نشر موقع موند أفريك الفرنسي تقريرا حول إحالة مدير الاستخبارات الجزائرية، محمد الأمين مدين (المعروف باسم الجنرال توفيق) على التقاعد، وتعيين الجنرال بشير طرقاق مكانه، واستعرض التقرير شخصية المدير الجديد، وخفايا الصراع السياسي الذي أوصله إلى هذا المنصب الحساس في الجزائر.
وقال الموقع، في تقريره، إن نبأ تعيين الجنرال طرطاق كمدير للاستخبارات الجزائرية، جاء في وقت متأخر من مساء يوم السبت، وانتشر عبر موقع إخباري من المرجح أن يكون تابعا لسعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس الجزائري، وذلك خلافا لما هو متعارف عليه في الساحة السياسية الجزائرية، إذ من المفترض أن يتم الإعلان عن قرار بهذه الأهمية في وكالة الأنباء الرسمية.
وبحسب بعض المراقبين، فان طريقة الإعلان عن هذا القرار، عبر وسيلة إعلام غير رسمية، يمكن أن تثير موجة استياء في دوائر الحكم في الجزائر، وذلك كما حصل في 28 أيلول/ سبتمبر 2013، عندما أعلن الموقع الإخباري ذاته عن مشروع “إعادة هيكلة جذرية لوكالة الاستخبارات العسكرية”، بحسب عربي 21.
وذكر التقرير أن الجنرال طرقاق تخرج في السبعينات من جامعة قسنطينة، بعد أن حصل على شهادة في الجغرافيا، ثم تلقى تدريبا لدى أجهزة المخابرات السوفيتية، ليتولى مهمة تسيير عدة ولايات بالجزائر، كما تم تعيينه في التسعينيات من القرن الماضي نائبا لقائد غرفة عمليات فرق الموت، ما جعله يتعرض لانتقادات العديد من منظمات حقوق الإنسان، بسبب تورط رجاله في مجازر جماعية. وعين أيضا على رأس إدارة مكافحة التجسس في سنة 2011، بعد أن ظل مغيبا عن واجهة الأحداث لسنوات، بسبب مشاكل قديمة بينه وبين الرئيس بوتفليقة.
واعتبر التقرير أن تعيين الرئيس السابق لوحدة مكافحة التجسس، الجنرال طرقاق، كمدير للمخابرات، يعد خطوة غير بريئة، لأنه من الواضح أن أن الشخص الذي يقف وراء هذا التعيين هو سعيد بوتفليقة، بعد أن نجح هذا الأخير في البحث والتعرف بصورة دقيقة على دوائر نفوذ خصمه، قائد المخابرات محمد مدين، الملقب بالجنرال توفيق، الذي كان إلى وقت قريب يعد القائد الذي لا يمكن إزاحته من منصبه.
كما ذكر التقرير أن الجنرال بشير طرطاق كان إلى وقت قريب من المقربين من الجنرال بومدين، ولكن بأمر من الرئاسة قام الجنرال بومدين بإقالة طرقاق واللواء راشد العلالي، الملقب بـالعطافي، مسؤول الأمن الخارجي، من منصبيهما، وهو ما جعل الجنرال طرقاق يشعر بخذلان رؤسائه له، ولذلك لم يرفض عرض شقيق بوتفليقة، الذي اقترح عليه منصب قيادة إدارة الأمن والاستعلامات خلفا للجنرال توفيق، والتحقيق في ملفات فساد تورط فيها خصوم بوتفليقة.
وذكر التقرير أن سعيد بوتفليقة كان قد علق بصفة مؤقتة؛ مساعيه لوضع رجاله في جهاز المخابرات، عندما لاحظ أن الجنرال توفيق يعارض بشدة ترشح بوتفليقة لعهدة رئاسية رابعة، حيث كان توفيق يسعى لتوتير الأجواء وتأليب القيادات الأمنية ضد الرئيس المريض.
واعتبر التقرير أن نجاح سعيد في فرض إرادته داخل أروقة الحكم في الجزائر، لا زال أمرا صعب التحقق، بسبب عجز الرئيس بوتفليقة عن التواجد بصفة شخصية في التظاهرات العامة. إذ لم يلق عبد العزيز بوتفليقة، منذ إعادة انتخابه في 17 نيسان/ أبريل الماضي، أي خطاب، ولم يحضر أي مناسبة عامة، وهو ما عزز مطامع سعيد بالوصول إلى سدة الحكم، خلفا لشقيقه الأكبر.
وأشار التقرير إلى أن وجود أزمة حقيقية في الجزائر، تتلخص في صعوبة إيجاد شخص يقود البلاد بعد بوتفليقة، خاصة بعد تورط الشخصيات الكبرى من النظام في قضايا فساد داخل البلاد وخارجها، فسعيد متورط في قضايا فساد خطيرة، من أبرزها شراكته مع رجل الأعمال علي حداد، التي ساعدته في تكوين ثروة طائلة من خلال استثمارات وهمية.
ويضاف إلى ذلك قيام السلطات الايطالية بتتبع شكيب خليل، وزير الطاقة السابق، وتورط فريد البجاوي، ابن أخ الرئيس السابق للمجلس الدستوري، في قضايا فساد، وتورط أحمد الغول، الوزير السابق، في “فضيحة القرن” المتعلقة بالطريق السريعة الرابطة بين شرق البلاد وغربها، وهو ما يحيل على أزمة حقيقية تشهدها قمة هرم الدولة في الجزائر.
ويرى التقرير أن سعيد يعي تماما أنه سيكون خلف القضبان بعد رحيل شقيقه عبد العزيز، لذلك فهو لا يمنح ثقته لأي شخص بسهولة، ويسعى بكل السبل إلى السيطرة على منصب الرئاسة.
وأضاف أن سعيد بوتفليقة فشل في تكون حزب سياسي ينافس من خلاله على تولي منصب الرئاسة، وذلك إثر ظهور تسريبات قام بها أحد المسؤولين في دوائر القصر الرئاسي. ويبدو أنه قرر إثر ذلك المرور إلى مرحلة اعتماد سياسة الأمر الواقع.
وتقتضي هذه الاستراتيجية أولا السيطرة على منصب قيادة إدارة الأمن والاستعلامات، من خلال تعيين شخص محل ثقة، ولا يوجد من هو أفضل من الجنرال بشير طرقاق لتولي هذا المنصب، نظرا لولائه لسعيد، كما أنه يبدو الأقدر على تولي هذه المهمة، إذ لا يوجد من هو أعلم منه بكواليس إدارة الأمن والاستعلامات.