تأخرت المملكة العربية السعودي – لأول مرة – في الإعلان عن نتيجة رؤية هلال شهر ذي الحجة، حتى بداية اليوم الجديد؛ مما تسبب في إرباك جميع الدول العربية والإسلامية، لاعتماد أغلبها على نتيجة الرؤية بالمملكة لارتباط ذلك بوقفة عرفة.
وأثار ذلك الارتباك العديد من التساؤلات حول اعتماد الدول الإسلامية لرؤية المملكة فحسب على الرغم من رفض المملكة اعتماد أي وسيلة للرؤية الشرعية غير رؤيا “العين” خاصة أنه ثبت وقوع المملكة في أوقات سابقة في أخطاء أثناء رؤيا الهلال.
أخطاء المملكة في رؤية الهلال:
ويقول تقرير نشره موقع “شؤون خليجية” أن إصرار السعودية على موقفها من الرؤية وطريقتها بالاعتراف برؤيا العين فحسب دون أي أسس علمية أخرى أدى إلى الوقوع في أخطاء جسيمة تكررت كثيرًا دون أي تغيير، حيث لا تقبل المملكة أي رؤية شرعية غير رؤية مواطنيها للهلال وهي الرؤية التي يعتمد عليها عدد كبير من الدول الإسلامية لأنها مرتبطة بوقفة عرفة، الذي قال عنه الرسول الكريم “عليه الصلاة والسلام” :” الحج عرفة”.
وشهد عام 2006 أزمة بين السعوديين والفلكيين وذلك لإعلان السعودية رؤية هلال ذي الحجة بعد ولادته بيوم مما أحدث أزمة كبيرة وربكة في حركة الحجاج فما أن أعلن دخول الشهر ومضى أكثر من 5 أيام حتى أعلن مجلس القضاء الأعلى أن الهلال قد دخل قبل اليوم الذي تم الإعلان عنه الأمر الذي كبد العديد من الخسائر وأدخل الحجاج في متاهات كبيرة وكاد يتسبب بضياع الحج على الكثير من الحجاج خاصة القادمين من دول أخرى وارتباطهم بمواعيد سفر طويلة، وجعلت الجميع يتساءل: ألا يوجد حل لرؤية الهلال ؟.
وسجلت المملكة العربية السعودية حادثًا مشابهًا عام 1984 حين أدى الخطأ في إعلان الهلال لصيام المملكة لـ28 يومًا فقط في رمضان مما دفع الشيخ عبد العزيز بن الباز، رحمه الله، بإصدار فتواه تعليقًا على ذلك والتي قال فيها :” َبَت في الأحاديث الصحيحة المُستفيضة عن رسول الله صَلّى الله عليه وسَلّم أن الشهر لا يَنْقُص عن تِسعة وعشرين يومًا. ومتى ثَبَت دخول شوال بالبيِّنة الشرعيَّة بعد صيام المسلمينَ ثمانية وعشرين يومًا، فإنه يَتَعَيَّن أن يكونوا أَفْطَروا اليوم الأول من رمضان، فعليهم قَضَاءه”.
ارتباك في تحديد الرؤية
ولم يتوقف الأمر على الأخطاء ولكن الارتباك أمر مستمر في ظل التشكيك الدائم بصحة رؤية الهلال في السعودية خاصة لتعارضها في أغلب الأحيان مع حسابات الفلكيين، وحدث الخلاف بين الفلكيين في أكثر المناسبات الدينية السابقة فرؤية هلال رمضان 2011 فلكيًا اختلفت عن رؤية العين التي تعتمدها السعودية.
كما اختلفت الرؤية الفلكية لهلال ذي الحجة هذا العام ورؤية العين التي أعلنتها السعودية فوفقًا لما ذكرته بيانات عدد من الجمعيات الفلكية وأكده الدكتور محمد غريب ـ رئيس قسم الشمس بمعهد البحوث الفلكية بجامعة عين شمس ـ في تصريحات له حيث أكد أن أول أيام شهر ذي الحجة وفقا للحسابات الفلكية اليوم الاثنين، وأن وقفة عرفات ستوافق يوم الثلاثاء 22 سبتمبر، وسيكون عيد الأضحى المبارك الأربعاء 23 سبتمبر.
كما أصدرت جمعية رؤية لهواة الفلك بيانا أكدت فيه أن أول أيام ذي الحجة هو يوم الاثنين الموافق 14سبتمبر 2015 مشيرة إلى أن الرؤية بالعين المجردة دون مساعدة التلسكوب ستكون شبه مستحيلة بسبب ضعف إضاءة الهلال وقربه الشديد من الأفق وعدم ابتعاده عن منطقة وهج الشمس.
تباين بين علماء الفلك وعلماء الدين
علل عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المنيع، خلال تصريحات سابقة له، رفضه للحسابات الفلكية وذلك في سياق خلاف مع الفلكيين حول رؤية هلال شوال عام 1428، بقوله “لا عبرة للقول بعدم إمكان الرؤية لما فيها من تقييد قدرة الله وفضله على من يشاء من عباده بقوة الإبصار”.
واشترط “المنيع” للعمل بالحسابات الفلكية أن تتفق مع عدلان يشهدان بها رافضًا القول بعدم إمكانية رؤية العين، مضيفًا: “إذا أجريت مع الشاهد إجراءات التعديل وانضم معه في الشهادة آخر وجرى تعديله فيجب الأخذ بالشهادة لقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)، وليس أمام هذه الشهادة ما يدعو لردها”.
وجاء رد الدكتور هيمن زين الدين متولي ـ أستاذ الفلك وعلوم الفضاء بجامعة القاهرة ـ على ما قاله “المنيع” بأن التشكيك بالحساب يعني التشكيك في كل شيء ابتداء بمواقيت الصلاة وحتى الحسابات المستخدمة للقمر من كسوف وخسوف، مشيرًا إلى أن تلك الحسابات أثبتت خلال الفترة الماضية دقتها الشديدة مشيرًا إلى أن هناك حدود للرؤية.
وطالب “متولي” بتوثيق الرؤية مشيرًا إلى أن الرؤية بالعين المجردة أو بتلسكوب بسيط ليست إلا ظنية وأن التوثيق من خلال التقنيات الحديثة سبيل للخروج من الظنية، مشيرًا إلى أن التليسكوب لا يصنع الصورة إنما يقربها ويكبرها وأن هناك أنواع من الكاميرات والبرامج تعمل على توضيح الصورة وإزالة الإضاءة المحيطة لرؤية إضاءة الهلال إن وجدت مما يمنح الرؤية التأكيد والتوثيق وينقلها من مرحلة الظنية.
وقال الدكتور علي محيي الدين قرة داغي ـ الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ـ في تصريح له :” إنه لحل تلك الإشكالية لا بد من تحديد منهجية ضبط رؤية الهلال إما أن نقول أنه ليست هناك أي قيمة لا للمراصد أو العلم الفلكي ولا للحساب وحين إذن سيكون علينا الاعتماد على رؤية واحد ولا ثنين ولو قبلنا هذه المنهجية لن يكون هناك تناقض”.
المشروع الإسلامي لرصد الأهلة
واعتبر الدكتور نضال القسوم ـ نائب رئيس المشروع الإسلامي لرصد الأهلةـ أن المشروع الإسلامي لرصد الأهلة هو الحل تلك الإشكالية، مضيفًا: “أن هذا المشروع يعني توحد العالم الإسلامي في يوم واحد وهذا لأنه من الطبيعي أن تنقسم الكرة لنصفين النصف الغربي يتقدم بيوم عن النصف الشرقي وهناك خط التقويم القمري يقسم بينهم ولكن غير الطبيعي وغير المقبول أن نتوزع بشكل مزركش “.