نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالا علقت فيه على الهبة الجماهيرية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية منتقدة الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي لا يستطيع “السيطرة الشباب الذي خرج في الانتفاضة الثالثة” مشيرة إلى أنهم غاضبون لغياب القيادة والتمثيل السياسي الذي يرجونه.
وقالت الكاتبة الإسرائيلية أميرة هاس, في عمودها على صحيفة “هآرتس”، إن عشرات آلاف العائلات في الضفة الغربية والقدس، تخشى على أبنائها من القتل أو الاعتقال أو الإصابة في مواجهات مع الجيش الإسرائيلي، مضيفة أن هذه العائلات، كما الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية، متفاجئة من الموجة العارمة والغاضبة التي تجتاح الشباب الفلسطيني.
وأضافت الكاتبة اليسارية التي شاركت في أسطول الحرية، أن حالة الاضطراب قد تجعل كل عائلات بحد ذاتها موضع عقاب جماعي، سواء بتدمير المنزل أو حيازته أو طرد أحد الأشخاص من العائلات أو ضربه أو اعتقاله من القوات الأمنية.
وأشارت هاس أن ذلك يترافق مع الضوء الأخضر الذي منحه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنامين نتنياهو للعقاب الجماعي، وإطلاق الرصاص الحي على المظاهرات لا يسبب المزيد من العمليات الفردية والمظاهرات والاشتباكات، لكنه يجازف بحياة الجنود الإسرائيليين أنفسهم.
وأضافت هاس بقولها: “أحد افتراضات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والفلسطينية أن العمليات تتم بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا صحيح إلى حد ما، لكن التأثير الأكبر يرجع إلى المقاطع المصورة التي تبثها في بعض الأحيان المواقع الإسرائيلية نفسها، والتي تصور العنف الروتيني من الإسرائيليين تجاه الفلسطينيين”، مشيرة إلى أن أولئك الذين يتحدثون عن التحريض يقللون من قيمة قتل الجنود الإسرائيليين للشباب المدنيين الفلسطينيين.
واستشهدت هاس بحالة أحمد الخطاطبة من بيت فريك، وهديل الهشلمون في الخليل، اللذين قتلهما الجيش الإسرائيلي مدعيا أنهما هاجماه، في حين كشفت تقارير صحفية عدم حصول شيء من ذلك.
ومؤخرا، كانت حالة فادي علون في العيساوية في القدس، التي قالت الشرطة الإسرائيلية إنه طعن يهوديا ولذلك أطلق عليه النار، في حين أظهر مقطع واضح على المواقع الإسرائيلية أنه حتى لو نفذ عملية طعن في وقت سابق، فهو لم يكن يمثل أي تهديد وقت قتله، كما أظهرت أن يهودا شبابا هم الذين أخبروا الشرطة بإطلاق النار عليه، دون معرفة ما الذي فعله علون، مشيرة إلى أن هذه المقاطع تحفيزية وتحريضية، لكنها ليست السبب الرئيسي لذلك.
وأوضحت هاس أن كل عائلة، مع خوفها على أبنائها، تعيش هذا التحريض المتمثل بالاحتلال الإسرائيلي، ولذلك فهي تكون مدفوعة بشعور مسبوق بالفخر، وكأنهم يصرخون جميعا: “كفى”.
وقالت الكاتبة إن هؤلاء الشباب، واصفة إياهم “بجيل أوسلو الضائع”، لم يحصلوا على الدولة المستقلة التي وعدوا بها، ولا يملكون مؤسسات سياسة فعالة أو قيادة يمكنهم الاعتماد عليها، ولا يملكون تطلعات لوظيفة جيدة، ويشعرون دائما بأنهم مطوقون بالمستوطنات الإسرائيلية.
وأوضحت هاس أن هناك فرقا رئيسيا بين الهجمات الانفرادية وآلاف الشباب المواجهين للحواجز العسكرية في الضفة الغربية، إذ إن “الذئاب المنفردة” وحدهم فعلا، وبلغوا يأسا بعيدا، إلا أن المواجهات على الحواجز، كأي نشاط جمعي، هي شكل من التجمع العام، الذي يملك بعدا اجتماعيا، يوفر حسا من القدرة على التأثير، بالرغم من مخاطرة.
وأشارت الكاتبة إلى أن الناطقين الرسميين يحذرون من عدم وصف الاشتباكات بالانتفاضة، ولكن بالهبة الجماعية، التي تتناسب مع هذه الظروف، إذ إن الفلسطينيين يفهمون الانتفاضة على أنها خروج منظم بهدف موحد واضح موجه من قيادة مقبولة ومعترف بها، وهذا بعيد عن الواقع الحالي.
وتابعت بأن: “حركة فتح المتفككة الآن لا تستطيع قيادة الهبة وتحويلها لانتفاضة، لكنها حذرت من استخدام الذخيرة الحية في المظاهرات، قائلة إن هذا يخدم احتياجات إسرائيل”، أما حماس، بحسب الكاتبة، التي تمثل حركة شبه مخفية في الضفة الغربية، لا تستطيع قيادة الحراك، بالرغم من وجودها الكثيف في الجامعات.
أما الرئيس عباس، فقبل بضعة أيام، وسط حديث الإعلام عن الاشتباكات والخسائر، وجد الوقت لافتتاح مقرات شركة البناء والاستثمار الفاخرة “شركة اتحاد المقاولين” في البيرة، بالضفة الغربية، على بعد كيلومترين اثنين فقط من حاجز بيت إل العسكري الذي يشهد اشتباكات.
واختتمت هاس مقالها بالقول إن عباس يحاول تشكيل حس عام بالاقتصاد كما هي العادة، فربما كان يعلم شيئا لا يعلمه الشباب، إلا أن الوقت الذي أخذه لافتتاح الشركة يعكس انفصامه عن الشعب، في حين يظهر الواقع أنه لا توجد سلطة أو قوة قادرة على منع “جيل أوسلو الضائع” من الذهاب للحواجز والتعبير عن صراخهم الجمعي: “لقد سئمنا”.