نشرت مجلة “نيوزويك” الأمريكية تقريرا حول الذرائع والمبررات التي دفعت الإمارات للتدخل العسكري في اليمن والثمن الذي دفعته جراء هذا التدخل إضافة إلى مناقشة هذه المبررات.
تقول المجلة، “خيارات الإمارات في اليمن لم تقتصر خسائر الدولة من مشاركتها في المعارك الدائرة باليمن على الخسائر المادية المباشرة المتمثلة في عدد الجنود القتلى أو التكلفة المادية العالية لهذه المشاركة، بل تعداها الأمر ليشمل تشويهاً كبيراً لسمعة الإمارات إثر تدخلها العسكري المحفوف بالمخاطر في اليمن”.
وتابع التقرير، تسبب هذا التدخل – غير محسوب العواقب – إلى تدمير جهود كبيرة بذلتها الإمارات على مدى العقد الماضي لخلق صورة إيجابية عن نفسها و تكريسها لتصبح دولة نموذجية فعالة يحتذى بها في المنطقة. و بالبحث عن جدوى وأهمية مشاركة الإمارات في العمليات العسكرية الدائرة في اليمن، فسنجد أجوبة جاهزة من حكام الدولة على مثل هذه الاستفسارات، يشمل هذا التقرير إيضاحاً لأسباب الحكام التي دفعتهم إلى زج الإمارات في هذه الحرب و الرد المنطقي عليها و كيف كان من الممكن على الإمارات تجاوز هذه المشاكل دون تكلفة الدخول في معارك برية خطيرة غير محسوبة العواقب في اليمن أو غيرها.
وتناقش المجلة الأمريكية المشاركة الإماراتية في اليمن قائلة، يثير قرار الإمارات بالتدخل العسكري في اليمن تساؤلات عديدة، فالدولة لا تمتلك حدوداً مباشرة مع اليمن على عكس المملكة العربية السعودية التي تمتلك حدوداً كبيرة مع اليمن تشكل تهديداً متواصلاً لأمنها القومي. أما بالنسبة للإمارات، فإن أقصى تهديد قد تسببه أي جماعة تسيطر على اليمن لا يتعدى احتمال استهداف الإمارات بصواريخ أرض – أرض (وهو ما لم يحدث حتى الآن في ظل التدخل المباشر من الإمارات). و حتى لو وصلت هذه الصواريخ إلى أراضي الإمارات، فإن إمكانياتها ضعيفة جداً و تفتقر إلى الدقة في إصابة أهدافها و تمتلك الإمارات في نفس الوقت منظومات دفاعية تكفي لصد هجمات هكذا صواريخ في أي وقت كان.
و بالنظر إلى باقي أهداف السعودية من هذه الحملة ضد الحوثيين في اليمن، فإن الإمارات لا تشاركها في أي منها، حيث تسعى السعودية إلى تأكيد دورها الريادي في العالم العربي الذي كانت قد بدأت في فقد أطرافه في الفترة السابقة، وتهدف إلى السيطرة على مجلس التعاون الخليجي على اعتبار أنها الدولة الأكبر ضمن أعضائه، و هذا ما لا تشارك الإمارات السعودية فيه بأي شيء خاصة أن المنافس الأول لأي دولة تسعى للحصول على هذا الدور هي السعودية نفسها صاحبة المشروع و الفكرة نفسها، فاحتمال منافستها أمر خيالي ناهيك عن جعل الدول المساعدة لها بمنزلة الدولة الثانية على الدوام.
و لكن من ناحية أخرى، فإن عملية التقييم الشامل للأمور قد يعطي الإمارات بعض الدوافع و الحوافز للمشاركة الفاعلة في العميات العسكرية في اليمن، حيث تشارك الإمارات السعودية مخاوفها حول مستقبل الحوثيين في اليمن. فكلا البلدين يدركان أن المساعدات الإيرانية للحوثيين في اليمن كانت محدودة بقدر كبير إذا ما قورنت بما حصل عليه الأسد في سوريا أو حزب الله في لبنان.
و هنا يكمن القلق السعودي – الإماراتي من مغبة تحويل اليمن إلى ثكنة تخضع للسيطرة الإيرانية بشكل أو بآخر، ما يعني استنساخ تجربة بيروت و بغداد ودمشق، و ما يشكل تهديداً قوياً على السعودية، ما يدفع السعودية لخوض حرب وقائية ناجحة بامتياز هناك، لكن ماذا عن الإمارات، هل التواجد الإيراني في اليمن يقلقها؟ ماذا عن الجزر المحتلة؟ هذه أسئلة يجب على حكام الدولة أن يجيبوها بتمعن و إنصاف، على حد تعبير المجلة.
بإمكان المتتبعين استنتاج هدف آخر من قيام الإمارات بالمشاركة في معارك اليمن، حيث تطمح الدولة إلى أن تعزز شراكتها الاستراتيجية مع السعودية، فحلفاء الإمارات الآخرين غير موثوقين سواءً أكانوا في أمريكا أو أوروبا و مع قرب الجار الإيراني من الإمارات فإن شراكة استراتيجية كهذه مع دولة كبيرة و ذات طموح يفيد في حفظ مصالح و حقوق الدولة و يحميها من اعتداءات خارجية محتملة، لكنه سيجعلها في الوقت نفسه جزءً من مخطط آخر للدولة الكبيرة تلك و في هذه الحالة فالدولة الكبيرة هي السعودية.
جل هذه الفوائد سيعتمد على ما يتم جنيه من الساحة اليمنية و نتائج المعركة فيها، فتكلفة الصراع هذا باتت عالية جداً على الدولة، فالإمارات أنفقت مليارات الدولارات خلال مشاركتها في المعارك في اليمن، و أرسلت العديد من الجنود إلى هناك و خسرت ما يقارب 54 جندياً إماراتياً ناهيك عن عدد آخر من الجرحى. و هو عدد يعد كبيراً في بلد لا يتجاوز عدد مواطنيه 1.5 مليون مواطن.
و لعل ما يزيد التكاليف على الإمارات، ما تسببت به وسائل الاعلام المقربة من الحوثيين، حيث قاموا بنشر صور لأطفال سقطوا في غارات شنتها طائرات التحالف على بعض المدن اليمنية، ناهيك عن الوضع الإنساني و الاجتماعي و الاقتصادي المتدهور الذي تعيشه اليمن منذ بدء عمليات التحالف، و هو ما تحاول الإمارات جاهدة تغطيته عبر إرسال كميات كبيرة من المساعدات، إلا أنها وفق مراقبين لا تفي بالغرض الأساسي في اليمن، و هو ما دفع واشنطن مؤخراً لإبداء استيائها من طول أمد العمليات العسكرية في اليمن و عدم التوصل إلى حلول منطقية سلمية بهدف تخفيف وطأة الصراع على المدنيين. و لعل هذا يعني بشكل أو بآخر بدء خسارة الإمارات و السعودية لحليف استراتيجي طالما وقف بجانبهما هو الولايات المتحدة و من يدور في محورها.
واشنطن نفسها عادت لتبدي قلقها من أن طول أمد المعارك في اليمن قد يتيح الفرصة لتنظيم القاعدة كي يلتقط أنفاسه و يستعيد نشاطه مجدداً و هو ما يعني إعادة تشكيل خطر جديد و عمليات إرهابية أكثر في المنطقة.
من جهتها تركز قيادة الإمارات على عدم إطالة أمد المعارك في اليمن، وعدم الانجرار إلى سيناريو فيتنامي جديد، حيث تدعي الإمارات أن الجهد العسكري ليس مفتوحاً على مصراعيه، بل يملك أهدافاً محددة و قابلة للتحقيق من ضمنها وضع عراقيل أمام القدرات العسكرية الحوثية و تعزيز قوة الرئيس اليمني للتفاوض مع المتمردين. وكلا الوسيلتين قد تساعدان على التوصل إلى تسوية سياسية عن طريق التفاوض.
و رغم جمالية هذه الاستراتيجة، فإن علينا أن نتذكر أن هذه الاستراتيجية هي نفس ما يتم اتباعه في سوريا منذ 4 سنوات و أكثر، و لعل الأمر يعتمد على ما تنوي إيران القيام به في اليمن أكثر مما تنوي دول السعودية والإمارات القيام به و هو ما يجعل خيارات هاتان الدولتان محدوة للغاية.
من جهتها تدرك ايران أنها نجحت في جر دول عربية إلى مستنقع اليمن دون أن تتكلف الكثير من النواحي المادية او العسكرية حتى، فالصراع في اليمن لا يزال طويلاً و لم ينتهي و تملك طهران بدائل أخرى عن اليمن يمكنها الاستفادة منها في حالة خسارة اليمن، لكنها ستكون بكل تأكيد قد نجحت في إرهاق الدول العربية و تحويل تركيزهم صوب نقطة أخرى لا تملك نفس الأهمية للإيرانيين.
و بالنسبة للإمارات فإنها تملك الكثير لتكسبه من قرار المشاركة في المعارك في اليمن، إلا أن هذه المكاسب ستذهب أدراج الرياح في حالة استمرار عودة المزيد من الجنود القتلى إلى الدولة، حيث سيصبح حكام أبوظبي ملزمين بوضع شرح تفصيلي لخطواتهم في اليمن و إلى أين تريد الدولة الوصول، و هو فعلاً ما بدأت أطياف الشعب الإماراتي بطلبه سواءً أكات داعمة للنظام بشكل كامل أومعارضة له، والاستنتاج لـمجلة “نيوزويك”.