“أنا بحاجة للأمل”، غردت نسمة العزيبي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، من منزلها في عدن، خلال فترة هدوء قصيرة في القتال في اليمن.
وتضيف العزيبي قائلة خلال مقابلة مقضبة عبر “سكايب” القصف اليومي على المدينة الساحلية للتحالف المعادي للمتمردين بقيادة السعوديين، بالإضافة الى الثوار الحوثيين ذاتهم، قاموا “بتدمير الكثير من الأشياء، خصوصاً في حارتي”، حسب تقرير نشرته قناة “i24news ” الإسرائيلية.
العزيبي، طالبة في مجال الهندسة المدنية، وغيرها في اليمن تحدثوا حول الحياة اليومية في خضم الحرب الأهلية المستمرة منذ 5 أشهر.
“حياتنا اليومية؟ ليس لدينا ملاجئ للاحتماء من القنابل، لا صفارات انذار تحذرنا من الغارات الجوية. نحن نختبئ في بيوتنا، في القبو، في المجارير”، يقول هشام العميسي، من سكان العاصمة صنعاء.
الحرب أدت الى مقتل 4900 يمني على الأقل، المئات منهم من المدنيين. لكن نادراً ما يتم الإعلان عن الوفيات المدنية من قبل التحالف بقيادة السعودية. كما قالها المتحدث باسم التحالف الجنرال احمد العسيري بشكل فظ: “لماذا علينا ان نعترف بأمر لم يحصل؟” بعد ان سئل من قبل الصحافيين فيما إذا أدت الغارات الى مقتل مدنيين.
التحالف المكون من 9 دول بقيادة السعودية أقيم في شهر مارس/اذار من أجل الإطاحة بالحوثيين المدعومين من قبل إيران وإعادة الحكومة المدعومة من قبل الغرب التي أطاحوا بها, لكن هل يدعم اليمنيون أنفسهم هذا التحالف وهل هم حقاً رهائن يحتجزهم الحوثيون كما يدعي السعوديون؟
قال العميسي ان سكان العاصمة، التي يدعي السعوديون بأنهم يريدون تحريرها من قبضة الحوثيين، هم بالأساس من الحوثيين, “لذا عندما يقول السعوديون بأنهم يريدون تحرير صنعاء من الحوثيين، فهم يريدون القضاء على صنعاء بحد ذاتها”. حسب قوله.
ويضيف العميسي ان الحوثيين جاءوا الى صنعاء “على موجة من عدم الرضا”، وعندما سيطروا على العاصمة، قال السكان “دعونا نرى ماذا سيفعلون من أجلنا”, لكنه يضيف ان الأمل بأن يقوم الحوثيون بتحسين جودة الحياة قد تلاشى بسرعة, “الوضع أصبح أكثر سوءاً. لا يوجد كهرباء، لا غاز، بالكاد يوجد وقود يكفي لضخ المياه ومخزونات الغذاء تفرغ بسرعة”.
سكان صنعاء “يختنقون” أيضاً من الحصار المفروض على اليمن من قبل السعودية، حسب العميسي. المستشفيات في العاصمة لم تعد تملك أدوية تنقذ الحياة ولا تملك وقودا كافيا لمولدات الكهرباء. الأجانب الذين عملوا كأطباء وممرضات فروا.
“ذهبوا للبحث عن مقاتلين جرحى لقتلهم”
تقول العزيبي إن الحوثيين في عدن حاولوا إغلاق المستشفيات عندما سيطروا على المدينة، من ضمنها مستشفى “الجمهورية” في حي “خور مكسر” الذي عملت فيه صديقتها سلوى كممرضة متطوعة. “في اليوم الذي سيطرت فيه ميليشيات الحوثيين على الحي، دخلوا المستشفى وطردوا جميع الموجودين فيه خلال بحثهم عن مقاتلين جرحى لقتلهم”.
سلوى هي واحدة من العديد من نساء عدن اللواتي تطوعن لتغطية نقص العاملين في مجال الصحة في المدينة. “بقوا هناك لأيام، عاشوا في المستشفيات، تاركين عائلاتهم وأحبائهم في المنزل، لكي يكونوا هناك لمعالجة المصابين”.
“النساء لا يساعدن فقط في المستشفيات، وإنما يقمن بإعداد الطعام للمقاتلين، بالإضافة الى المساعدة على تنظيف المدينة”. وتضيف العزيبي: “عمتي كانت تحضر وجبات إضافية كل صباح للمقاتلين المحليين ضد الحوثيين، بالرغم من انه لم نملك الكثير لنعطيه، لكنها كانت مصممة على مالعطاء قدر مستطاعها”.
“الأطفال يستيقظون وهم يصرخون بسبب الكوابيس”
في صنعاء، كشف القتال عن قانون القبيلة ونظرته للعنف. “حصلت على مسدس في جيل 12 ورشاش في سن الـ 16، من والدي الذي يعتبر غربياً أكثر من غيره”، يقول العميسي.
الأطفال هم الضحايا الأساسيين للحرب. أدت الحرب الى إغلاق جميع المدراس في البلاد. هؤلاء الذين فاق سنهم الخامسة عشر يشاركون في القتال، البقية يبقون في المنزل مع امهاتهم، بحسب العميسي.
لقد شاهدوا الطرفين يستهدفون المنازل، دور الأيتام، ملاعب رياضية، مستشفيات وبنى تحتية مدنية أخرى.
مارك كاي، المدير الإعلامي المؤقت وعضو قوة الطوارئ للإنقاذ لمنظمة “أنقذوا الأطفال” في اليمن، كرر اتهامات العميسي. “المنظمة تشاهد صفة العشوائية للحرب. البنى التحتية المدنية يتم تدميرها من قبل الطرفين، حيث يتم استهداف المدارس، المستشفيات وحتى معامل تنقية المياه”، يقول لقناة i24news.
10 ملايين طفل على الأقل يعتمدون على المساعدات الإنسانية الأجنبية من أجل البقاء على قيد الحياة. نسب سوء التغذية تصاعدت بنسبة 150% وفي بعض الأماكن وصلت الى 300%، بحسب كاي.
“الأطفال لا يأكلون بما فيه الكفاية ولذلك يصابون بالمرض. لكن لا توجد عيادات طبية لمعالجتهم. 25% من الأطباء في البلاد قبل الأزمة كانوا أجانب، والان جميعهم تركوا البلاد”.
التأثير السيكولوجي للحرب على الأطفال هائل. “أمضى الأطفال الأشهر الخمسة الماضية وهم يشاهدون القصف، يرون منازلهم تدمر ويفقدون أصدقاءهم وعائلاتهم. نرى أطفالاً ينغلقون أكثر عن العالم، عصبيين أكثر، وينظرون نحو السماء بصمت كلما سمعوا صوت طائرة”. الفتيان صاروا يعانون من ظاهرة التبول اللارادي في أسرتهم. بعضهم يستيقظون خلال الليل وهم يصرخون بسبب الكوابيس”.
منظمة “أنقذوا الأطفال” تدير عددا من المناطق “امنة للأطفال”، يقول كاي لقناة i24news، يفر الأطفال اليها من فظائع الحرب، حيث يمكنهم لعب كرة القدم والحصول على علاج نفسي واجتماعي من متطوعين.
“السعوديون المنتقمون يدمرون ميراثنا”
والحياة اليومية مستمرة، يقول كاي وهو يضحك متذكراً سماع انفجارات واستيعابه انها مجرد ألعاب نارية أطلقت خلال حفل زفاف في الحارة. “بكل بساطة ستستمر بحياتك. السكان يأملون بالأفضل، لأن الأمور خارجة عن سيطرتنا لذلك نقوم بالصلاة فقط”.
الحوثيون والسعوديون لا يقومون فقط باستهداف البنى التحتية المدنية وإنما المواقع الأثرية في اليمن، التي هي موضع فخر بالنسبة لليمنيين. في الواقع، في حين ان السعودية تأمل ان ينقلب الشعب اليمني على الحوثيين، فإن الكثير منهم انقلب على السعوديين. السعودية تتصرف مثل “الناقمة، تدمر حضارتنا وتراثنا. فهم أسوأ من الحوثيين”، يقول العميسي.
وماذا بالنسبة لمغادرة هذا المكان؟ “هؤلاء القادرون على ذلك غادروا بالفعل”، يقول العميسي. المخرج الوحيد من اليمن هو عبر العاصمة الأردنية عمان، وهذا سيكلف العائلة الواحدة نحو 5000 دولار. لكن 70% من اليمنيين عاطلين عن العمل، وغير قادرين على تحمل التكلفة.
بالنسبة للعزيبي وآخرين من سكان عدن، “هنالك دمار هائل، لكن هذا الأمر جعل الناس أشد تصميماً من أي وقت مضى على إعادة عدن الى ما كانت عليه في الماضي”.