قبل يوم من انعقاد القمة المرتقبة بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين وذلك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فإن وضع الرتوش النهائية على مستقبل الوضع السياسي في سوريا يهيمن على ملفات اللقاء المرتقب.
وبحسب ما نشرته صحيفة الحياة اللندنية فإن بوتين يحمل معه “وديعة” تتمثل بموافقة الرئيس بشار الأسد على تشكيل “حكومة وحدة وطنية” من الراغبين من المعارضة للتمهيد لانتخابات برلمانية قبل شهرين من موعد انعقادها في مايو المقبل، في وقت ذُكر أن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا طلب مشاركة ٢٥ ممثلاً للفصائل المسلحة في وفد المعارضة في اجتماعات مجموعات العمل الأربع، الذي يضم حوالى ٦٠ شخصاً.
وكان الأسد استبعد في ظهورين إعلاميين في يوليو وأغسطس الماضيين أي حل سياسي قبل القضاء على داعش غير أن بوتين أعلن من جهته استعداد دمشق لـتقاسم السلطة من المعارضة البناءة إضافة إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
واستمر الجدل أمس في شأن دور الأسد في المرحلة الانتقالية في بلاده، بعد تصريحات للمستشارة الألمانية أنغيلا مركل والرئيس التركي رجب طيب اردوغان رأى فيها بعضهم مرونة إزاء الرئيس السوري. لكن الناطق باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال قال إن الاجتماع الذي عقد في باريس بين وزير الخارجية لوران فابيوس ونظيريه البريطاني فيليب هاموند والألماني فرانك فالتر شتاينماير بحضور ممثلة الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية فيديريكا موغريني أظهر تطابقاً واسعاً حول الانتقال السياسي الذي يعد السبيل الوحيد للتوصل إلى حل الأزمة السورية
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمترى بيسكوف للإعلام المحلى، إن من الطبيعي أن الموضوع الأبرز سيكون سوريا مضيفا أن اللقاء سيستغرق ساعة تقريبا. وتابع أن الرئيسين سيتناولان النزاع فى أوكرانيا «إذا تبقى متسع من الوقت -وفق ما نقلته وكالة سوبتنيك الروسية-.
مبادرة بوتين تستدعي سيلاً من الأسئلة، حظها ليس أفضل من حظ مسودة الخطة التي طرحها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، قوى المعارضة في الائتلاف الوطني تحفظت على بعض بنود مسودة المبعوث الدولي والاممي للملف السوري حتى شكلت نوع من التحفظ والرفض الديبلوماسي للمسودة.
وكان بوتين اقترح في أواخر يونيو الماضي تشكيل تحالف عسكري كبير يستند جزئياً إلى قوات الأسد لمحاربة «داعش»، وبموازاة ذلك، كان وزير خارجيته سيرغي لافروف يحاول ترويج الفكرة لدى العواصم المؤثرة، فضلاً عن مختلف مجموعات المعارضة السورية، في حين بدأ المجمع الصناعي العسكري الروسي تسريع عملية تسليم الأسلحة إلى النظام في دمشق.
خلافات البلدين
وعبر الخبير الروسي فلاديمير يفسييف، العضو في أكاديمية العلوم الروسية، مدير مركز الدراسات الاجتماعية والسياسية، الذي قال في تقييمه لاستئناف الاتصالات الروسية – الأميركية عبر القنوات العسكرية: إن الحديث لا يدور حاليا حول تجاوز الخلافات بين موسكو وواشنطن في الجانب السياسي من الموضوع السوري، وأعرب عن اعتقاده أن الحديث حول مصير بشار الأسد سيكون في المرحلة التالية، وقد يبدأ بصورة واضحة بعد كلمة بوتين في الجمعية العمومية التي يتوقع أن يعرض فيها عن خطة لتسوية الأزمة السورية .
فى المقابل، أشار البيت الأبيض إلى أن المحادثات ستركز على أوكرانيا والتزام روسيا سحب قواتها من القسم الشرقي من البلاد. وتابع ايرنست أن الرئيس أوباما كان واضحا عندما أبدى استعدادا لرفع العقوبات عن موسكو حين تصبح روسيا مستعدة للالتزام بتطبيق اتفاقات مينسك للسلام التى بقيت حبرا على ورق -بحسب وكالة الصحافة الفرنسية-.
كما حثت واشنطن وحلفاؤها الغربيون موسكو على توضيح تعزيز وجودها العسكرى فى سوريا بما يشمل إقامة مطار عسكرى جنوب اللاذقية مع نشر عدة مقاتلات جوية ومروحيات قتالية وطائرات بدون طيار.
وحول عقد اللقاء رغم الخلافات بين البلدين بشأن سوريا وأوكرانيا، نقلت شبكة بى بى سى البريطانية، عن مسئول رفيع بإدارة أوباما، قوله إنه فى ظل الأوضاع في أوكرانيا وسوريا، وبالرغم من خلافاتنا العميقة مع موسكو، يرى الرئيس أن من عدم المسئولية ألا نبحث ما إذا كان بوسعنا تحقيق تقدم من خلال الانخراط مع الروس على مستوى رفيع.
وأوضح المسئول أن الهدف من الاجتماع من وجهة النظر الأمريكية هو ضمان التزام روسيا بشروط وقف إطلاق النار في أوكرانيا، والذي جرت المفاوضات بشأنه فى بيلاروسيا فى فبراير الماضي.
اللقاء الأول منذ 2013
وسيكون هذا اللقاء الرسمي الأول بين الرئيسين منذ لقائهما في يونيو 2013 على هامش قمة مجموعة الثماني في إيرلندا الشمالية.
ومنذ ذلك الحين، حالت قضية إدوارد سنودن والأزمة الأوكرانية دون عقد أي لقاء بين رئيسي الدولتين، وقد تحادثا هاتفيا مرات عدة وتبادلا بعض الكلمات على هامش اجتماعات مثل الذكرى السبعين لإنزال قوات الحلفاء في منطقة النورماندي (شمال غرب فرنسا) أثناء الحرب العالمية الثانية في السادس من يوني عام 2014.
من جانبه أعلن وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر أن الولايات المتحدة مستعدة للتعاون مع روسيا لمواجهة “داعش” وضمان انتقال سياسي في سوريا.
رحيل الأسد
وفي مؤتمر صحفي عقده في واشنطن مع نظيره الأوكراني ستيبان بولتوراك لم يستبعد كارتر إمكانية تطابق المصالح الأمريكية والروسية في سوريا، موضحا أن القاسم المشترك بين البلدين هو هزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” وضمان انتقال سياسي في سوريا “بعد (رحيل) نظام الأسد”، من شأنه الحفاظ على البلاد وإعادة إعمارها، على حد تعبيره.
واعتبر وزير الدفاع الأمريكي في هذا السياق أن السعي إلى القضاء على “داعش” دون انتقال السلطة في سوريا سيساهم في تصاعد التطرف.
وصرح قائلا: “يجب تنفيذ هذين الخيارين بالتوازي، وسنبحث مع روسيا الاتجاه السياسي، وكذلك العسكري. ومن المهم أن يسير هذا بشكل مواز”.
كما لفت الوزير إلى أن التعاون المحتمل مع روسيا حول سوريا لن يؤثر على موقف الولايات المتحدة إزاء أوكرانيا أو نظام العقوبات على روسيا.
وقال كارتر: “النقاشات المستمرة حول سوريا لن تقلل بأي حال من الأحوال من تنديدنا للترصفات الروسية في أوكرانيا، ولن تغير عقوباتنا، وتأييد قوى الأمن (الأوكرانية) ردا على الأعمال التي تزعزع الوضع”، حسب رأيه.
من جانبه أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست أن الولايات المتحدة تعول على أن يحمل لقاء الرئيسين الروسي والأمريكي طابعا مهنيا، وأن لا ينتظروا منه “مودة خاصة”.
وذكر إرنيست بأن أوباما وبوتين قد ناقشا الموضوع عدة مرات كانت “دائما ذات طابع مهني”، قائلا في نفس الوقت: “ولم أنتظر مودة خاصة. لكن لدينا مسائل جدية لمناقشتها”.
وأكد أنه لدى الولايات المتحدة “يوجد تخوف بخصوص سلوك روسيا في أوكرانيا وغيرها من مناطق العالم”.
اوكرانيا حاضرة
من جانبها أعلنت واشنطن أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ينوي أن يبحث لأوضاع في كل من سوريا وأوكرانيا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في الـ27 من الشهر الحالي، وذلك أثناء لقائهما المرتقب على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
وفي تصريح صحفي قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي إن الحديث يدور عن “مواصلة الحوار” الجاري بين الوزيرين. وذكر أن الولايات المتحدة لا تنوي الحصول على توضيحات من الجانب الروسي حول تصرفات موسكو في سوريا، “لأننا نرى ما يفعلونه (هناك)” على حسب قوله. وأضاف أن المحادثات حول هذا الملف ستركز على نيات روسيا في هذا البلد “لأن ما نراه لا يتفق تماما مع أقوال (روسيا)”، “سنحاول سد هذه الفجوة قدر الإمكان”.
أما بخصوص الأزمة الأوكرانية فقال كيربي إن الجانبين سيبحثان هذا الموضوع أيضا، لكونه محل النقاشات المستمرة بين الطرفين الأمريكي والروسي.
يذكر أن روسيا دعت التحالف الدولي مرارا إلى التعاون مع السلطات السورية في مواجهة “داعش”، فيما أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف سابقا أن موسكو لم تخف أبدا أنها تقدم مساعدات عسكرية وتقنية لدمشق في إطار الإرهاب، وأنها ستواصل تقديم هذه المساعدات لها.
وتدهورت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة بشدة بعد ضم موسكو شبه جزيرة القرم فى مارس 2014. والتى أدت إلى فرض الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى عقوبات على روسيا وسط اتهامات بأن موسكو تلهب المشاعر الانفصالية فى شرق أوكرانيا من خلال إرسال قوات وأسلحة إلى المنطقة.