تناول الكاتب البريطاني، ديفيد هيرست، طبيعة التدخل العسكري الروسي في سوريا، ومن هم حلفاء الزعيم الروسي فلاديمير بوتين في حربه هناك إلى جانب النظام السوري، وطبيعة العلاقة مع إسرائيل في ضوء هذا التدخل.
ففي مقاله الذي نشره في صحيفة “ميدل إيست آي”، بعنوان “حرب بوتين المقدسة في سوريا”، بدأ هيرست بالإشارة إلى أن التدخل الروسي “سيكون بمثابة المغناطيس الذي يجذب المقاتلين السنة من كل حدب وصوب”.
وذكر هيرست أن حلفاء روسيا الجدد هم العراق، والإمارات، والأردن، ومصر، وإسرائيل، حيث ما لبث بوتين أن وجد هؤلاء الحلفاء سريعا.
وقال: “مزجا للعمل بمزيد من العمل، تمكن بوتين من جلب العاهل الأردني الملك عبد الله، وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان من الإمارات العربية المتحدة ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي للمشاركة في عرض جوي عسكري في موسكو في شهر آب/ أغسطس الماضي”.
وأشار أيضا إلى أن الأردن وفقا لتقرير “ميدل إيست آي”، سحب مؤخرا دعمه للثوار السوريين الذين يقاتلون على الجبهة الجنوبية.
أما بالنسبة لمصر، التي طالما تجنبت إظهار دعمها للأسد، تعلن جهارا نهارا تأييدها للتدخل الروسي نيابة عن الأسد. فقد صرح وزير الخارجية المصري سامح شكري يوم السبت بما يلي: “إن دخول مصر، بما لها من إمكانيات وقدرات، لهو شيء نرى أنه سيكون له تأثيره في الحد من الإرهاب في سوريا بل وفي القضاء عليه”.
وفي مقابلة مع تلفزيون المنار التابع لحزب الله، قال المحلل الروسي والدبلوماسي السابق، فتيسلاف ماتوزوف، إن روسيا تلقت دعما من دولة عربية لم يسمها، ولكنه ألمح بشكل عام إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حين قال: “إن الموقف المصري المؤيد للضربات هو انعكاس لموقف أبوظبي”.
وأضاف: “لا شك أن صوت القاهرة هو صوت خلفي لدول خليجية أخرى غير السعودية”.
ولفت هيرست إلى أن هناك حليفا رابعا لروسيا في حملة القصف التي تشنها على سوريا، إنها إسرائيل.
كيف تستفيد إسرائيل من التدخل الروسي؟
أشار هيرست إلى أن إسرائيل مستفيدة من التدخل الروسي في سوريا، حيث أوضح: “لقد حافظ نتنياهو على علاقته ببوتين بغض النظر عن الظروف والأحداث. ونقلت الأحد الماضي صحيفة معاريف عن مصدر عسكري إسرائيلي قوله إن استمرار الحرب الأهلية في سوريا يخدم المصالح الإسرائيلية”.
وقال المصدر إن استمرار نظام الأسد، الذي يحظى باعتراف دولي، يعفي إسرائيل من عبء التدخل المباشر والتورط العميق في الحرب الدائرة هناك.
وأشار إلى أن إسرائيل تتفق مع كل من روسيا وإيران حول هذه القضية.
وبحسب هيرست، يعدّ ذلك تصريحا مثيرا للاهتمام إذا ما أخذنا بالاعتبار أن إيران هي الداعم الأساسي لحزب الله ولنظام الأسد في سوريا، الذي يعدّ قناتها الوحيدة لتمرير الصواريخ طويلة المدى التي بإمكانها أن تضرب في العمق الإسرائيلي.
معارضو التدخل الروسي
وأوردت هيرست في مقاله إلى جانب حلفاء بوتين في الشرق الأوسط، معارضيه. وهي الدول الثلاث غير الغربية التي أصدرت بيانا مشتركا تدين فيه الهجمات الجوية الروسية: المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا، وهي الدول الرئيسية الداعمة للمعارضة السورية.
ولفت إلى أن هذا البيان المشترك لم توقع عليه مصر والأردن والإمارات العربية المتحدة، وذلك على الرغم من الضغوط التي مارستها عليهم المملكة العربية السعودية.
ويرى هيرست بذلك أنه ما من شك في أن في ذلك أمارات واضحة على الانقسام العربي.
ولم ينس الكاتب البريطاني الإشارة إلى التوتر الحاصل بين تركيا وروسيا جراء انتهاك الأخيرة المجال الجوي التركي، ما دفع برئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، إلى التهديد قائلا إن سلاح الجو التركي سيفعل قواعد الاشتباك العسكرية، مؤكداً أنه “حتى لو كان طائرا يطير بجناحيه فإنه سيجري اعتراضه”.
وقال هيرست إن الروس يخطئون من حيث المبدأ في فهم ما يحدث في الشرق الأوسط، فما لبثت أمريكا تفقد السيطرة على حلفائها الذين بات كل واحد منهم يفعل ما يراه مناسبا من وجهة نظره.
وأوضح أن السعوديين عبروا عن غضبهم بسبب عدم رغبة أوباما في ضرب الأسد بعد الهجمات التي شنتها قواته بالغازات السامة خارج دمشق. وتعتقد الرياض بأنها إذا لم تتصدر لمهمة حماية الأغلبية السنية من الناس في المنطقة فإن القاعدة أو الدولة الإسلامية ستفعل ذلك.
وقال: “بذلك، ينتهي بنا الأمر إلى وضع تعدّ فيه روسيا قوة أجنبية معتدية وإمبريالية من قبل دولتين هما من أغنى دول الخليج، وكذلك من قبل الدولة التي تملك أكبر جيش في المنطقة هي تركيا، ومن قبل أغلبية الناس في كل من تركيا ولبنان وسوريا والأردن ودول الخليج. بمعنى آخر، نحن بصدد معارضة معتبرة للنشاط الروسي في المنطقة”.
ما حصل في ليبيا شكل دافعا لبوتين
وأشار هيرست في مقال إلى أن الذكريات المريرة المتعلقة بليبيا هي التي حفزت مشروع بوتين الحالي على تولي زمام القيادة في سوريا، وليس الإهانات القديمة التي تعرض لها الروس في كل من أفغانستان وكوسوفو والشيشان.
فمصالح روسيا في ليبيا تضررت، فهي التي يعرفها ليونيد إيفاشوف، وهو جنرال متقاعد ورئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية، على النحو التالي: “لقد خسرنا حليفا مهما، وشريكا واستراتيجيا مهما، وتكبد اقتصادنا وصناعتنا الدفاعية خسارة تقدر بالمليارات”.
فالمحللون الروسيون يرون أن ليبيا كانت في نهاية المطاف حديقة روسيا الخلفية في شمال أفريقيا، قبل الربيع العربي، ولا يريدون أن تخسر روسيا حليفها السوري كما خسرت القذافي.
والمعلقون الروس -وفقا لهيرست- يتناقشون حول الربيع العربي ويخلصون بإجماع إلى أنه لا يوجد شيء اسمه ربيع عربي، ويتفقون فيما بينهم على أن تونس وميدان التحرير لم تكن سوى عمليات خاصة للمخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، تماما كما كان عليه حال الثورات الملونة التي انطلقت في شرق أوروبا.
ولفت إلى أن روسيا لم تسع إلى تسويق تدخلها في سوريا بشكل مبالغ فيه. ولعلها اكتفت بإشادة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية بالهجمات الجوية وبكيلها المديح لبوتين الذي اعتبرت أنه يشن حربا مقدسة.
ونقل هيرست عن رئيس قسم الشؤون العامة في الكنيسة، فزيفولود تشابلين، قوله: “إن الحرب على الإرهاب معركة مقدسة، ولربما كانت بلادنا اليوم هي القوة الأكثر نشاطا في العالم في مجال الحرب على الإرهاب”، ورأى أن مثل هذا التفكير ليس جديدا أبدا.
وبيّن هيرست أن بوش استخدم تقريبا الكلمات ذاتها حينما قال بعيد هجمات الحادي عشر من سبتمبر مباشرة إن “هذه الحرب صليبية، هذه الحرب على الإرهاب، ستستغرق وقتا”.
وبالفعل، استغرقت وقتا. واليوم تكرر روسيا بعد أربعة عشر عاما الخطأ ذاته الذي ارتكبه من قبل بوش وبلير، لدرجة استخدام العبارات ذاتها، وما من شك في أن ذلك يثبت كم هو خطير صياغة التعبير عن الاقتتال الذي يدور في بلد مسلم ضمن إطار ديني، وفق هيرست.
ووصف هيرست التدخل الروسي في سوريا بـ”مغامرة بوتين الأخيرة في سوريا”، التي يرى بأنها “مثابة كارثة متحركة على عجلات نزعت منها فراملها”، موضحا: “إذا كانت المقاتلات الروسية فوق أفغانستان البعيدة قد جذبت المقاتلين الجهاديين العرب من كل حدب وصوب، فللمرء أن يتصور تأثير تحليقها في أجواء سوريا والعراق على الشباب، وإلى أي مدى سيعزز ذلك من قدرات تنظيم الدولة الإسلامية على تجنيد المتطوعين”.
وقال: “لا ينبغي على المرء أن يقلل من أهمية مشروع بوتين، فهذا هو أول استخدام للجيش الروسي في القيام بدور قتالي في الشرق الأوسط منذ زمن بعيد”.
وبحسب هيرست، يسلب هذا القتال من روسيا قدرتها على ضبط دعم الإيرانيين وحزب الله للأسد أو للتفاوض في جنيف على دور انتقالي. وأعادت روسيا بذلك إشعال صراع كان قد دخل طورا من الوهن، وبدأ يفسح المجال أمام إبرام سلسلة من اتفاقيات لوقف إطلاق النار في مواقع محلية عدة، أخذا بالاعتبار تلك المكاسب التي حققتها المعارضة في الجنوب.
وقال هيرست: “تتجه روسيا بشكل واضح نحو تكرار جميع الأخطاء التي ارتكبتها القوى الإمبريالية التي استعمرت سوريا والعراق من قبل: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا. كما تتجه نحو إقصاء واستعداء الغالبية العظمى من سكان المنطقة”.
وأضاف في معرض مقاله أن “الغرور الذي هيمن على بوش وجعله يعتقد في عام 2003 أن بإمكانه كسر الدولة العراقية ثم إعادة تركيبها، وأن قذائف الديمقراطية الجفرسونية ستنطلق من مدافع الدبابات الأمريكية، سبقته إليه إدارة كلينتون التي ظنت أن بإمكانها إعادة صياغة الدولة الروسية بعد عام 1992”.
ووفقا لهيرست، فإن كلا المشروعين باء بالفشل، ولكنهما كانا أبناء الأيديولوجية الأم ذاتها، التي كانت ترى أنه بعد انهيار الشيوعية، وقبل ظهور البحرية الصينية، تحررت طموحات القوة الأمريكية من كل القيود.
ولذلك، فقد كان يعرف بوتين أنه يغير قواعد اللعبة في سوريا، ولكنه لم يفعل ذلك دون أن يمهد الأرضية لذلك. فقد كان هو الآخر مشغولا في تشكيل تحالف الراغبين.
ولفت هيرست أخيرا إلى أنه من المهم أن نلاحظ في هذا الصدد أن بناء تحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بحيث يكون بشار الأسد حجر الزاوية فيه، بدأ على شكل تحرك إيراني روسي بعد النجاح الذي أسفرت عنه المحادثات النووية. إلا أن بوتين كان بحاجة إلى حلفاء عرب.