تسببت التصريحات التي أدلى بها الكاتب الصحفي المصري محمد حسنين هيكل، (الذي يعده مراقبون “عراب الانقلاب”)، حول “صدمة رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي من حجم ما تواجهه مصر من مشكلات، في غضب إعلاميين مؤيدين للسيسي، وردودهم العنيفة عليه، فيما يشبه “الانقلاب” على هيكل نفسه، الذي كان إلى ما قبل تلك التصريحات، كأنه “مقدس” لديهم بحسب “النهار” اللبنانية.
وقالت الصحيفة :كان هيكل أسهم بشكل كبير في تلميع السيسي لدى الرأي العام، باعتباره “رئيس الضرورة”، مشددا على أنه ليس في حاجة إلى برنامج أو رؤية في قيادة مصر، وأن الرؤية والبرنامج هو مشكلاتها، لكنه عاد وانتقد السيسي في تصريحاته الأخيرة، وقال إن السيسي “كانت عنده تصورات حالمة، لكنه مصدوم من حجم المشكلات والتحديات التي تواجه البلد”.
مصر تائهة
وحذر – في حوار له مع نخبة من تلاميذه في أثناء احتفالهم ببلوغه عامه الـ93، الأحد الماضي -من غياب الرؤية في حكم البلاد، محذرا من أن مصر تائهة، و”تعيش في حالة من الصراع والتفتت والتفكك الداخلي”، قائلا: “الوضع معقد جدا لأن الحقائق تائهة”، وفق تعبيره.
واضافت الصحيفة : جاءت أعنف تعليق على تصريحات هيكل من الكاتبة الصحفية، لميس جابر، التي طالبت – في حوارها عبر برنامج “حصريا مع ممتاز” على فضائية “العاصمة”- “هيكل”، بأن يهدئ من روعه، وأن لا يقلق على مصر.
وقالت : “والله أنا مش عايزاه يقلق نفسه على مصر خالص.. وينام، ويتغطى، ويأخذ مهدئا.. والله عاجبنا.. “بتتفتت بتتدشدش” (تقصد مصر).. كفاية.. ما لوش (ليس له) دعوة”.
ووصفت “هيكل” بأنه أسهم في إفساد الحياة خلال ستينيات القرن الماضي، مستطردة: “كتر خيره.. سود عيشتنا في الستينيات.. ومن 25 يناير طلع، وقاعد يعك”.
وأضافت أن “هيكل” حاول مرارا وتكرارا التقرب من “الرئيس عبد الفتاح السيسي” لكنه فشل، ذلك أن دوره انتهى بالنسبة لـ”السيسي”، ولا يحتاجه، وفق قولها.
لا يفهم في السياسة
الإعلامي تامر أمين، المعروف بأنه أحد أبرز الأذرع الإعلامية للسيسي، قال إن الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل بنظريته “الملعونة” دمر المجتمع المصري، وتسبب في قلب الأوضاع في مصر، وجعل العلماء ليس لهم مكان بالدولة.
وشدد أمين على أن “هيكل”، على المستوى السياسي،”لا بيفهم، ولا يعرف حاجة “.
وأضاف – في تقديمه برنامجه “من الآخر” على فضائية “روتانا مصرية” – أن “هيكل” كان دائما ينصح الحكام منذ عهد عبد الناصر بالإعتماد على “أهل الثقة” دون أهل الكفاءة، وذلك لضمان ولاء أهل الثقة حتى وإن كانوا جهلاء، على حد قوله.
هل انقلب “هيكل” على “السيسي”؟
من جهته، اتهم محمد شعبان، في جريدة “البوابة”، تحت التساؤل السابق، هيكل بأن الدوحة تستعين به لإعادة الإخوان للمشهد المصري، واصفا تصريحات هيكل بأنها بمثابة “سقوط “الأسد العجوز” في “الأحضان القطرية” من جديد، وبأنه روج لوجود علاقة خاصة بينه وبين السيسي، ليستعيد حلم الاقتراب من السلطة مرة أخرى.
ووقف الكاتب عند مقولة هيكل: “لا تستطيع أن تستعيد سلطة جمال عبد الناصر بسياسات إسماعيل صدقى”، متسائلا: ما هو أصلا وجه الشبه الذى يراه هيكل بين سياسة عبد الناصر وسياسة السيسي؟.
شعبان أجاب: الحقيقة أن السيسي ليس عبد الناصر، ولا سياسته مثل سياسة عبد الناصر، لكن الجميع يعلم جيدا أن هيكل وتلاميذه هم من روجوا لفكرة أن السيسي ناصر جديد، وقالوا ذلك قبل وأثناء ترشحه للرئاسة ليحجزوا لأنفسهم مقعدا في “المقصورة الرئاسية”، لكن هذه الجملة تقول لنا إن عقل الأستاذ وأدواته التحليلية، وقفت عند تجربة عبد الناصر والسادات.
وأضاف: “من يصدمه الواقع، ويُطلب منه أن يتجاوز الصدمة ليس حالما بل موهوما، فالشخص الحالم يتجاوز الصعاب، ويذللها، فهل يا ترى فقد الأستاذ ملكته اللغوية أم أنه أراد أن يقول إن السيسي موهوم، واستخدم كلمة حالم لتمر الجملة!.
وتابع: “من قال لهيكل إن مصر تركت سوريا؟ ألم يستمع تصريحات الرئيس السوري في حواره مع فضائية المنار، التي قال فيها إن هناك تنسيقا أمنيا مع مصر، ألم يسمع عن زيارة الوفد السوري رفيع المستوى إلى القاهرة، والاستعداد لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق والقاهرة، ألم تبلغه أنباء رفض مصر بشكل قاطع أي تدخل عسكري في سوريا، ودعم القاهرة للحل السياسي.
ورأى الكاتب أن عبارة هيكل: “لو استمر التفكك في الجبهة الداخلية فمصر مقبلة على كارثة”، هي الجملة نفسها التي ترددها جماعة الإخوان، بل هى صياغة أخرى لتصريح خالد العطية وزير خارجية قطر في أغسطس الماضي، عندما دعا لما سماه وساطة قطرية لعودة الإخوان للمشهد السياسي، وإلا فماذا يقصد هيكل بتفكك الجبهة الداخلية، في الوقت الذي سارعت فيه كل القوى والتيارات، ولو بنسب مختلفة للمشاركة في انتخابات البرلمان القادم؟.
نقطة أخرى ينبغى الإشارة إليها -وفق محمد شعبان- لأنها تؤكد بوضوح تام أن دور هيكل الجديد هو استخدامه كورقة قطرية أخيرة لإعادة الإخوان إلى المشهد المصري عبر أكذوبة المصالحة، على حد تعبيره.
واختتم الكاتب مقاله بالقول: “قطر يستحيل أن تترك حلفاءها الإخوان في هذا الوضع المزري، فعرضت الوساطة، ورفضتها مصر، فبدأت الدوحة تستخدم أبرز أوراقها في القاهرة، وهو هيكل، فمهد أولا بأن الإخوان لهم مستقبل، وعندما لم يلتفت أحد إلى كلامه استخدم طريقة رسم مستقبل مظلم، وتحدث عن التفكك، والكارثة التى تنتظر البلاد، حتى يفتح حوارا مع النظام فينصح بعودة الإخوان، وفق قوله.
صدمة السيسي
من جهتها، تساءلت صحيفة “المقال” التي يرأس تحريرها الإعلامي إبراهيم عيسى، في عددها الصادرأمس الأحد: لماذا تُعتبر التصريحات الأخيرة لهيكل صادمة، ومختلفة؟ وكيف يكون السيسي مصدوما من أزمات مصر، وهو الذي كان مديرا للمخابرات، ووزيرا للدفاع؟ وهل يمكن أن تتجاوز السلطة مرحلة الاستماع، والإنصات إلى الاستجابة، والتنفيذ؟.
وأضافت الصحيفة: “اللافت هنا، وهو صادم كذلك، أن هذا يأتي على لسان من أعلن أن السيسي “مرشح الضرورة” بحسب تعبيرات هيكل منذ أكثر من عام، ونصف العام”.
واستدركت: “هيكل رجل قريب من دوائر الحكم الحالية بل ويعد من الناصحين لها، ومع ذلك فهو يقول إنه يتمنى “أن يكون هناك أحد يخطط ويفكر”! بل ويذهب إلى ما هو أبعد بإشارة شديدة الذكاء والدلالة، وبقوله إنه “لا تستطيع أن تستعيد سلطة عبد الناصر بسياسات إسماعيل صدقي”، وهي السياسات التي شهدت في عهد صدقي تغولا أمنيا وبوليسيا، واستبدادا وعصفا بالآراء الأخرى، وأزمات اقتصادية حادة، وتزويرا للانتخابات، وتعطيلا للحياة البرلمانية، بل واستبدالا لدستور 1923 بدستور 1930 قبل أن يتم إسقاطه”.
وتابعت “المقال”: “كل هذا يجري مثله تماما الآن حتى وإن اختلفت الأشكال والأدوات، وفي ظل غياب حقيقي لما ميز عصر عبد الناصر على الأقل في مجالات العدالة الاجتماعية، والمشروع النهضوي، والاستقلال الوطني”.
واختتمت قائلة: “هيكل يقول في حديثه إن “السيسي مستعد لأن يسمع، وينصت، ويتفهم”، ورغم أن هذا لا يبدو كافيا، فما بعد الاستماع والإنصات والتفهم لابد أن يكون التحرك، واتخاذ الخطوات، والإجراءات، ولكن هذا لا يحدث.. لكن حتى في حدود السماع، والإنصات، فالسؤال هنا موجه للأستاذ هيكل: ألم يسمع منك الرئيس هذا الكلام؟ وإذا كان سمعه فلماذا لم نشهد ما يدل على سماعه له، أو إدراكه حقائقه؟ وإذا لم يكن سمعه.. ألم يقرأه بعد نشره؟