نشر موقع “المونيتور” الأمريكي تقريرا موسعا حول “الحرية الكبيرة” التي تتمتع بها حركة فتح في قطاع غزة وخاصة ذراعها العسكري المسمى كتائب شهداء الاقصى, لتنفيذ نشاطات عسكرية وتدريبات دون أية عوائق، بعد أن كانت حماس فرضت حظراً على تلك النشاطات إبان سيطرتها على القطاع عام 2007.
ولفت الموقع الأمريكي في تقرير له إلى أن هناك تساؤلات مثيرة للجدل حول طبيعة العلاقة القائمة بين كتائب شهداء الأقصى وحركة حماس، وحول طبيعة اعتماد تلك الكتائب لخيار المقاومة المسلحة، وذلك رغم رفض رئيس السلطة الفلسطينية وزعيم حركة فتح محمود عباس للنضال المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي.
تجدر الإشارة إلى أن شهداء الأقصى قد تأسست مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 لشن عمليات مسلحة ضد أهداف تابعة للاحتلال الإسرائيلي، لكن الرئيس عباس أمر بحل الكتائب عام 2007 وهو قرار قوبل برفض واسع بين صفوف المقاتلين، وأحدث انشقاقات واسعة داخلها، وأدى إلى إعادة تشكل خلاياها العسكرية في غزة بأسماء أخرى مثل “كتائب الشهيد عبدالقادر الحسيني”.
واحتفلت كتائب الشهيد عبدالقادر الحسيني في 22 سبتمبر من العام الجاري بتخريج دورة عسكرية ضمّت عشرات المقاتلين في أحد المواقع العسكريّة في مدينة خانيونس – جنوب قطاع غزّة. ونفّذ المقاتلون خلالها مناورة عسكريّة تحاكي اقتحام مواقع إسرائيليّة باستخدام أسلحة وقذائف مختلفة.
وأكد أبو الوليد، وهو المتحدث العسكري باسم كتائب الشهيد عبدالقادر الحسيني، أن كتائبه التي انطلقت في أبريل من عام 2012 تعد ذراعاً من أذرع حركة “فتح” المنبثقة عن كتائب شهداء الأقصى، وتتخذ من فكرة تحرير كامل فلسطين من البحر المتوسط غرباً وحتى نهر الأردن شرقاً مبدأ لها.
وأوضح أن قادة هذه الكتائب هم مؤسسون سابقون لكتائب شهداء الأقصى، وقال: “إن عدد المقاتلين في صفوف هذه الكتائب يبلغ 700 مقاتل في غزة، فيما هناك قاعدة جماهيرية تقدر بالآلاف تنتمي إليها من دون المشاركة في عملها العسكري”.
وأشار أبو الوليد إلى أن حركة “حماس” لا تعيق تدريباتهم وعملهم العسكري في غزة، وأن العلاقة معها مبنية على أرضية الهدف الواحد وهو تحرير فلسطين، لافتاً إلى أن التنسيق بينهما “لا يزال سطحياً”، وقال: “نعمل في غزة من دون إذن من أحد”.
ومن جهته، أكد القيادي في حماس يحيى موسى أن حركته تقدم الدعم اللازم إلى أي فصيل أو جهة تريد مقاتلة إسرائيل، وقال «إن حماس تحتضن المقاومة، ولا تستطيع منع أحد من ممارستها ضد الاحتلال بغض النظر عن الانتماء السياسي، وأي جهة تريد مقاتلة إسرائيل هي في خندقنا».
وأوضح أن أذرع حركة «فتح» العسكرية في غزة لم تتأثر بالخلافات السياسية المتفاقمة بين الحركتين (فتح وحماس)، وقال: «من حق الفصائل أن تتسلح، وأن تتدرب، وأن تكون لها مواقعها العسكرية، ولكن كل ذلك يتم تحت رعاية الحكومة في غزة».
وعن احتمال استخدام سلاح هذه الكتائب ضد «حماس» مستقبلاً، قال يحيى موسى: «كتائب شهداء الأقصى هي جزء من جيش التحرير الوطني الذي نعد له لتحرير فلسطين, ولا أعتقد أنه من الممكن أن يرتد هذا السلاح وتلك التدريبات التي تقوم بها على حركة حماس، أو أن تستخدم لتقويض الأمن في غزة، لأننا على ثقة بأن بندقية المقاوم لها وجهة واحدة، وهي الاحتلال الإسرائيلي».
ومن جهته، أشار أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة طلال عوكل إلى أن المجموعات العسكرية المنتمية إلى حركة فتح والعاملة في غزة «تعد منبثقة من كتائب الأقصى التي حلها محمود عباس، وتعمل في موقع معارض لرغبته المضادة للمقاومة المسلحة، ولكنها تحاول الاستمرار تحت إطار حركة فتح».
وأضاف عوكل «هذه الكتائب ليست ذات قيادة مركزية موحدة، وذات إمكانات محدودة. كما أنها ترفض النهج الفاسد الذي تنتهجه السلطة الفلسطينية، وتحاول إظهار نفسها من خلال عمليات عسكرية تنفذها ضد أهداف إسرائيلية، وإثبات أن حركة فتح لم تغادر الكفاح المسلح».
ولا يترك عباس مناسبةً إلا ويؤكد خلالها رفضه المطلق للمقاومة المسلحة ضد إسرائيل، وتأييده للمقاومة السلمية والدبلوماسية فقط، وكان آخرها قوله أمام صحافيين خلال زيارته لتونس في 15 مايو من عام 2015: «نحن ننتهج اليوم سياسة الدبلوماسية وليس الكفاح المسلح، لأنه لا يفيد ويرتد علينا بنتائج عكسية كبيرة لا نريدها ولا نقبلها».
وكذلك، أكد مصدر قيادي داخل «فتح» في غزة أن هذه الكتائب تعمل في غزة بموافقة وإدارة غير رسمية من «فتح»، وتحصل على تمويلات شخصية من داخل فلسطين وخارجها، بعيداً عن الموازنة العامة للحركة ومن دون علم زعيمها محمود عباس. وقال المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لـ “المونيتور”: «فتح لم تسقط من برنامجها خيار الكفاح المسلح، بل جمدته خلال السنوات الماضية عندما كان التوجه قائماً نحو المفاوضات السلمية مع إسرائيل، ولكن مع فشل هذه المفاوضات تسعى الحركة اليوم إلى إعادة تفعيل المقاومة المسلحة في صفوفها العسكرية».
أما طلال عوكل فاستبعد جدية إعادة تفعيل المقاومة المسلحة لدى “فتح”، إذ قال: «هذا حديث مبالغ فيه، وعودة فتح إلى تبني خيار المقاومة المسلحة بشكل معلن لن يكون قريباً، لأن هذا الأمر يحتاج إلى انقلاب في سياستها الداخلية. وطالما بقي الرئيس عباس موجوداً على رأس هذه الحركة، أعتقد أنه من الصعب القول إن فتح بدأت تتجه نحو الخيار العسكري».