تحت عنوان “لدى مصر طريقة إبداعية في إخفاء الأخبار: منع الصحفيين من تغطيتها” نشرت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية تقريرها منتقدة قرار الحكومة المصرية منع الصحافة المحلية من تغطية أنباء حادث قتل الجيش بالخطأ سياحا مكسيكيين، رغم أن الحكومة المصرية وعدت بفتح تحقيق شامل في الحادث، الذي قتل ثمانية سياح مكسيكيين وجرح 12 آخرين، وحرق سيارات القافلة، التي كانت متجهة نحو منتجع في الصحراء الغربية المعروفة برمالها البيضاء ومناظرها الساحرة.
التقرير أعده الصحفيان سيوباهان أوغارديي ويوتشي دريزن، وعلقا فيه بسخرية على القرار قائلين “ابتدع المسؤولون المصريون خطة جديدة للتعامل مع حادث مقتل ثمانية سياح مكسيكيين نهاية الأسبوع الماضي، وهي: إجبار الصحافة للتعامل معه وكأنه لم يحدث أبدا”.
ويشير التقرير إلى أن قرار النائب العام يوم الأربعاء لمنع نشر تقارير عن حادث القتل، جاء بعد زيارة وزيرة الخارجية المكسيكية كلوديا رويز ماسيو، وطلب حكومة بلادها التحقيق في ملابسات مقتل مواطنيها على يد مروحية للجيش المصري.
وتذكر المجلة أنه في المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد لقائها مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، تجنب الأخير أي محاولة للاعتذار عن الحادث، حيث وصفه بـ”المؤسف”.
ورفضت وزيرة الخارجية التوضيحات المصرية، التي قالت إن سيارات السياح دخلت في منطقة محظورة، حيث قالت إن الفريق نظم عددا من الرحلات وكانت “لديه التصاريح المطلوبة”، ووصفت الحادث بـ”الفظيع” و”غير المسبوق”.
وتبين “فورين بوليسي” أنه في محاولة لنزع فتيل التوتر قبل لقائه مع ماسيو، نشر شكري رسالة مفتوحة للشعب المكسيكي في واحدة من الصحف هناك، وأكد “للشعب المكسيكي أن تحقيقا نزيها يجري الآن، وبإشراف من رئيس الوزراء، وستعمل مصر كل ما بوسعها للمساعدة في أي مجال يطلب منها”. حسبما ترجمة صحيفة “عربي 21”.
ويعلق الكاتبان بأن الصحافة المصرية ممنوعة اليوم من الإشارة إلى التحقيق النزيه والواسع والعادل والمفتوح الذي وعدت به الحكومة. ويشمل الحظر الصحافة المصرية وتقارير مراسلي الصحافة الأجنبية والتقارير التلفازية والإذاعية وما ينشر على الإنترنت.
وتقول المجلة إن الحظر الأخير هو آخر إشارة عن استعداد الرئيس عبد الفتاح السيسي للمضي في جعل الحياة صعبة للصحفيين في تغطيتهم للحملة التي يقوم بها ضد معارضيه الإسلاميين، واستخدام القوة ضد المتشددين، الذين ينفذون هجمات من سيناء إلى القاهرة.
ويلفت التقرير، إلى أن المئات قد قتلوا من المقاتلين الجهاديين ومن قوات الجيش هذا العام، فيما أصدرت محاكم مصرية أحكاما بالإعدام على 683 من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين المحظورة. وفي حزيران/ يونيو ثبتت محكمة في القاهرة حكما بإعدام الرئيس المعزول محمد مرسي.
ويفيد الكاتبان بأن الصحفيين هم آخر مجموعة تقع في مرمى السيسي. وبحسب شريف منصور، الذي ينسق مشروع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيين، فإن القمع الذي تمارسه حكومة السيسي يتركز على تغطية الصحفيين لقضايا الإرهاب والأمن القومي، وهما موضوعان مهمان للديكتاتور المصري.
ويضيف منصور للمجلة أنه بعد تولي السيسي الحكم “فقد أجبر عدد كبير من الصحفيين المستقلين والناقدين للخروج إلى المنفى، حيث يعيش الكثيرون منهم في تركيا ونيويورك وقطر”، ويتابع بأن “من قرروا البقاء في الداخل تقاعدوا أو اعتقلوا أو أجبروا على التزام الصمت”. مشيرا إلى أن عدد المعتقلين من الإعلاميين اليوم في مصر يتجاوز العشرين صحفيا.
ويستدرك التقرير بأن هذا كله رغم وعود السيسي العام الماضي في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة باحترام وضمان حرية التعبير، لافتا إلى أنه بعد عام على خطابه، لا تزال مصر في قائمة لجنة حماية الصحفيين الأكثر خطرا من ناحية معاملتها للإعلام. وتم تجديد القائمة، حيث لاحظت اللجنة أن الصحافة المصرية خلال عام 2013 “أصبحت أكثر استقطابا”، وبعد الإطاحة بمرسي في تموز/ يوليو 2013 تم التحرش بالوسائل الإعلامية الدولية الناقدة لممارسات النظام.
وينوه الكاتبان إلى القيود الجديدة على الإعلام بعد صدور قانون مكافحة الإرهاب، الذي وقعه السيسي الشهر الماضي. وكانت المسودة الأولى للقانون تشتمل على حبس الصحفيين مدة عامين في حال نشرهم معلومات تناقض الرواية الرسمية للجيش عن المواجهات مع المتشددين. موضحين أن القانون في لغته لا يزال متشددا تجاه الصحافة، حيث يغرم الصحفي ما بين 2500 – 64 ألف دولار أمريكي لو نشر معلومات تناقض معلومات الجيش.
وتنقل المجلة عن نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة “أمنستي إنترناشونال” سعيد بومدوحة، قوله إن “القانون مع مرور الوقت سيصبح أداة في يد السلطات لقمع المعارضة وتجاوز حقوق الإنسان”.
وتختم “فورين بوليسي” تقريرها بالإشارة إلى أنه من المتوقع أن يشارك السيسي في اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك نهاية الشهر الحالي، ويرى منصور أنها فرصة جيدة كي يقوم المجتمع الدولي بالضغط عليه لمراجعة سياساته المتشددة تجاه الإعلام. مستدركا بأن المعركة طويلة، ففي الشهر الماضي أصدرت محكمة مصرية أحكاما على صحفيي “الجزيرة” بيتر غريستي وباهر محمد ومحمد فهمي.
يذكر أن النظام المصري أصدر ضمن قانون الارهاب الجديد بند يمنع الصحفيين الكتابة بحرية في الأحداث التي تجري في بلادهم والتعامل فقط مع “بيانات الدولة” الرسمية, وعليه يجري محاسبة الصحفي واعتقاله حسب القانون.