أصدر “مركز الخليج للدراسات لسياسات التنمية” تقريره البحثي السنوي “الثابت والمتحول 2015” الخليج والآخر”، ومقره الكويت، مركزا تقريره لهذا العام عن الخلل الأمني والسياسي الذي تعانيه دول مجلس التعاون الخليجي. المركز أسهب عن مواطن الخلل الأمني والسياسي في السلوك الرسمي لدولة الإمارات كاشفا الكثير من الحقائق ذات الصلة.
توصيف عام
يقول التقرير، استمرت دولة الإمارات على نهج ما بعد الانتفاضات العربية، والتي تميّزت الإمارات خلالها بسياسة خارجية نشطة.
وأضاف التقرير: شهدنا “تدخّل الإمارات عسكرياً في ليبيا عبر تحالفها مع نظام عبد الفتاح السيسي في مصر، وفي سوريا ضمن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد تنظيم داعش، وفي اليمن من خلال عملية “عاصفة الحزم” إلى جانب المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى”.
أما فيما يتعلّق بالمشهد الداخلي، يؤكد التقرير “لا تزال الدولة مهتمة، في الدرجة الأولى بالتركيز على رفاهية المواطنين دون الالتفات إلى الملفات الحقوقية والسياسية التي تنظر إليها بنظرة أمنية عموماً.
وبحسب المنطق الأمني الذي تقارب به الملفات الحقوقية، كما هي الحال في معظم دول المنطقة، فقد شهد عام 2014 تضييقاً على الحقوقيين وتشريعاً يجرم “الإرهاب” وصفه البعض بأنه فضفاض، ويقلص مساحة تحرك الحقوقيين”.
السياسة الداخلية
على الصعيد الأمني، رحّلت السلطات 500 عائلة لبنانية، وأُعطِيَ المرحَّلون مهلة 48 ساعة للمغادرة، ولم تعطِ الحكومة الإماراتية أسباباً لطرد هؤلاء. ويذكر أن هذه ليست الحادثة الأولى من نوعها. إذ تم طرد لبنانيين في السابق أيضاً. وعلى الرغم من أن لهذه القرارات علاقة بالتطورات الإقليمية وخاصة في لبنان، إلا أن التفاصيل ليست واضحة نظرًا إلى الغموض والتعتيم الإعلامي على هذه القرارات.
وحول جريمة “الريم” يكشف التقرير “صُورت الحادثة كاستجابة لنداء داعش باستهداف المدنيين الأجانب. لكن هذه التكهنات الإعلامية لم تثبت لعدم توافر المعلومات حول دوافع عملية القتل”. وهذا يخالف تماما ادعاءات النيابة والمحكمة والإعلام الذي صور الجريمة كأنها جريمة سياسية في حين أن الشواهد تشير إلى الطابع الجنائي البحت فيها.
الإصلاح السياسي
يقول التقرير، “لم يشهد عام 2014 أي تطور على صعيد الإصلاحات السياسية، كالتدرج في انتخابات المجلس الوطني الاتحادي أو منحه صلاحيات سواء على مستوى انتخاب كافة أعضائه أو على مستوى الرقابة والتشريع. ويعتبر المجلس السلطة التشريعية للاتحاد، إلا أن صلاحياته لا تزال استشارية”.
وأشار التقرير إلى عريضة الثالث من مارس بشأن المطالبة بتطوير تجربة المجلس الوطني، قائلا، “وقد رفضت الحكومة العريضة وتم اعتقال عدد من الناشطين على خلفية توقيعهم عليها”.
حرية الرأي والتعبير
ويستطرد التقرير البحثي، “في 2014، شهدت السياسة الداخلية توتراً بين النشطاء والحكومة فقد اعتقل جهاز الأمن المدون أسامة النجار وفق قانون جرائم الإنترنت، وحُكم عليه بالسجن لثلاث سنوات وتغريمه نصف مليون درهم، بعد أن وجهت إليه المحكمة تهمًا بـ “الإضرار بسمعة مؤسسات الإمارات” و”التواصل مع المنظمات الخارجية لتقديم معلومات مضللة،” وذلك على خلفية تغريدة كتبها دفاعًا عن والده حسين النجار الذي يقضي حكمًا بالسجن 10 سنوات بعد إدانته في قضية الإماراتيين الـ 94. وهو القانون نفسه الذي حوكم بموجبه المعتقل وليد الشحي قبل عامين، والمعتقلان عثمان الشحي وخليفة ربيعة في 10 مارس 2014″.
ومع بداية 2015، توسعت دائرة الاعتقالات في صفوف أهالي المعتقلين لتطال ثلاث شقيقات للمعتقل عيسى السويدي الذي أُدين في قضية الـ 94 أيضاً. وقالت منظمة العفو الدولية إن النساء الثلاث اللاتي احتجزن وعُزلن عن العالم الخارجي كنّ عرضة لخطر التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة.
وشهدت هذه الفترة أيضاً اعتقال عدد من الشباب الإماراتيين وبعض المواطنين العرب والخليجيين. فاعتُقل رجل الأعمال التركي من أصول فلسطينية، عامر الشوا، من دون توجيه تهم إليه، وتم الإفراج عنه وترحيله إلى تركيا بعد أن قضى 135 يوماً في المعتقل. كما اعتُقل عشرة مواطنين ليبيين وثلاثة قطريين وكاتب عماني، إلا أن الغموض طغى على تفاصيل هذه الاعتقالات.
وفي فبراير 2014، فُصل 8 طلاب كويتيين من جامعتي الشارقة وعجمان. وتردّد أن سبب فصلهم يعود إلى انتمائهم لتيار سياسي، بينما نقلت وكالة الأنباء الإماراتية (وام) عن مصدر مسؤول في وزارة التعليم العالي أنهم فُصلوا لمخالفتهم للأنظمة والقوانين عبر تشكيل إتحاد طلابي من دون تصريح من إدارتي الجامعة، وجمع تبرعات وعقد اجتماعات غير مشروعة في السكن الجامعي.
قانون الإرهاب
يتابع التقرير، أصدر رئيس دولة الإمارات قانوناً اتحادياً رقم 7 لسنة 2014 بشأن مكافحة الجرائم الإرهابية تضمن 70 مادة تصل العقوبة فيها حد الإعدام، ولاقى ترحيباً كبيراً في الصحف الرسمية والإعلام المحلي. ولا يتضمن القانون تعريفاً واضحاً للإرهاب، مما يفتح المجال أمام محاكمات فضفاضة.
ووفق قانون الإرهاب الإماراتي، يحاكم المتهمون أمام قضاء من درجة واحدة، الأمر الذي اعتبره كثير من الناشطين تطوراً خطيراً قد يستخدم ضد المدافعين عن حقوق الإنسان بعد قانون الجرائم الإلكترونية الذي طبق على عدد من الناشطين، حيث نشرت شبكة ايفكس، وهي شبكة عالمية للدفاع عن الحريات، بياناً لعدد من المنظمات الحقوقية أعربت فيه عن تخوفها من استخدام القانون ضد المدافعين عن حقوق الإنسان.
وأصدرت الحكومة الإماراتية قائمة الإرهاب الخاصة بها، وضمت أكثر من 80 منظمة إسلامية حول العالم، وعدة جمعيات خيرية إسلامية غربية بارزة ومنظمات مجتمع مدني من أشهرها جماعة الإخوان المسلمين والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ومنظمة كير الأمريكية وعدد من الروابط الإسلامية في الدول الأوروبية.
وقد عبرت بعض دول غربية عن قلقها من تداعيات هذا القانون، واعتبر بعض المراقبين أن إصدار القائمة جاء متسرّعاً ولم يدرس كفاية، ومدفوعاً بمواقف متشنجة من قبل السلطات الإماراتية ضد بعض المنظمات ذات التسمية الإسلامية وبعض المنظمات الحقوقية، خصوصاً أن القائمة ضمت منظمات تعتبرها بعض الحكومات الغربية شريكاً لها في محاربة “الإرهاب.”
ومن ضمن المنظمات التي أُدرجت على القائمة منظمة الكرامة الدولية غير الحكومية وجمعية الإصلاح الإماراتية.
السياسة الخارجية
يقول التقرير، “واصلت الإمارات دعم بعض الأطراف التي تأثرت بما يسمى بالربيع العربي خشية وصول الإسلاميين للحكم كما حدث في مصر وتونس. وتشير المؤشرات إلى الاستمرار على هذا المنوال، إذ أن نشاط الإمارات الخارجي ازداد، ولا سيما على الصعيد العسكري.
وأشار التقرير إلى أن الإمارات شاركت في السنوات الأخيرة، وحتى مايو 2015، في عمليات عسكرية في أفغانستان لنحو 11 عاماً، وفي سوريا ضمن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، وفي البحرين ضمن قوات “درع الجزيرة،” وفي ليبيا دعماً لأحد أطراف الصراع الداخلي بقيادة خليفة حفتر، وفي اليمن إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية والمدعوم من الولايات المتحدة في “عاصفة الحزم”.
حقوق العمالة الوافدة
يؤكد التقرير، “الاتهامات بانتهاك حقوق العمال لا تزال مستمرة، وتحدث تقريران لمنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس وتش عن انتهاكات في مشروع اللوفر وجامعة نيويورك في أبو ظبي”.
وفي حدث عمالي نادر نفّذ مئات العمال الأجانب، في شهر مارس 2015 إضراباً عن العمل، وتظاهروا في دبي، احتجاجاً على عدم دفع الشركة التي يعملون فيها أجورهم عن ساعات عمل إضافية رغم أن رواتبهم الأساسية متدنّية.
وجاءت ردة فعل السلطات خاطفة، إذ تم إرسال قوات الشغب إلى موقع المظاهرة، وأعلنت شرطة دبي أنها حلت الخلاف بين العمال ورب العمل من دون أن تحدد الإجراءات التي اتٌّخذت.
يذكر أن السلطات، في حوادث مشابهة سابقة، قامت إما بطرد العمال المضربين أو اتخاذ إجراءات ترغم رب العمل على النظر في شكاوى العمال.
تعقيب التقرير
وبعد استعراض ملامح السياسة الأمنية الداخلية والخارجية للإمارات قال التقرير، “الإمارات أصبحت ذات دور فاعل ومؤثر في الوطن العربي، بشكل يحاكي مصالح الدولة والقائمين عليها. أما داخلياً، فيبدو أن جميع المؤشرات، في المستقبل المنظور، تدل على استمرارية السياسة الأمنية ومواجهة المعارضة السياسية”.
المصدر : الإمارات 71