نشر موقع “زينيت اونلاين” الألماني تقريرا حول الفقراء في مصر مشيرا إلى أنه من شدة الفقر لم يجد فقراء القاهرة المعدمين مكانًا بين الأحياء فعاشوا بين الأموات، حيث تشير الإحصائيات إلى أن أعداد سكان المقابر في مصر بلغ مليونا ونصف المليون شخص”.
وتحت عنوان “مدينة الموتى الأحياء” لفت الموقع إلى ارتفاع نسبة سكان المقابر فى القاهرة من قبل الفقراء المعدمين؛ لعدم وجود مأوى آخر لهم,
وأجرت الصحيفة حواراً مع أسرة “نفيسة”، وهي إحدى الأسر المصرية التي تعيش في المقابر, فنفيسة سيدة مسنة عوراء، تبدو عليها علامات الفقر الشديد لكنها تتميز بالابتسامة رغم ذلك، وتعيش في مدفن يتكون من مدخل أمامي وفناء واسع بلا سقف وغرفة نوم صغيرة بجوار قبر الميت.
سكن نفيسة به دورة مياه ليست سوي حفرة في الأرض بجوارها صنبور مياه قديم، أما المطبخ فهو مجرد ركن صغير فارغ ومظلم وليس به سوى “وابور جاز” بينما يتدلى من سقف المطبخ الفارغ خرطوم مياه يُستخدم للاستحمام حيث إن المطبخ يُستخدم أيضاً كحمام بينما توجد غرفة أخري خاصة بأصحاب المدفن تُستخدم كمخزن.
نفيسة ولدت في المقابر وهي لا تعرف تاريخ ميلادها، تزوجت بعد وفاة والديها من أحد العمال الذي كان يسكن في مدفن مجاور وأنجبا ثلاثة أبناء ولدين وبنت.
تزوج الابن الأكبر والبنت الصغرى بينما دخل الابن الأوسط السجن بعد ارتكابه جريمة قتل, وتقول نفيسة إنه كان ولداً سيئاً وتسبب دخوله السجن في التأثير علي سمعة الأسرة.
أما زوج نفيسة فقد بات كبيراً في السن لا يستطيع العمل وهو الآن بلا معاش أو تأمين صحي وهو ما دفع “نفيسة” لبيع أعواد قصب السكر والاعتماد على المساعدة التي يرسلها لهم ابنهم الأكبر وابنتهم الصغرى وكذلك صدقات أصحاب المدفن.
كل ما تتمناه نفيسة هو أن تترك حياة المقابر وتجد لها مسكناً ملائماً يأويها، وهي أمنية لا تبدو قريبة المنال في ظل تفاقم أزمة السكن وارتفاع أسعار العقارات فمصر إضافة إلى تزايد سكان المقابر من الفقراء أمثالها.
قصة نفيسة لا تختلف كثيراً عن قصة حليمة تلك السيدة العجوز نحيفة البدن، والتي تعيش مع أحد أبنائها الذي طلق زوجته ويقيم معها في نفس المدفن.
حليمة لا تملك حماماً للاغتسال، لكن ما يميز المدفن الذى تعيش فيه حليمة عن مدفن نفيسة شيئان وجود كهرباء حيث اشترى صاحب المدفن عداداً قبل عدة سنوات وتدفع هي فواتير الاستهلاك الشهرية.
ووجود أشجار ونباتات تحيط به تجعل من هواء المدفن هواء نقياً، وزرعت تلك الأشجار من قبل إحدى الأشخاص المتصدقين.
حليمة تزوجت وهي في سن الخامسة عشر من أحد الرجال القرويين البسطاء وجاءت للعيش في المقابر مع زوجها، وكان زوجها يملك كشكاً صغيراً، لكنه مات فجأة بعد 19 سنة زواج وترك لها ثلاثة أولاد.
حليمة تعمل في تنظيف المنازل وتتقاضى حليمة معاشاً قدره 320 جنيهاً شهرياً كما تتلقى تبرعات من الأزهر.
أمنية حليمة مثل أمنية جاراتها نفيسة وهي الحصول على مسكن مناسب مهما كانت مساحته وذلك من أجل أبنائها.
سور المقابر معقل للمجرمين
الصحيفة الألمانية التقت أيضاً مع “عاشور” بائع الأقفاص الذي يسكن في منطقة “الدويقة” وينتمي لتلك البؤرة العشوائية غير القانونية، ويؤكد أنه ليس لديه بديل عن العيش في “الدويقة”.
عاشور لديه مكان صغير يستأجره بثمانين جنيهاً في الشهر يتخذه ورشة لتصنيع الأقفاص من جريد النخيل.
المجرمون وتجار المخدرات منتشرون علي امتداد سور المقابر وقد شهدت المنطقة قبل عامين ونصف مشاجرة لقي على أثرها أحد الأشخاص مصرعه.
وبالرغم من أن عاشور شهد الواقعة إلا أنه لا يستطيع الحديث عن الأمر خوفاً من بطش القاتلين لأنه لو أبلغ الشرطة فسيعلم الجميع أنه من أبلغ وسيتم ملاحقته وربما قتله هو الآخر وهو ما لا يتمناه بكل تأكيد.
وكما هو الحال مع نفيسة وحليمة يتمني عاشور أن يمتلك بيتاً يسكن فيه وورشةً مستقلةً يعمل فيها.
عاشور لديه أربعة أبناء بخلاف الرضيع جميعهم التحقوا بمدارس حكومية وتركوها جميعاً برغبتهم فيما عدا ابنته الصغرى لا تزال في مراحل التعليم حتى الآن.