“الحكومة اليمنية ترفض مباحثات الحوثيين في عمان” لم يكن المانشيت السابق هو الأول منذ اندلاع الحرب التي يقودها التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية في اليمن لإعادة الشرعية التي اغتصبتها جماعة الحوثي “الشيعية المسلحة” الذراع العسكري لإيران باليمن، بل سبق لعمان أن طرحت مبادرة لتسوية الأزمة وحددت نقاطها وواجهتها الحكومة اليمنية بالرفض في مايو الماضي، ليطرح التساؤل نفسه: لماذا تصر مسقط على لعب دور الوسيط رغم أنها طرف غير مرغوب فيه في حل الأزمة؟!.
دول الخليج تنضم للتحالف عدا عمان
مع إعلان المملكة السعودية تدشين تحالف عربي لمحاربة المتمردين الحوثيين وحليفهم المخلوع عبد الله صالح بناء على طلب الرئيس عبدربه هادي، انضمت دول الخليج جميعها للتحالف وأعربت عن ترحيبها بالمشاركة ومناصرة الشرعية عدا سلطنة عمان، لتصبح عمان هي الدولة الخليجية الوحيدة التي رفضت المشاركة في عاصفة الحزم متجنبه نشر جيشها لضرب أهداف الحوثيين في جارتها الجنوبية “اليمن” حيث ترى القيادة العمانية إستراتيجية الرياض في اليمن مضللة وخطيرة على المنطقة بأسرها.
وهو الأمر الذي أعتبره الخبراء بأن عمان العضو الأكثر استقلالاً عن دائرة النفوذ الجيوسياسي للرياض بين دول مجلس التعاون الخليجي، قائلين إنها الأكثر التزاماً بتهدئة التوترات الطائفية الإقليمية، إلا أن وراء مقاطعة عمان للمشاركة في التحالف أمور أخرى وتحالفات مستترة ظهر الحديث عنها مؤخراً.
غموض العلاقات العمانية الحوثية
ووفق مراقبين، لازالت علاقة مسقط بالحوثيين والرئيس اليمني المخلوع على عبد الله صالح وإيران غامضة، وينتابها الكثير من الشكوك، حيث خرجت إيران وسلطنة عمان قبل شهرين مطالبة بوقف ما أسمته “العدوان السعودي” على اليمن، في الوقت الذي دعت فيه الدولتان إلى الإسراع في تقديم مساعدات إنسانية.
وتناقلت مواقع يمنية أخبار غير مؤكدة عن مصادر عربية في العاصمة العمانية، أفادوا بأن المخلوع صالح موجود منذ أسابيع في مسقط، ويستعد لجولة من المفاوضات بينه والحوثيين من جهة والرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي المدعوم من التحالف العربي من جهة أخرى، مستبعدة أن يظهر صالح في أية مفاوضات لأن هناك ممثلين عنه سيكونوا في الواجهة، وهي الأنباء التي تأتي غير متسقة نسبيا مع موقف حكومة هادي التي أعلنت رفضها للتفاوض في مسقط.
مصالح اقتصادية وأمنية
وتعمل عمان كجسر دبلوماسي بين إيران من جهة والممالك العربية السنية في الخليج العربي والحلفاء الغربيين من جهة أخرى، وذلك كونها الدولة الوحيدة من دول مجلس التعاون الخليجي التي تشترك في مضيق هرمز الاستراتيجي مع إيران، والذي يمر عبره النفط الخليجي المصدَّر للغرب، والذي طالما هددت إيران بإغلاقه في حال نشوب حرب عالمية تستهدفها بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل.
كما أن سلطنة عمان لديها مصلحة في تهدئة التوترات بين إيران ودول الخليج العربي، ووقفت كوسيط في المفاوضات التي جرت بين إيران وبين مجموعة الـ6 دول بخصوص المشروع النووي الإيراني للتقليل من خطر حدوث مواجهة عسكرية بسببه، وهو الصراع الذي من شأنه أن يهدد حتمًا المصالح الاقتصادية والأمنية الحيوية في سلطنة عمان.
ويرجع إلى عمان الفضل الأول في تخفيف العداء الغربي لإيران، لاسيما الولايات المتحدة وتحولها الواضح بشأن المفاوضات حول الملف النووي، وفيما يتعلق بالقضية السورية والحرب على داعش. كما لعبت عمان دور الوسيط بين إيران والولايات المتحدة وكانت معتمدة من الجانبين في عمليات تبادل سجناء ومعتقلين بين البلدين، من دون أن تقر مسقط وطهران وواشنطن بوجود مثل هذه الوساطة.
وتأتي متانة العلاقة بين مسقط وإيران في الوقت الذي تشهد فيها العلاقات السعودية الإيرانية عداء تاريخيا، حيث يرى خبراء أن هذا العداء تستعصي معه أي دور للوساطة العمانية لحل الأزمة في اليمن، حيث تتخوف المملكة من تحركات الحوثيين واستغلال إيران لقوتهم في زعزعة الأمن السعودي.
السلطنة تراعي البعد الطائفي
ومن وجهة النظر العمانية، يمكن أن يشعل تصاعد العنف في اليمن صراعًا إقليميًا أوسع نطاقًا يهدد المنطقة بأسرها، كما يوجد بعد طائفي لموقف سلطنة عمان، حيث ينتمي غالبية العمانيين إلى الطائفة الإباضية، والتي تختلف عن كل من السنة والشيعة، ويحمل الكثير منهم شعورًا مساويًا بالتعاطف مع الحوثيين في اليمن.
وساهمت سلطنة عمان في الدفع نحو توقيع اتفاقية السلم والشراكة في اليمن، في بداية الحوار اليمني، إلا أنها لم تؤدي إلا إلى مزيد من السيطرة للحوثيين الذين استمر توسعهم حتى وصل أخيرا إلى معقل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في عدن، الذي امتنعت مسقط تحديدا عن دعم شرعيته، كما لم تنقل بعثتها إلى عدن، وتغيبت عن اجتماعات مجلس التعاون الخليجي حول اليمن.
ويتشابه الموقف الإيراني مع سلطنة عمان في عدة قضايا منها الأزمة السورية بالوقوف مع الرئيس السوري بشار الأسد، حيث عارضت عمان موقف معظم الدول العربية من نظام بشار الأسد والتي ترى أن الحل السياسي للازمة لن يكون بوجود بشار، فيما جاء الموقف العماني مخالفا لذلك منذ البداية، حيث عبر وزير عمان للشؤون الخارجية عن رفضه لطرد سوريا من الجامعة العربية، وأشار بأن هذا الموقف يعتبر في صالح تنظيم “داعش”، وجبهة النصرة في سوريا، وموقفها عبر دائما عن الحل السياسي عن طريق الوساطة.
(شؤون خليجية)