ارتفعت الأيادي نحو السماء وهتفت الحناجر “سلمية .. سلمية”، استمر هذا المشهد لنحو ساعة، تمكن خلالها المتظاهرون، من مناصري الحملات المدنية، من التقدم الى مكان قريب جدا من مبنى البرلمان اللبناني، وصرخوا مطالبين “باستعادة مجلس النواب”.
انتصار يسجل لهم، فالاقتراب من هذا المقر الرسمي يكاد يكون محظوراً على أي تحرك شعبي منذ أن مدد أعضاؤه لأنفسهم مرتين، بذريعة تعذر إجراء انتخابات نيابية.
ورفع المتظاهرون الأيدي مؤكدين أنهم لا يحملون أي نوع من الأسلحة، حتى البيضاء منها.. بعدما تعرضوا أكثر من مرة لاعتداءات من قبل مناصري رئيس البرلمان نبيه بري، آخرها عندما وصل عشرات من هؤلاء وأبرحوا عدداً من المتظاهرين ضرباً، على خلفية رفع صور عدد من القيادات السياسية، بينها صورة لبري، للمطالبة بإسقاطهم لتورطهم في “ملفات فساد”. حسب تقرير سكاي نيوز عربية
أصر المتظاهرون على الوصول الى النقطة التي حددوها، ونجحوا في تخطي “سقطتهم” في استفزاز القوى الأمنية ودفعها لاستخدام القوة للجم اندفاعة المتظاهرين. أدركوا بعد جولات من الاشتباك مع القوى الأمنية أن العنف لن يخدم قضيتهم، وربما يؤدي الى إخافة من يرغب بالانضمام إليهم في محطات احتجاجية لاحقة.
في التظاهرة الأخيرة، كان واضحاً أن المحتجين تجاوزوا في مطالبهم تحسين الخدمات الحياتية المرتبطة بملف النفايات، وباتوا يرفعون عناوين سياسية تطالب بمحاسبة المتورطين من السياسيين في ملفات الفساد.
انطلق الحراك بتظاهرات خجولة دعت اليها مجموعة “طلعت ريحتكم” طالبت بمعالجة أزمة النفايات. لكن العنوان كان يرمز الى ما هو أبعد من رائحة النفايات. ويقول الصافي والناشط حسان الزين إن اسم المجموعة يخاطب السياسيين بقوله “إن رائحة فسادهم فاحت”.
ويرى أن “الحراك نجح في أكثر من محطة واستحقاق، لأنه استطاع أن يحاكي هموم الناس. شارك المواطنون في التحركات، واقتنصوا اللحظة لفتح ملفات الفساد التي تثبت تورط معظم الطبقة الحاكمة. فبدأ الحراك يتوسع ليحتضن مطالب الناس وأوجاعها”.
لكن القمع، الذي رافق عددا من التظاهرات، عدل أولوية المطالب. ويوضح الزين أن “تراجع ملف البيئة من عناوين الاحتجاجات حدث بسبب حضور الحدث الأمني وتفاعله.
يقول الزين إن الحراك استطاع تحقيق بعض مطالبه في الملف البيئي، موضحاً “أن ضغط الشارع أوقف التجديد للعقد مع شركة سوكلين، وشُكلت لجنة بيئية يشارك فيها اختصاصيون وناشطون بيئيون وضعت خطة بيئية.. لم تحظ بموافقة تامة تتيح لها المباشرة في التنفيذ وتحتاج إلى معالجة بعض الثغرات”.
ويأمل أن يستمر الحراك الأشهر المقبلة “لترجمة انتصاراته في استحقاق انتخابات المجالس المحلية في يونيو المقبل التي تضمن استمرار تطبيق الخطة البيئية بشكل سليم”.
وكشف الزين أن العمل في الأيام المقبلة سيتركز على “تشكيل قوة سياسية جديدة تضم أكبر عدد من الناشطين المستقلين تنضوي في إطار سياسي يستطيع إعادة الحياة السياسية إلى البلاد بعد “مصادرتها من قبل الأحزاب التقليدية”.
الحراك المدني الذي طرأ على المشهد السياسي المتلبد منذ أشهر يمثل بحسب الصحفي يوسف بزي تجدداً للنواة المدنية، ولقدرتها على صوغ خطاب سياسي يتجاوز الاستعصاء القائم والمزمن “بسبب توازن الرعب بين قوى 8 آذار وقوى 14 آذار، وعجزهما عن إدارة الدولة رغم تواطئهما الضمني في تقاسم السلطة”.
كما يلفت الى أن “حيوية هذا الحراك تكمن في قدرته على التملص من محاولات المصادرة أو الاستثمار أو الاستخفاف من قبل الأطراف السياسية الموجودة في الحكم، أو من قبل قوى أخرى فشلت في الماضي، تحاول استعادة مواقع لها حالياً”.