة محاولة إسقاط حكومة الإمارات.
وتشير المنظمة إلى أن «السويدي» تراجع عن اعترافه ونفى هذه المزاعم في المحكمة، وقال إن 22 على الأقل من إجمالي 94 شخصا حوكموا في هذه القضية أنهم تعرضوا للتعذيب أثناء الحجز الاحتياطي في مقرات أمن الدولة.
وكان «جو ستورك» نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة هيومان رايتس ووتشقد قد قال: «لقد اعتادت الإمارات أن تمر انتهاكاتها المتسلسلة للحقوق دون تعليق من المجتمع الدولي الذي يبدو خانعاً أمام دبلوماسيتها الهجومية. وكلما طال هذا الصمت، زاد ظهور المجتمع الدولي بمظهر من يرسل رسالة تفيد بعدم الاكتراث».