وطن – طالبت منظمة “هيومن رايتس ووتش” سلطات الإمارات العربية المتحدة التحقيق فورا في مزاعم ذات مصداقية بأن عناصر أمن الدولة عذبوا معتقلين، ومحاكمة أي شخص مسؤول عن هذه الأفعال. وقالت إن من بين المعتقلين مواطنون من كندا، ليبيا، والولايات المتحدة.
وتحدثت هيومن رايتس ووتش بشكل منفصل مع 3 معتقلين سابقين وأحد أقارب 2 من المعتقلين الحاليين، كانوا ضمن مجموعة من 10 رجال أعمال ليبيين اعتقلوا في الإمارات في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2014، أو على علاقة بهذه المجموعة. وقال الرجال إن مستجوبيهم سألوهم عن صلاتهم المفترضة بـ “الإخوان المسلمون”، الجماعة التي صنفتها الإمارات على أنها إرهابية. ووصف المتحدثون مجموعة من الانتهاكات، منها الضرب والإجبار على الوقوف، والتهديد بالاغتصاب والقتل والصعق الكهربائي. تتوافق هذه الروايات مع مزاعم سابقة عن التعذيب في مراكز أمنية في الإمارات.
وما زال 6 من الرجال الـ 10 محتجزين بمعزل عن العالم الخارجي، منهم مواطنان يحملان الجنسيتين الليبية والأمريكية، كمال ومحمد الضراط، والمواطن الليبي-الكندي سليم العرادي. ولم يتلق أي منهم المساعدة القانونية، وليس من الواضح إذا ما تم توجيه الاتهام إليهم رسميا بارتكاب أي جرم.
وقال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط: “هناك أدلة قوية على أن لدى الإمارات منشأة خارج مدينة أبو ظبي، حيث تعذب قوات الأمن المعتقلين وتُبقي موقعهم سري. أي اعترافات أو ما يسمى استخبارات تصدر عن هذا المقر ينبغي اعتبارها غير مقبولة وغير موثوقة”.
وقال المعتقلون السابقون الثلاثة لـ هيومن رايتس ووتش إن عناصر أمن الدولة عصبوا أعينهم، وقيدوا أيديهم وربطوها بأرضية أو سقف سيارة “جي إم سي” رباعية الدفع ومعدّلة؛ وجرى نزع المقاعد، على ما يبدو للتمكن من نقل المعتقلين المكبلين. وأضافوا أنهم اقتيدوا إلى مركز احتجاز فيه حراس نيباليون ومحققون إماراتيون. يعتقد المعتقلون السابقون أن المنشأة قريبة من مدينة أبوظبي، وقالوا إنهم سمعوا طائرات تقلع وتهبط.
وقال 2 من المعتقلين إنهما ضُربا بعنف أثناء الاستجواب على مدى أكثر من أسبوعين. وقال الثلاثة إنهم كانوا معصوبي الأعين أثناء جلسات الاستجواب. وقال المعتقلون إن المحققين ربطوهم إلى شيء قالوا إنه كرسي كهربائي، وهددوهم بالصعق. وقال أحد الرجال إن المحققين علقوه من معصميه وكاحليه بقضيب حديدي وضربوه. قال الثلاثة كلهم إن المحققين هددوهم بالاغتصاب.
كما قال أحد المعتقلين السابقين إن المحققين طلبوا منه توقيع محضر فيه تحريف فاضح لما قاله أثناء الاستجواب، ويورط زورا طرفا ثالثا في أعمال مخالفة.
محمد العرادي كان الوحيد من الثلاثة الذي رغب بالكشف عن هويته. شقيقه عضو في “حزب العدالة والبناء”، المرتبط بـ “الإخوان” في ليبيا. وقال أقارب كمال ومحمد الضراط، وهما من الليبيين الستة الذين ما زالوا محتجزين بمعزل عن العالم الخارجي، إن كمال كان متبرعا صغيرا لحزب العدالة والبناء، لكن كمال ومحمد ليسا من الأعضاء. في نوفمبر/تشرين الثاني 2014، صنّفت الحكومة الإماراتية “الإخوان” كمنظمة إرهابية.
وقال أقارب كمال ومحمد ضراط لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات منعت المحامي الذي وكلوه لتمثيل الرجلين من زيارتهما أو الاطلاع على ملفات قضيتهما. ليس من الواضح ما هي التهم، إن وجدت، التي وُجّهت إليهما. قالت السفارة الأمريكية للعائلة إن موظفيها تمكنوا من زيارة الرجلين.
يذكر أن الإمارات كانت قد صدقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب في يوليو/تموز 2012، وهي دولة طرف في اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية، التي تنص على حق الموظفين القنصليين بزيارة أحد رعايا الدولة الموفِدة أثناء السجن أو الحبس أو الاحتجاز.
وقال ستورك: “في ضوء مزاعم متكررة وذات مصداقية تتحدث عن التعذيب في الإمارات، ورفض السلطات السماح بأي مساعدة قانونية للمحتجزين، على حكومات الولايات المتحدة وكندا وليبيا الدعوة علنا إلى الإفراج عن مواطنيها. عليها أيضا المطالبة بالمساءلة الكاملة عن هذه الادعاءات المقلقة حول التعذيب وغيرها من الجرائم التي ارتكبت ضدهم.”
تفاصيل مزاعم التعذيب في الإمارات
المعتقل السابق رقم 1 – محمد العرادي
محمد العرادي (51 عاما)، وهو ليبي كان مقيما رسميا في الإمارات لمدة 23 عاما، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن ما بين 8 و10 عناصر أمن فتشوا منزله ومكتبه في دبي يوم 28 أغسطس/آب 2014، ثم عصبوا عينيه وكبّلوه بأرضية سيارة رباعية الدفع واقتادوه إلى مركز احتجاز. قال إنهم وضعوه في زنزانة بلا نوافذ قياسها حوالي 3 أمتار × 3 أمتار.
أضاف: “منذ ذلك اليوم، لم يعد لدي أي فكرة عن الوقت”. قضى العرادي أكثر من 100 يوما محتجزا في هذا المقر وتعرض لجلسات استجواب متعددة في الأسابيع الأولى، وهو معصوب العينين طوال الوقت. قال لـ هيومن رايتس ووتش إن محققين لهجتهم إماراتية ضربوه بخراطيم مطاطية في جميع أنحاء جسده، بما في ذلك باطن وأعلى قدميه؛ أغرقوه بالماء وأخضعوه للبرد الشديد؛ أجبروه على الوقوف عدة أيام بشكل متواصل؛ هددوه بالاغتصاب؛ وربطوه إلى ما قالوا إنه كرسي كهربائي. قال: “كان يمكنك أن تسمع أصوات التعذيب طوال الوقت. كان هناك بكاء وصراخ دائمين”. أضاف أنه في إحدى المرات سمع شقيقه سليم يصرخ. أفرجت السلطات الإماراتية عن محمد العرادي دون توجيه أي تهمة إليه في 25 ديسمبر/كانون الاول. قال إنه لم يرَ محام أو يتلقَ المساعدة القنصلية من السفارة الليبية في أي وقت أثناء احتجازه، وسُمح له فقط بمكالمة هاتفية واحدة تحت المراقبة لمدة 5 دقائق مع عائلته في نوفمبر/تشرين الثاني. شقيقه سليم العرادي، الذي اعتقلته السلطات في اليوم نفسه، لا يزال رهن الاحتجاز.
المعتقل السابق رقم 2
تحدث المعتقلان السابقان الآخران إلى هيومن رايتس ووتش بشرط عدم الكشف عن هويتهما لأسباب أمنية. طلبا أيضا أن تحجب هيومن رايتس ووتش بعض تفاصيل اعتقالهما لمنع التعرف عليهما.
قال المعتقل رقم 2 لـ هيومن رايتس ووتش إن أكثر من 10 رجال بثياب مدنية اعتقلوه، ثم فتشوا منزله وصادروا وثائق ومعدات إلكترونية، قبل نقله إلى مقر احتجاز؛ نُقل معصوب العينين ويديه مكبلتين بسقف سيارة رباعية الدفع. لم يعرّف العناصر عن أنفسهم. قال إن حراسا وضعوه في زنزانة بلا نوافذ وعرّضوه للضوء الشديد وصوت أزيز مستمر. “كانت الأيام الـ 10 الأولى الأسوأ في حياتي”. قال إن مسؤولَين اثنين وأحيانا ثلاثة لهجتهم إماراتية استجوبوه. “ضربوني بأيديهم، أقدامهم، أي شيء. بعد 10 أيام كان جسدي أسود وأزرق ومغطى بالدماء”. أخبر هيومن رايتس ووتش أنهم علقوه من يديه وقدميه بقضيب حديدي وضربوه. قال إنهم في إحدى المرات ربطوه إلى ما قالوا إنه كرسي كهربائي وهددوه بالصعق. وقال إنهم هددوا باغتصابه واحتجاز أفراد عائلته. قال لـ هيومن رايتس ووتش إن المحققين استجوبوه حول جماعة “الإخوان”، وعلى وجه الخصوص نشاطاتها في ليبيا. أضاف أنه خلال فترة اعتقاله، التي استمرت عدة أشهر، وقّع العديد من الوثائق، حملت واحدة منها عبارة “أمن دولة الإمارات العربية المتحدة.”
المعتقل السابق رقم 3
قال المعتقل رقم 3 لـ هيومن رايتس ووتش إن رجالا عرّفوا عن أنفسهم بأنهم عناصر أمن الدولة احتجزوه في أواخر عام 2014 وبعد ذلك نقلوه إلى مقر احتجاز؛ نُقل معصوب العينين ويديه مقيدتين بأرضية سيارة معدّلة رباعية الدفع. قال إنه مر بأكثر من 50 جلسة استجواب على مدى عدة أشهر، جرى معظمها في الأسبوعين الأوّلين من احتجازه. قال إنه في 5 مناسبات على الأقل، أجبره محققون لهجتهم إماراتية على الوقوف طوال الليل، معصوب العينين ومكبّل اليدين والقدمين. قال إن مستجوبيه لم يضربوه على الإطلاق، لكنهم في مناسبتين هددوه بالقتل، وفي مناسبة أخرى هددوا بإرساله إلى مجموعة أخرى من المحققين “ليس لديهم حدود ولا يميزون بين الرجل والمرأة”، وهو تصريح فهمه على أنه تهديد بالاغتصاب. قال إن مستجوبيه طلبوا منه التوقيع على إفادة تشوه علاقته بطرف ثالث بشكل فاضح وتورط هذا الطرف في مخالفات.
قال لـ هيومن رايتس ووتش إن أسئلة المحققين كانت في معظمها عامة جدا، وركزت على علاقته مع “الإخوان”.
كمال ومحمد الضراط
أحد أقارب الأب والابن كمال ومحمد الضراط، وكلاهما يحمل الجنسيتين الأمريكية والليبية، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن قرابة 15 شخصا عرّفوا عن أنفسهم بأنهم عناصر أمن الدولة، فتشوا منزلهم في دبي يوم 26 أغسطس/آب 2014، وصادروا وثائق ومعدات الكترونية. قال قريب الضراط إن عنصر أمن أنثى أخبرت أعضاء الأسرة إنهم لن يروا كمال مرة أخرى بينما كان العناصر الآخرون يقتادونه بعيدا في سيارة رباعية الدفع.
محمد، نجل كمال، أبلغ السفارتين الليبية والأمريكية باحتجاز والده، ولكنه اعتُقل بدوره بعد يومين، في 28 آب/أغسطس، من قبل المجموعة نفسها من عناصر الأمن. لم ترد العائلة أنباء من أي من الرجلين حتى 11 نوفمبر/تشرين الثاني، عندما اتصل كمال وقال فقط إنه على ما يرام.
وكّلت الأسرة محام محلي، لم يتمكن من الوصول إلى كمال أو محمد. لا تزال السلطات تخفي مكان احتجاز الرجلين. قالت قريبة الرجلين إن السفارة الأمريكية أخبرت الأسرة أنها لا يمكنها الدعوة إلى الإفراج عن الرجلين. في مناسبتين، تمكن أحد أفراد الأسرة من زيارة الرجلين. زار أحدُ الأقارب كمال ومحمد في فبراير/شباط ومرة أخرى في أغسطس/آب 2015 في مكتب النائب العام في أبو ظبي. قال القريب إن الرجلين تمكنا من إبلاغ العائلة بأنهما تعرضا للتعذيب حتى يعترفا بعضويتهما في جماعة “الإخوان” وعانيا “أياما سوداء”. قال قريب الرجلين إن كمال الضراط، الذي يعاني من مشاكل سابقة في العمود الفقري، يسير بانحناء شديد وفقد شعره وكمية كبيرة من وزنه. قال المعتقل السابق رقم 3 لـ هيومن رايتس ووتش إنه خلال الفترة التي قضاها في الاعتقال سمع وتعرّف على صوتيّ كمال ومحمد الضراط وهما يصرخان من الألم؛ المعتقل السابق على معرفة بهما.
الادعاءات السابقة بالتعذيب في مقرات أمن الدولة
في أبريل/نيسان 2012، اعتقلت السلطات الإماراتية المواطن الإماراتي أحمد السويدي 5 أشهر دون تهمة في مكان لم يكشف عنه ومنعته من التواصل مع محام. كان اعترافه أساسيا في إدانة الادعاء لـ 68 رجلا آخر في يونيو/حزيران 2013 بتهمة محاولة إسقاط حكومة الإمارات. تراجع السويدي عن اعترافه ونفى هذه المزاعم في المحكمة، وادعى 22 على الأقل من 94 شخصا حوكموا في هذه القضية أنهم تعرضوا للتعذيب أثناء الحجز الاحتياطي في مقرات أمن الدولة.
في يناير/كانون الثاني 2014، حُكم بالسجن على 20 مصريا و10 إماراتيين لفترات ما بين 3 أشهر و5 سنوات، بتهم شملت تشغيل فرع من “الإخوان المسلمون” في الإمارات. زعموا أيضا أن عناصر أمن الدولة في الإمارات العربية المتحدة عذبوهم