توقع “نيكولاس نوي”، محرر موقع “ميدإيست دوت كوم” ومؤلف كتاب “صوت حزب الله” في مقال نشرته دورية “فورين أفيرز” على موقعها، أن يشوب العلاقات الإيرانية – الروسية قدرا من التوتر.
ويشير في البداية إلى موقف الولايات المتحدة من الغارات الجوية التي شنها الطيران الحربي الروسي على مواقع للمعارضة، وما قدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من تبريرات للضرب في سوريا باعتباره جزءا من الحرب على الإرهاب.
وما بين المبرر الروسي والرد الأمريكي نظر المحللون للتحرك الروسي من خلال منظور التنافس الجغرافي السياسي بين القوتين العظميين:
فهناك من قال إن بوتين يحاول تعزيز تأثير بلاده في منطقة الشرق الأوسط ويستغل التراجع الأمريكي فيها. وهناك من رأى أن بوتين يقوم في الواقع بجر بلاده إلى مستنقع الحرب السورية، حيث ظل الرئيس الأمريكي باراك أوباما يتجنب الوقوع فيه.
ومع ذلك يشترك المحللون في فكرة أن التدخل الروسي يعطي دفعة لنظام الأسد والأطراف المتحالفة معه، خاصة إيران وحزب الله. ويعتقد “نوي” أن تورطا عميقا للروس قد يؤدي إلى تعقيد العلاقة مع الكتلة المؤيدة لبشار الأسد، لأن مصالح روسيا لا تتوافق دائما مع حلفاء دمشق في طهران وبيروت.
ويقول الكاتب إن مصالح روسيا منحازة أقل للمجموعة المؤيدة لنظام الأسد مقارنة بانحيازها لعدو الكتلة هذه وهو إسرائيل. ولهذا، فقد يستخدم بوتين نفوذه الجديد لدفع نظام الأسد وحلفائه لاتخاذ مواقف أكثر اعتدالا في الصراع السوري وغيره، وهو ما يفسر مسارعة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسط الحشود العسكرية الروسية لزيارة موسكو الشهر الماضي ولقاء بوتين.
والداعي لقلق إسرائيل من الحشود في غرب سوريا هو عرقلة خططها، منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، لمنع تدفق السلاح الإيراني إلى “حزب الله”.
ووفقا لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، فقد شن الطيران الإسرائيلي أكثر من عشر غارات في العمق السوري واستهدف مخازن وقوافل أسلحة وعناصر قيادية في “حزب الله”. ويرى “نوي” أن إسرائيل حاولت الاستفادة من ضعف النظام السوري لإضعاف خصمها “حزب الله” اللبناني.
ومن هنا، فوصول القوات الروسية إلى سوريا أعاق عمليات إسرائيل الموجهة ضد “حزب الله” خصوصا وأن مخاطر التصادم بين الطيران الروسي والإسرائيلي صارت محتملة. وتريد تل أبيب تجنب حوادث من هذا النوع لأنها لا تريد مواجهة مع موسكو التي تحتفظ بعلاقات طيبة معها.
وما زاد من صعوبة المهمة هي أن إسرائيل هاجمت مخازن وقوافل أسلحة روسية الصنع وفي غرب سوريا، اللاذقية، حيث تتمركز القوات الروسية اليوم. وقد توصلت روسيا وإسرائيل لتفاهمات تقضي بتجنب حوادث تصادم في الجو وتنسيق بين الطرفين.
وهو التنسيق نفسه الذي يدعيه الطرف الموالي للأسد. ففي أجواء الترحيب التي صدرت من طهران و”حزب الله”، في بيروت تم الترحيب بالقوات الروسية على لسان الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله الذي قال إن حزبه يرحب بأي قوة تدخل سوريا لدعم نظام الأسد، مشيرا إلى تنسيق روسي – إيراني ومع “حزب الله”.
وهو ما بدا في تقارير تحدثت عن قوات برية إيرانية ومن مقاتلي “حزب الله” تحضر لخوض عمليات داخل سوريا للاستفادة من الفرصة التي خلقتها الغارات الروسية على مواقع المعارضة.
ولكن الصورة ليست كما تبدو، فبحسب مراسل صحيفة “الغارديان”، إيان بلاك، الذي نقل من دمشق مخاوف إيرانية من التدخل الروسي، وأن إرسال بوتين لقواته جاء من أجل تخفيف النفوذ الإيراني في سوريا.
ويرى “نوي” أن دخول روسيا القوي لن يترك الأثر القوي الذي يتوقعه عدد من اللاعبين بالنظر إلى عدم وجود مصلحة روسية في النزاع الطائفي الدائر على الأرض السورية بين المحور الشيعي الذي تتزعمه إيران والمحور السني الذي تتزعمه كل من السعودية وتركيا.
فرغبة بوتين في دعم الأسد نابعة من كونه الحليف الوحيد الباقي لروسيا في المنطقة، ولا تنبع والحالة من كونه جزءا مهما في تحالفات طائفية، ولأن الأسد مستبد علماني مثل بوتين الذي يشعر بالقلق كلما أطيح بزعيم مثله.
وعندما يحين موعد التسوية السلمية التي سيؤول إليها هذا الصراع، فمن المتوقع قيام بوتين بممارسة الضغط على حليفه في دمشق لتقديم تنازلات أكثر من إيران. وهو موقف “حزب الله” نفسه الذي يرى في سوريا جزءا من “محور المقاومة” ودعم الحزب الشيعي للنظام جزء من الحفاظ عليه وتضييق مساحة المناورة لدى إسرائيل.
ولا يتفق بوتين مع هذا الموقف لأنه يرى في الأسد مصدرا للاستقرار وليس جزءا من محور ثوري وأيديولوجي يعمل على تغيير المنطقة. وببساطة فدعم بوتين للأسد لا يعني دعمه لأيديولوجية دينية يؤمن بها حلفاء النظام السوري.
ولا يستبعد أن تستخدم روسيا في مرحلة ما نفوذها الجديد في سوريا لتعديل مواقف النظام، وكذا مواقف الكتلة الموالية له. فربما ضغط بوتين على إيران و”حزب الله” لتحديد الأولوية بدعم الأسد وتنحية الأهداف الأخرى جانبا مثل دعم المنظمات الفلسطينية وتعزيز الترسانة العسكرية في جنوب لبنان والقيام بنشاطات في الجولان قرب الحدود مع سوريا.
وربما ذهب بوتين أبعد في محاولته لإظهار أنه قوة لتحقيق الاستقرار على خلاف الولايات المتحدة، ويطلب في هذه الحالة من إيران تخفيض شحناتها من الأسلحة لـ”حزب الله”. ويضيف الكاتب أن روسيا ربما استخدمت نفوذها لحل المشاكل المتعددة في المنطقة، مثل إقناع إيران بتخفيف دعمها للمتمردين الحوثيين في اليمن.
وعليه، فالتدخل الروسي يعتبر مفيدا لإسرائيل التي ستتمكن من التعاون مع حليف متعاطف معها وله تأثير في التحالف المؤيد للأسد. ويشير الكاتب إلى أن هذه الإمكانيات التي يمنحها التدخل الروسي في سوريا غائبة نوعا ما عن المحللين الغربيين الذين يصرون على أن الدعم الروسي سيقوي الأسد والمتحالفين معه، ما سيدفعهم للتشدد في مطالبهم.
وإذا وجد الغرب فرصة لاستغلال العملية الجديدة قد يدفع بوتين للعب دور بناء في المنطقة، فما ينظر إليه على أنه تورط في مستنقع الحرب الأهلية قد يتحول إلى خطوة لحل سلسلة من النزاعات التي تمزق المنطقة.
وإزاء هذه النظرة، اتسم الموقف الأمريكي بالتحذير من مخاطر التورط الروسي، فيما تم الحديث عن حرب بالوكالة تجري الآن على أرض سوريا بين الولايات المتحدة وروسيا. ويواجه “حزب الله” معضلة بسبب طول أمد الحرب وأثرها في قاعدة الدعم الشيعية في لبنان.
ويرى نيكولاس بلانفورد في تقرير نشرته صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” أن الحزب الذي أُنشئ عام 1982 لمواجهة إسرائيل يدفع اليوم ثمن مشاركته في الحرب السورية بالأرواح والسمعة.
وتعتبر المعركة في سوريا من أضخم المعارك التي يخوضها الحزب، حيث تدفق الآلاف من شباب ومقاتلي الحزب على سوريا وقاتلوا في حلب وجبال القلمون في الشمال والجولان في الجنوب.
وترك التزام الحزب بسوريا أثره في معنويات المقاتلين وقدرات الحزب. ويقول محللون إن خسائر “حزب الله” في سوريا تفوق خسائره في حربه ضد إسرائيل والتي استمرت 18 عاما. وأثر وقوف نصر الله مع الأسد على سمعته في العالم العربي، فعلى خلاف شعبيته أثناء حرب تموز 2006 تحول نصر الله وحزبه لرمز الشر في العالم العربي و”حزب الشيطان”. ورغم استمرار الشيعة في لبنان بدعم “حزب الله”، إلا أن هناك مظاهر من التوتر والتمرد.
ويتساءل البعض وإن بصوت مكتوم إلى أين يأخذ نصر الله، الرجل الذي وثقوا به، الحزب والشيعة ولبنان؟
وينقل الكاتب عن رندة سليم، المتخصصة في شؤون “حزب الله” في معهد الشرق الأوسط بواشنطن، أن “قرار نصر الله إرسال مقاتلين إلى سوريا جاء بعد مداولات مكثفة مع الإيرانيين”، مشيرة إلى أن قرار نصر الله يأتي في المرتبة الثانية بعد قرار المرشد في الشؤون المتعلقة بالمشرق – سوريا ولبنان والعراق.
وفي البداية تسلل مقاتلو الحزب إلى سوريا وانتشروا في القرى الشيعية وحول مقام السيدة زينب في دمشق. وحاول نصر الله تشكيل خطاب ليقنع فيه القاعدة الشيعية في لبنان وأكد فيه على أهمية سوريا لمحور المقاومة”، وأن نهايتها تعني نهاية القضية الفلسطينية.
وحذر نصر الله من المجموعات “التكفيرية” في المعارضة السورية التي تشكل خطرا على الشيعة. لكن نقاده اتهموه بتعريض الشيعة لانتقام السنة بسبب دخوله سوريا. وبحسب صبحي الطفيلي، أحد مؤسسي الحزب: “أخذ نصر الله الشيعة إلى أماكن خطرة، وبدأ حربا مع جيراننا ستلاحقنا لأجيال”.
ويلاحظ بلانفورد أن صور الشهداء في الحرب مع إسرائيل بهتت بسبب الصور الجديدة للمقاتلين الذين سقطوا في سوريا. وتظل هذه ساحة جديدة لتدريب المقاتلين على فنون الحرب. لكن إسرائيل لم تختف
وهذه صورة عن المعضلة التي يواجهها طرف خارجي دخل المعمعة السورية، فمخاطر التدخل أو خوض حرب بالوكالة تنذر دائما بحرب داخلية، وهو ما حذر منه المعلق في صحيفة “فايننشال تايمز”، جدعون رتشمان، القوى الأجنبية من الاحتراق بالنار السورية.
وحذر “رتشمان” من آثار الحرب بالوكالة الكارثية على الدول التي تجري عليها وتلك التي تساهم في إشعالها. ويرى أن الدول التي قاتلت في الحرب الأهلية الإسبانية في ثلاثينيات القرن الماضي هي نفسها التي واجهت بعضها البعض أثناء الحرب العالمية الثانية. ولهذا يجب أن لا يهمل أثر الحرب الأهلية السورية في الدول المساهمة فيها.
ويقول إن مخاطر الحرب بالوكالة تتعدى سيناريو المواجهة المباشرة بل قد تمتد لأبعد من هذا. ويشير للدور الذي لعبته الولايات المتحدة وباكستان في الحرب الأفغانية، حيث خاضتا حربا بالوكالة ضد الاتحاد السوفييتي السابق. وعادت هذه الحرب التي جرت في الثمانينيات لتلاحق البلدين وتحرق أصابعهما عندما أصبحا هدفا لتنظيم “القاعدة” والمتشددين الإسلاميين.
وفي ظل الحرب بالوكالة الدائرة على أرض سوريا فما يجمع كل هذه القوى هو الخوف من خسارة الطرف الذي يدعمه. فالسعوديون يخشون صعود إيران، والأخيرة خائفة من خسارة حليفها السوري واستبداله بحكومة سنية معادية.
أما بوتين الذي يواجه اقتصادا متآكلا وجمودا على الساحة الأوكرانية، فيريد منع عمليات تغيير أنظمة مدعومة من القوى الغربية. وتشعر الولايات المتحدة بأنها مجبرة على الرد لأن إدارة أوباما تتهم مرة أخرى بتقبل تراجع القوة الأمريكية. ورغم كل هذا فالقاسم المشترك بين هذه القوى أنها لا تستطيع التصرف بطريقة جماعية لإنهاء الحرب.