“خاص- وطن” محمد أبو يوسف- ما زالت الهبة الجماهيرية الفلسطينية مستمرة دون أن تعترضها شوائب كانت, ولكن تلك الهبة التي بدأت تأخذ شكل الانتفاضة الثالثة انطلقت بشكل قوي هذه المرة, حاملة معها شعار “الحجر والسكين”, لتكون رسالة قوة موجهة إلى الاحتلال الإسرائيلي من جيل فلسطيني لم يعاصر “اتفاق أوسلو” الذي وقع عام 1993, وتربى في ظل الانتفاضة الثانية تحت واقع مرير, اختصرها بكلمة واحدة الا وهي “كفى”.
الجميع على الساحة الفلسطينية بات اليوم قلقا ليس على نفسه وحسب ولكن من شكل هذه الانتفاضة التي يقودها “جيل” لا يعرف الاستسلام رغم محاولات قمعه إسرائيلياً لتكون “صورة الشهيد والعلم الفلسطيني والمقلاع” محفزا له للتقدم لا للتراجع, فكل التقارير التي تتحدث عن الهبة الجماهيرية في الأراضي الفلسطينية كانت تشير إلى محاولات وقف تلك الهبة وعن وساطات عربية ولكن هذا الجيل رفض ذلك وفعل ما لم تستطع قيادته المنقسمة أن تفعله.
دوليا الكل يريد أن يصور الطرف الأخر بأنه الشيطان الأكبر الذي يحرض على القتل فالرئيس الفلسطيني في تصريحاته العلنية لا يريد انتفاضة وإنما يعتبر ما يجري ردا طبيعيا على جرائم الاحتلال الاسرائيلي ويسعى جاهدا إلى ضبط الساحة الفلسطينية.
ولكن الغريب في ذلك الامر واقع الفصائل الفلسطينية ومسؤولي السلطة وعلى رأسهم محمود عباس, الذي التقى بالأمس بأمناء سر حركة فتح والشبيبة الفتحاوية في الضفة الغربية مؤكدا أن الذي يتحمل مسؤولية ما يجري هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يواصل انتهاك “مقدساتنا في القدس، ويحمي المستوطنين في اعتداءاتهم على شعبنا، ويتنصل من تنفيذ الالتزامات المترتبة عليه وفقا للاتفاقات الموقعة بين الطرفين وصولا إلى الحل النهائي”.
مصادر فلسطينية مطلعة قالت لمراسل “وطن” إن الرئيس أبو مازن أكد خلال لقائه قيادات فتح على ضرورة استمرار الاحتجاجات بشكل سلمي, وعدم عسكرة المواجهات تحت أي ظرف كان وأن لا عودة للوراء”.
وأضافت المصادر في حديثها لمراسل “وطن” أن الرئيس عباس أكد على دور فتح كعمود فقري في المواجهات ودور منظمة التحرير الفلسطينية”, محاولا طمأنتهم بالقول لهم ” لا تقلقوا مؤتمر فتح الداخلي سيجري في موعده تشرين الثاني القادم “.
وأشارت المصادر إلى أن عباس أيد خلال الاجتماع صعود قيادات شابة بالإضافة إلى النساء الى المراتب القيادية في فتح بدل القيادات التي هرمت في سلم القيادة.
وما يريده عباس من تلك التعليمات المبطنة هو لفت انتباه العالم له بعد أن جرى تهميشه وخصوصا بعد خطابه في مقر الأمم المتحدة بنيويورك, لكنه في الوقت ذاته يخشى بقوة التصدي لهبة شعبه ضد الاحتلال الاسرائيلي في دفاعهم عن أنفسهم ومقدساتهم.
وإذا ما جرى ذلك فإن الأمور ستتحول من مواجهات مع الاحتلال الاسرائيلي إلى اشتباكات مباشرة مع السلطة الفلسطينية للتخلص منها كونها لا تصلح لإدارة الشعب الفلسطيني.
كما أننا إذا ما نظرنا إلى واقع قطاع غزة فإن الامر مشابه فالكل يريد مثل تلك الهبة الجماهيرية ولكن الأمر فيه مختلف بفعل طبيعة الأرض فهناك في الضفة الغربية الجيش الاسرائيلي يتحرك بحرية ولكن في قطاع غزة لا يمكنه ذلك سوى على الشريط الحدودي وهو ما يصعب على الفلسطينيين مواجهته بالحجارة أو السكين.
وحسب مراقبين للأوضاع في الأراضي الفلسطينية فإن الفصائل في قطاع غزة لا “تريد” المواجهة العسكرية مع إسرائيل وتريد الجفاظ على التهدئة التي وقعتها نهاية أغسطس من العام الماضي والذي بموجبها جرى وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
فاليوم الأمر ليس بصالح تلك الفصائل لخوض معركة جديدة ويعتبرون أن أهالي قطاع غزة في غنى عنها ويحاولون ضبط النفس قدر الممكن وعدم الرد على تحرشات الجيش الاسرائيلي الذي قتل على مدار ايام فقط 12 فلسطينيا في قطاع غزة لوحدها.
ويوضح المراقبون أن الهبة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية اليوم هبة خالصة يقودها جيل فلسطيني استطاع أن يتوحد على قلب رجل واحد دون أن تمنعه الحزبية العمياء من التصدي لجنود الاحتلال الاسرائيلي, وهذا الامر الذي أبهر المستوي السياسي الفلسطيني سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية.
وتلك الهبة بدأت تأخذ منحى جديدا بمشاركة الأطفال في عمليات الطعن التي كان اليوم أخرها في عملية القدس المحتلة التي أقدم على تنفيذها طفلين فلسطينيين بطعن جنود إسرائيليين غير ابهين لبنادقهم..