خصص الباحث ستيفن كوك مقالا بموقع “مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي” للرد على مقال الرئيس عبد الفتاح السيسي بصحيفة وول ستريت جورنال.
وإلى نص المقال
أتعجب دائما من شعور قادة الدول الأجنبية بالحاجة إلى كتابة مقالات رأي في الصحف الأمريكية.
على من يحاولون التأثير؟ فالبيت الأبيض والخارجية والبنتاجون والخزانة ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية يعرفون عن الظروف في تلك الدول بما ييتجاوز كثيرا ما يحاول هؤلاء القادة توصيله في مقالات تتراوح بين 750 إلى 850 كلمة.
ربما تخاطب تلك المقالات أعضاء الكونجرس ومساعديهم، لكن العديد منهم مشغولون بما فيه الكفاية في التركيز على أي موضوع.
ربما يعتزم هؤلاء القادة بناء جسور دعم مع الرأي العام الأمريكي، ولكن باستثناء القليل من القضايا، كالإرهاب الدولي وإسرائيل والعراق والقضية النووية الإيرانية، لا يبدو الأمريكيون مهتمين كثيرا بما يفعله القادة الأجانب في أوطانهم لتنمية اقتصاداتهم، وتوفير فرص لمواطنيهم.
أستطيع فقط افتراض أن القادة الأجانب يعتقدون بأن ذلك يصب في مصلحتهم السياسية الداخلية عبر الكتابة في واحدة من صحف الصفوة الأمريكية.
وينقلني هذا إلى مقال رأي بصحيفة وول ستريت جورنال يحمل اسم الرئيس عبد الفتاح السيسي.
أخمن أن السيسي لم يكتب حقيقة المقال، وأن اختيار وول ستريت جورنال يرجع إلى تبنيها نهجا أكثر ودا مع الرئيس المصري من نيويورك تايمز وواشنطن بوست.
جاء ذلك حتى تستطيع أبواق الإعلام المصري نقل حقيقة أن رئيسهم نشر مقالا في إحدى أكثر الصحف الأمريكية تأثيرا.
ولكني ما زلت غير قادر على تخيل من يكترث في مصر بذلك. لكن في كل الأحوال، كان ذلك مقالا مثيرا للاهتمام.
فسواء كان مقصودا أم لا، يكشف المقال أن السيسي يفهم ما يمكن أن يلامس المصريين، لكنه لا يفهم أن نهجه في الحكم يتناقض مع رغبات شعبه التي تتجاوز ذلك، المتمثلة في الكرامة، والتنمية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، وحكومة تمثله.
دعك من حديث المستشار حول “خلق منصة ديناميكية وتنافسية وبقيادة القطاع الخاص من أجل النمو”، وما إلى ذلك من كلام فارغ، ودعك كذلك من المناقشة المضطربة بشأن ضريبة القيمة المضافة (التي وضعت لنقل انطباع بأن السيسي يستطيع التحدث مع أناس مثل الاقتصادي جريجروي مانكيو).
الرئيس المصري يتحدث في المقال عن بعض الأفكار القديمة والمألوفة في السياسة المصرية المتعلقة بالكرامة والعدالة الاجتماعية.
في الجملة الأولى بالمقال كتب السيسي: “ على مدى العامين الماضيين، قرر الشعب المصري استعادة السيطرة على مصيرنا كأمة، وبدأ في عملية تجديد سياسي واجتماعي واقتصادي”.
فلتنسوا للحظة، مثلما فعل الكثير من المصريين أن كل شيء حدث منذ 25 يناير 2011 هو نتاج قرارات فعلها الشعب المصري.
الحقيقة التي يحاول المقال تأطيرها بأن المصريين أكدوا سلطتهم على مجتمعهم تشير إلى أن السيسي ( أو من ساعد أعضاء “مجموعة جلوفر بارك” في كتابة المقال)، يفهمون مركزية الكرامة عبر الرواية الوطنية الخاصة بمصر.
ولكن ما هي الكرامة التي يمكن أن توجد في مجتمع باتت الحكومة التعسفية هي العادة داخله؟ حيث يستدعي القادة مثاليات “ثورتين” بينما ينتهكوها بشكل مستمر؟
على غرار مرسي، وحسني مبارك، وأنور السادات، وجمال عبد الناصر، يشرف السيسي على نظام جرى تزويره لصالح القلة، تاركا باقي المجتمع في رحمة قضاء ظالم، وأجهزة أمنية وحشية، وبيروقراطية غير مبالية.
التدخل العسكري (أو الثورة أو الانقلاب) الذي وضع نهاية لحكم مرسي القصير ربما استعاد ما يعتقد الجيش والقضاة ولواءات الشرطة وصفوة رجال الأعمال بأنه النظام الطبيعي للأمور، لكن ذلك النظام يبقى ظالما بشكل عميق، ويخلو من الكرامة.
المصريون يريدون أيضا التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، اللتين تركز عليهما مقال السيسي.
ويحسب للسيسي أنه تطرق إلى مفهوم ذائع الانتشار بأن النمو الاقتصادي في منتصف العقد الأول من الألفية الجديدة هو جراء منجم رأس مال المحسوبية، والذي لم يؤدي إلا إلى إثراء القلة القليلة، وأصحاب العلاقات الجيدة على حساب الشعب المصري.
الرئيس المصري يطمئن قراءه بأنه تحت سمعه وبصره: “ نهدف إلى تحقيق التوازن بين خفض العجز المالي الحكومي والتزامنا بتعزيز العدالة الاجتماعية. وهذا يعني أن النمو هذه المرة سوف يعود بالنفع على كافة المصريين، وليس القلة”.
وهكذا، يبدو أن الحكومة المصرية اتخذت قرارا بتخفيض العجز، لكنها لم تتطرق إلى قضية العدالة الاجتماعية، التي لا ترتبط فحسب بتقسيم فوائد اقتصاد متنام ، وأكثر من مجرد تعبيرات خطابية.
ضريبة القيمة المضافة، رغم أنها تمثل سبيلا جيدا لجمع إيرادات وتقليص العجز، لكنها أيضا خطوة رجعية، حيث تؤثر على نحو غير متناسب على الفقير الذي ينفق نسبة أكبر من دخله على الاحتياجات الأساسية، بشكل يتجاوز الشخص الثري.
ليس واضحا بالنسبة لي مما قرأته خلال المقال كيف يخطط السيسي ومستشاروه في مخاطبة تلك القضية.
أحد أسباب الغضب الشديد الذي اعترى المصريين في أواخر حقبة مبارك هو شبكة الأمان الاجتماعي الرثة.
حقا، لقد تغير الزمن وولى عهد “مية مية ولا فراخ الجمعية) لكن الدولة المصرية تركت الأغلبية الكاسحة من المواطنين يتولون أمر أنفسهم، مع الفشل في مساعدتهم على إيجاد سبل التأقلم، مثل التعليم الجيد وحق الرعاية الطبية.
وفي النهاية، يريد المصريون حكومة تمثلهم، والتي ذكر السيسي إنه سيمنحها لهم قائلا: “أتطلع إلى المساهمات التي سيقدمها البرلمان قريبا في إعادة بناء مصر، من خلال صياغة قوانين جديدة تهدف إلى تعزيز مسار الدولة نحو التنمية والازدهار، بجانب مراقبة أداء الحكومة، وتمثيل مصالح الشعب”.
ورغم أن ذلك يبدو إيجابيا، لكن حدوثه أمر غير محتمل.
الرئيس المصري عبر في وقت سابق عن رؤية شبيهة نوعا ما بالحقبة الساداتية بشأن وظيفة الأحزاب السياسية والبرلمانات.
مثل السادات، الذي سمح عام 1976 بمنصات داخل ما يسمى “الاتحاد الاشتراكي العربي”، والتي أصبحت فيما بعد أحزابا، يؤمن السيسي في مجلس تشريعي يمتلك نوابه مسؤولية دعم الحكومة كمعارضة مخلصة.
لقد دعا السيسي إلى قائمة انتخابية موحدة “تسمو على الحزبية ضيقة الأفق والمصالح الشخصية، وتحقق المصالح الوطنية العليا”.
وعبر تلك الرؤية، من الصعب تصور التجسيد الساطع للسيسي بشأن الدور المقبل للبرلمان، في ظل حقيقة أن هؤلاء الذين تجرأوا واعترضوا على نوعية السياسة المصرية، بينهم صحفيون يسعون من أجل الحقيقة، ويمارسون أداء وظيفتهم، زج بهم في السجون بشكل عشوائي.
خطوة السيسي بالإفراج عن 100 شخصا عشية زيارته لنيويورك لحضور فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت شيئا محمودا، ولكن ماذا عن عشرات الآلاف الآخرين؟
يقيني أن المصريين، أصحاب وجهة نظر معينة، والذين سيقرأون مقالي سيتهموني بالتعاطف مع الإخوان المسلمين.
ولكن دعوكم من الإخوان، لماذا زج بأشخاص أمثال علاء عبد الفتاح وأحمد ماهر وإسراء الطويل ومن على شاكلتهم داخل السجون، بل ينظر إليهم بشكل خاطئ، بأنهم إخوان؟
لماذا لاذ مصريون آخرون، لا ينتمون للإخوان الذين يمتلكون مصالح تجارية في إسطنبول ولندن، بالفرار من مصر خوفا من الاعتقال؟
لا يوجد سبب إذن لأن تهتم القيادة المصرية بحكومة تمثل الشعب.
لقد اختتم مقال السيسي قائلا إن الأوقات الانتقالية تتسم بالصعوبة. بالفعل هي كذلك، ومعظمها ينتهي بالفشل.
من المحتمل أن تكون مصر في وضع أفضل سياسيا واقتصاديا واجتماعيا إذا سعى هؤلاء الذين يتقلدون السلطة حقا إلى حماية الثورة بدلا من مجرد إعلان قراء وول ستريت جورنال رغم أن معظمهم لديه في أحسن الأحوال، اهتمام عابر، بما يحدث في مصر.