“متابعة- وطن” نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية تقريرا موسعاً عن حركة حماس الفلسطينية التي كانت في يوم من الأيام الابن المدلل للإيرانيين لكنها بات اليوم الولد العاق الذي خالف كل تعليمات والده, مشيرة إلى أن طهران أصبحت الآن تبحث عن بديل لهذا الولد العاق ليكون لها “وكيل في فلسطين”.
المجلة الأمريكية وفي مقالها الموسع للكاتب إيهود يعاري، الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، قال إن “حركة حماس، أزعجت إيران بعدة طرق بعد اندلاع الأزمة السورية”، مثل: تخلي الحركة عن دعم حليف إيران رئيس النظام السوري بشار الأسد، بالإضافة لنقلها مقراتها من دمشق لإسطنبول وتعزيز علاقاتها مع تركيا، وسعيها لتعزيز ارتباطها مع السعودية، ألد أعداء إيران، إذ التقى قادتها بالملك سلمان في تموز/ يوليو.
وأضاف يعاري أن إيران استجابت لهذه الإجراءات من حماس بقطع التمويل، والعمل على تأسيس منظمة فلسطينية أخرى بقطاع غزة، مشيرا إلى أن فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، بدعم من قسم العمليات الفلسطينية في حزب الله اللبناني، وفر التمويل والدعاية لحركة “الصابرين” بقطاع غزة، في سعي لـ”محاكاة” حزب الله في لبنان، والمليشيات الشيعية في العراق، مثل منظمة بدر، لتكون “مليشيا وكيلة يعتمد عليها لإيران”.
وتابع مقال “فورين أفيرز”، المجلة الصادرة عن معهد الدراسات الخارجية، بأن حركة الصابرين، التي يقودها القيادي السابق في حركة الجهاد الإسلامي هشام سالم، كانت واحدة من أبرز وكلاء إيران في فلسطين، مشيرا إلى أن “الصابرين” انشقت عن الجهاد بعد أن أوقفت تمويلها ببضعة شهور، إثر امتناع الجهاد على انتقاد الضربات السعودية على الحوثيين المدعومين إيرانيا في اليمن.
وأوضح الباحث أن سالم في الخمسينيات من عمره، وكان قياديا متوسط المستوى، وغير معروف كثيرا، في حركة الجهاد الإسلامي، مشيرا إلى أنه يقيم في حي بيت لاهيا الفلسطيني، ويندرج من عائلة كبيرة من اللاجئين الذين أتوا من قرية الحبارية جنوب الأراضي المحتلة.
وأشار الباحث إلى اعتقال سالم في نيسان/ أبريل ١٩٩٠، لـ٢٠ شهرا بتهمة وضع متفجرات ضد جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي، ليوضع لاحقا على قائمة المطلوبين، قبل أن تقصف إسرائيل مبنى الخمس طوابق الذي يقيم به، وتقتل والده.
كما واجه سالم إشكاليات مع أجهزة السلطة الفلسطينية الأمنية في قطاع غزة، إذ اعتقل لأسابيع في أيار/ مايو ١٩٩٦، بعد تخطيطه لعدة عمليات في إسرائيل، كما اعتقله جهاز الأمن الداخلي التابع لحماس لمدة أسبوع، بحسب يعاري.
وبعد انشقاقه عن حركة الجهاد الإسلامي، أسس سالم وأتباعه جمعية خيرية باسم “الباقيات الصالحات”، ثم أعلنوا في ربيع ٢٠١٤ تأسيس حركة الصابرين، دون أن يكون واضحا عدد أعضائها ونشاطها العسكري.
وتقول الشائعات في قطاع غزة، بحسب ما نقل الباحث، بأن سالم يتلقى تمويلا سنويا من إيران يصل إلى ١٠ مليون دولار، يتم تهريبها في حقائب من مصر عبر أنفاق غزة، ويتم توزيع جزء منها لعائلات الفلسطينيين المعتقلين لدى إسرائيل، مشيرا إلى إنفاق مبلغ جيد لإحياء ذكرى أحد أفراد الحركة، الشهيد مصعب الخير صلاح الدين السكافي، والذي قتل أثناء معارك العصف المأكول في غزة في تموز/ يوليو ٢٠١٤، أثناء انفجار صاروخ وهو ينطلق تجاه إسرائيل.
وأشارت المجلة، التي يقال أنها تؤثر في القرارات السياسية الأمريكية، إلى أن اسم التنظيم “الصابرين” تم اختياره لربطه بالأذهان مع الرئيس الراحل لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، الذي كانت الآية القرآنية المفضلة لديه: “إن الله مع الصابرين”، موضحة أن القرآن يعزز قيمة “الصبر” وثوابه، بالإضافة لقيمته الواضحة في الأدبيات الدينية الشيعية، وارتباطه القرآني بالجهاد ووعد الجنة.
ونتيجة لذلك، بحسب الكاتب، فإن الصابرين، وسالم تحديدا، اتهموا بشكل كبير في غزة بالتشيع، في حين كان سالم حذرا في العديد من المقابلات، وعلى موقعه وصفحاته الاجتماعية، بتجنب تأكيد تشيعه، دون نفي مباشر لذلك.
وفي المقابل، فإن الأدلة الظرفية تتزايد، إذ نشر عدد من أعضاء “الصابرين” الأدبيات الشيعية، وعقدوا محاضرات حول التشيع، كما كانت الحركة هي أولى التنظيمات التي قامت بالطقوس الشيعية، مثل يوم عاشوراء، الذي يتضمن اللطم، في تصرف لم يكن مشاهدا من قبل في قطاع غزة، في حين أعلن سالم أن “الطريق إلى تحرير فلسطين يمر بكربلاء”، وأن الكفاح ضد إسرائيل يحتاج “إماما حسينيا جديدا”.
كما يعقد سالم المظاهرات في ذكرى الثورة الإسلامية بإيران، ويمتدح بشكل دوري حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، بالإضافة لاستعارته خطابات دعائية من الشيعة كذلك، واصفا إسرائيل بأنها “الشرق المطلق” الذي “لا بد أن يختفي”، في رد صدى لكلمات المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي الخميني، بالإضافة لشبه التطابق بين شعار “الصابرين”، وشعار حزب الله، بالإضافة لتشابه المصطلحات والشعارات، بحسب الكاتب.
وبعكس “حماس” و”الجهاد”، اللتين تجاهلتا الدعوات الإيرانية لذم الهجوم السعودي في اليمن، التزم سالم سريعا، وكتب أفراد الحركة مستخفين بالسعودية، بشكل كبير في وسائل الإعلام الإيرانية.
وأوضح الكاتب بقوله أنه “ومثل إيران، تتبع (الصابرين) أجندة حادة مضادة لأمريكا، مقدمة استنكارات لا تنتهي للسياسات الأمريكية”، موضحا أن أدبيات الحركة تصف أمريكا بأنها “المصدر الأعظم للإرهاب”، وأن واشنطن تسعى لسيادة المستضعفين في الأرض، كما انتقدت “الصابرين” بشدة وضع قياديين في حزب الله على قائمة الإرهاب الأمريكية.
انطلاق بطيء
وبعيدا عن الخطاب، فإن “الصابرين” تعاني صعوبات بمحاولتها لتكون قوة بارزة في قطاع غزة، إذ يمنع ميلها الشيعي، في قطاع غزة السني بكثافة، الكثير من الشباب من الانضمام للحركة، كما تحد “حماس” من حرية حركة “الصابرين” في القطاع، إذ منعت أعضاءها من عقد اجتماعات عامة، ومنعتهم من أي ذكر في الصحافة المحلية، بحسب الكاتب.
وتعي “حماس” بأن سالم نجح بجذب الكوادر الساخطة من “الجهاد الإسلامي”، لتأخر الحركة بدفع رواتب أفرادها بشكل رئيسي، لذلك فهي حذرة كذلك من قوة سالم، إذا كان هناك تقارير من صحفيين في غزة بأن “حماس” تنوي منع كل نشاطات “الصابرين”، بالرغم من نفي صابرين نفسها لهذه الإشاعات.
وأشار الكاتب إلى أنه يمكن القول بأن “حماس” متسامحة مع “الصابرين”، ما لم يتحد سالم بشكل مباشر سيطرة “حماس” على قطاع غزة، وسياستها، في حين يسعى سالم حتى الآن لعدم تجاوز هذه الخطوط الحمر.
وفي الوقت الحالي، فإن “الصابرين” تسعى لضم بعض المليشيات الصغيرة تحت جناحها، إذ يسعى سالم لتعزيز تحالف مع عمرو أبو شريعة، زعيم ألوية المجاهدين، وزكريا دغمش، زعيم المقاومة الشعبية، كما يتعاون مع ألوية عبد القادر الحسيني، وأبو الريش، والأقصى، وعدد من الكتائب الأخرى، إذ تسعى خطته لضم كل الفصائل الصغيرة في مجلس عسكري يترأسه، مقابل وعد هذه التنظيمات بتمويل إيراني مقابل ولائها.
وأوضح يعاري أن ممولي سالم في طهران وبيروت محبطون من بطء التقدم الذي يحرزه، إذ لا زالت “الصابرين” غير معترف بها من قبل معظم الفلسطينيين، كما لم تؤثر لقاءاته العامة ومقابلاته الكثيرة بجذب انتباه الفلسطينيين.
وعدا ذلك، فإن إيران تعتبر “الصابرين” أداة مفيدة كثيرا لإبقاء “حماس” و”الجهاد” على خطها، بإظهارها بأنها تملك بدائل، مما يضمن بقاء مشروع سالم في المستقبل القريب.
واختتم الكاتب بدعوته الولايات المتحدة بإبقاء عينها على التنظيم قبل أن يصبح المليشيا الأقوى التي يسعى إيران وحزب الله لإنشائها، وقبل أن تضع “الصابرين” موطئ قدم لها في قطاع غزة.