كتبه: آفي بنياهو: محلل سياسي إسرائيلي والمتحدث الأسبق باسم جيش الاحتلال
يبدو قرار الاتحاد الأوربي باستهداف المنتجات المصنعة في المستوطنات خلف الخط الأخضر تصعيدا في محاولة لنزع الشرعية عن إسرائيل. القرار الذي تحرك بضغط من القوى المؤثرة هدفه إجبار إسرائيل على التخلي عن تلك الأراضي. هناك شك أن مثل تلك الخطوة قد تؤتي ثمارها (ليس بسبب أي تدخل من جانبنا)، لكن على الحكومة التعامل مع هذه المسألة بشكل جدي.
فإلى جانب تصاعد الإرهاب الإسلامي والمشروع النووي الإيراني، يجب إدراج شبح المقاطعة بين المخاطر الثلاث الرئيسية التي تهدد أمن إسرائيل. وعلى الرغم من الخطر المُحدق، إلا أن إسرائيل لم تستجب بالشكل الكافي حتى الآن مع هذه المسألة.
فرئيس الوزراء مشغول جدًا، فيما أصبحت وزارة الخارجية تحت قيادته مقسمة إلى إدارات مختلفة، بعد أن أصبح أدائها مثيرا للاكتئاب والإحباط. فيما أصبح جلعاد أردان، الوزير المسئول عن مكافحة المقاطعة ونزع الشرعية وفرض العقوبات، مشغولا جدًا في محاولته ليصبح رئيسًا للشرطة.
فإن لم توحد إسرائيل مجهودها وتضع هذه القضية على قمة جدول أعمالها الوزارية، سوف تجد نفسها على شفا مُنحدر يُفضي بها في النهاية إلى حالة من العزلة نتيجة مقاطعة لم يسبق لها المثيل. بل أن الأمر سيمتد ليشمل الرياضة، الثقافة، المجال الأكاديمي، الطب، العلوم والمجالات الأخرى. فلو امتد الأمر إلى أبعد من حدود الخط الأخطر ووصل لتل أبيب، سنكون قد تأخرنا جدًا.
ما الذي ينبغي على إسرائيل القيام به إذن؟ كيف يجب أن تكون رسالة إسرائيل للعالم؟ كيف ستهيأ إسرائيل السفارات والبعثات الدبلومسية حول العالم لهذا الأمر؟ في رأيي، هناك طريقة واحدة فقط- تجديد حقيقي وصادق للمفاوضات مع الفلسطينيين.
أعلم أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليست لديه القوة الكافية، وأن يفضل التمتع بمزايا كونه رئيسًا لدولة دون أن يتحمل مسئولية أن يكون فعلًا رئيسًا لدولة. أعرف أيضًا أنه من الصعب لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التصرف في حين أنه يرأس ائتلافا يمينيا. كما أعلم أيضًا أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري لن يمارسا أي ضغوط. لقد استسلما، ولا يجب أن نتوقع الكثير من الدعم من الولايات المتحدة في العامين القادمين. وليس قبل عام على الأقل حتى يضع الرئيس الأمريكي الجديد وإدارته هيكل سياسة الشرق الأوسط.
ومع ذلك، لا يجب أن تقف حكومة إسرائيل مكتوفة الأيدي أمام هذه العوائق. بل يجب أن تبدأ في اتخاذ موقف سريعًا، موقف ما مِن شأنه أن يوقف تدهور مكانتها الدولية ويقطع الطريق على حالة المقاطعة والعزلة. يجب استئناف المحادثات، ويجب أن تكون هذه المحادثات صادقة وصريحة. كما يجب تقديم خطة للسنوات القادمة مِن شأنها أن تضع خارطة طريق لإرساء حل تدريجي، كل ذلك يجب أن يتم بحذر.
ولأن البلدان مِن حولنا تنهار، وتناضل بقوة لحفظ حد أدنى من النظام والقانون، فالفرصة سانحة لإسرائيل الآن. في المستقبل القريب، وعلى الرغم من خطر تصاعد الإرهاب، إلا أنه لا يوجد دولة عربية بعينها تشكل خطرًا وجوديًا على إسرائيل. وهذا هو السبب في أن الحكومة الإسرائيلية من منطلق قوتها يمكن أن تأخذ زمام المبادرة بشكل جدي للوصول لحل وسط. يمكن التصرف من منطلق الإيمان العميق بأن نتنياهو لديه واجب تجاه شباب هذه المنطقة- يهود وفلسطينين وعرب- آملين في مستقبل أفضل، دون دم وعرق ودموع. لكن مع مَن يستطيع نتنياهو القيام بهذا؟
عبد الفتاح السيسي هو الهدية المميزة من شعب مصر إلى إسرائيل. نحن نتحدث عن قائد يستحق الثقة حيث أن مشروعاته هي السلطة، القوة والثقة. فقد كرس كل قواه لتعزيز الاقتصاد المصري والبنية التحتية كما يتضح من مشروع قناة السويس الجديدة، فضلا عن اكتشاف احتياطي الغاز الطبيعي.
كما أن السيسي تعهد بشن حرب لا هوادة فيها على الإرهاب الإسلامي الذي وجه ضربة قاسمة لصناعة السياحة في مصر، وإن كانت معارضته لإيران ومصالحها في المنطقة تتسم بالإتزان.
لا يمكن لحماس الآن أن تفعل شيئا سوى أن تتحسر على الأيام التي كان فيها محمد مرسي في الحكم. يمكننا حتى القول بقلب مطمئن أن الإسلاميين في غزة يتمنون عودة مبارك وعمر سليمان اللذين تركا حماس تنمو بهدف خلق توازن بينها وبين الإخوان المسلمين في مصر.
الآن، أعطى السيسي ظهره لحماس. فمن خلال إغراق الأنفاق بين غزة وسيناء، أصبح من الصعب على المنظمات تهريب الأسلحة من وإلى قطاع غزة.
في خلال الحرب الإسرائيلية على غزة في 2014، تصرفت إسرائيل بحكمة، بالتنسيق مع كيري، عندما سمحا للسيسي بإحكام قبضته على الرئاسة، فمن مصلحة إسرائيل ترك مصر تنمو اقتصاديًا ليس بوصفها عضوًا في معاهدة السلام فقط، بل أيضًا لمحاربتها الإرهاب والتسلح النووي الإيراني.
في عطلة عيد العرش، وكما يتضح من تعليق نتنياهو على وضع إسرائيل من منزله في شارع بلفور في القدس أو مسكنه الخاص في قيسارية، في النهاية سيكون نتنياهو مضطرًا للتعامل مع، ليس فقط عودة روسيا للشرق الأوسط ولقائه بالرئيس الأمريكي في واشنطن، لكن سيكون عليه أيضًا التعامل مع خطاب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وبصرف النظر عن شيمون بيريز، نتنياهو هو رجل إسرائيل الأطول خدمة والأكثر قدرة لتعوّل عليه إسرائيل. وبالإضافة إلى المخاوف التي يحملها على عاتقه، لديه ثروة من الخبرات التي تمكنه من التصرف. يتراءى لي أن نتنياهو يمكنه أن يجد في الملك عبد الله ملك الأردن والرئيس عبد الفتاح السيسي شريكين جيدين لتجديد وتعزيز العملية السياسية التي من الممكن أن تسفر في نهاية المطاف عن وضع حد للصراع.
فإذا تقدم نتنياهو بخطابه للأمم المتحدة بعد التنسيق مع السيسي والملك عبد الله من خلال وضع خطط مستقبلية، يمكن أن تستعيد إسرائيل مكانتها الصحيحة على الساحة الدولية. قد لا تكون إسرائيل منارة للأمم لكنها ستكون سائرة على الطريق الصحيح.