تحليل إخباري (خاص وطن)— مجد الدين العربي
يبدو أن شهر أكتوبر (تشرين الأول) من هذا العام، سيكون علامة فارقة في الحرب المستعرة على الأرض السورية، منذ نحو 5 سنوات، حيث شهد هذا الشهر ولأول مرة تصاعدا في حجم ونوعية وجنسية القوات الوافدة لدعم النظام السوري.
فبعد سنوات من الاعتماد غير المثمر على المرتزقة القادمين من لبنان والعراق وأفغانستان، فضلا عن مرتزقة الداخل المعروفين باسم “الشبيحة”، دخل الروس ومعهم الإيرانيون وحتى الكوبيون بقوة على خط دعم نظام بشار الأسد، وسط تردد مريب من الولايات المتحدة، وحتى إسرائيل، التي تعد أن أي تطور على الساحة السورية يمس بدرجة أو بأخرى أمنها القومي.
ورغم أن إيران كانت منذ البداية من أول المسارعين للتدخل المباشر في الأزمة السورية، التي تحولت إلى حرب، فإن شكل تدخلها المتزامن مع العمليات الروسية أخذ منحى آخر، تمثل في استقدام آلاف من عناصر نخبة القوات الإيرانية، تقول بعض التقديرات إنهم بلغوا 3 آلاف عنصر، ما ينذر بتغيير في خريطة التوازنات العسكرية، التي تراقبها كل الدول الإقليمية والقوى العظمى بمنتهى الحذر، وفي ذهن كل دولة أو قوة منها حسابات مختلفة، مبينة على كثير من المصالح، المطعمة بخلفيات دينية.
لكن دخول الكوبيين على خط الحرب السورية، عبر إنزال وحدات برية لدعم نظام بشار الأسد، جاء ليخلط حسابات الدول، ويرفع مستوى تأهبها وحذرها من حقيقة المخطط الذي يقوده الروس، وإلى أي مدى يمكن أن يذهب في تهديد أمن أهم حليف للولايات المتحدة (إسرائيل)، بعد أن قطع خطوات عدة على طريق تهديد أمن دول المحيط السوري لاسيما تركيا ودول الخليج.
ومع أن التدخل الكوبي في سوريا، قد لايكون له ذلك الوقع المؤثر على أرض الميدان، فإن يحمل بين طياته دلالات عميقة ولها خلفيات مرتبطة بعقود من الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفيتي (الذي ورثته روسيا) والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة، وهي حرب كادت تتحول إلى معركة مشتعلة بل ومتفجرة على خلفية “كوبا” نفسها، حين زودتها موسكو بصواريخ باليستية ذات رؤوس نووية، في 1962.
هذا بالنسبة للولايات المتحدة على أقل تقدير، أما بالنسبة للدولة العبرية، فإن استجلاب الكوبيين إلى سوريا بمبادرة روسية يعيد ذكريات “تل أبيب” 41 عاما إلى الوراء، عندما تمركزت قوات مدرعة كوبية (قوامها لواءا دبابات) على الشريط المحتل من الجولان، وتبادلت القصف مع قوات الاحتلال في الفترة الواقعة بين شهري فبراير (شباط) ومايو (أيار) من عام 1974، فشكلت عاملا مساعدا سرع في حصول حافظ الأسد حينها على هدية توقيع “اتفاقية الفصل” في 13 مايو من نفس العام، وهي اتفاقية مؤلفة من وثيقة معلنة، نص أول بند فيها على أن “إسرائيل وسوريا ستراعيان بدقة وقف إطلاق النار في البر والبحر والجو، وستمتنعان عن جميع الأعمال العسكرية فور توقيع هذه الوثيقة”.
وألحق باتفاقية الفصل المعلنة خريطة وبروتوكول، فضلا عن عدد من الرسائل السرية، لم يكشف عن فحواها حتى اليوم.
وفي الخلاصة فإن التدخل الروسي الأخير في سوريا، ليس عملية عسكرية بحتة وحسب، بل هو تدخل سياسي واستخباراتي يحاول خلط الأوراق بأكبر قدر ممكن، واستحضار ذكريات تاريخية، قد تكون سارة لأطراف وغير سارة لأخرى، أطراف دأبت على مراقبة الميدان السوري وتطوراته والتأهب لمواجهتها والتدخل فيها، وما أكثر هذه الأطراف وما أوسع مروحتها الجغرافية والعقائدية، بدءا من الولايات المتحدة وكوبا حتى روسيا وتركيا وإيران ودول الخليج.