تحدثت مجلة فورين افيرز الفرنسية عن أزمة النفايات في لبنان والتي نظم فيها الشبان اللبنانيون مظاهرات بعنوان ( طلعتكم ريحتكم) وقالت في مقال للكاتب BILAL Y. SAAB ” إن المشكلة وإن بدت إدارية صحية لكنها في حقيقة الأمر سياسة بحتة وبدأ الكاتب بذكر أن هذه المشكلة هي القشة التي قصمت ظهر البعير مستعيرا ذلك التوصيف لرئيس الوزراء اللبناني والذي أعرب عن تأييده لهذه المظاهرات والتي كانت على الرغم من ذلك ضد حكومته.
ولم تشهد لبنان مثل هذا التحرك الواضح العلني من قبل قطاع عريض من المجتمع، يشكك في النظام السياسي اللبناني أو ينادى بإصلاح شامل. في السنوات القليلة الماضية، عقدت لبنان العديد من الحوارات الوطنية حول جيش حزب الله المسلح واستراتيجية الدفاع الوطني. ولم يكن مثيرًا للدهشة على الإطلاق أن جميعها لم تسفر عن شئ. ولعل السبب في ذلك أن جميعها قضايا عارضة، وليست إلا أعراض لمشاكل أعمق بكثير. فالقضية الأساسية كانت وماتزال النظام السياسي المعيوب.
وأضافت المجلة أن الطبقة السياسية في لبنان هي إما غافلة بشكل مذهل عن مواطن فشلها، أو ربما أسوأ من ذلك أنها بارعة للغاية في تجنب تحمل المسؤولية عن أي مصاعب تمر بالبلاد.
وأكدت المجلة أن المشكلة ليست القمامة وحدها فنصف السكان فقط في لبنان لديهم إمدادات المياه الجارية من خطوط المياه الرئيسية، ومعظمها بالكاد يعمل موضحة أن الحد الأدنى من الناس يحصلون فعليا على تغطية كهربائية شاملة، والبقية يعيشون على تقنين صارم وتقشف في استخدامهم الكهرباء، أو يعيشون في الظلام.
وذكر الكاتب أن أكثر من ثلث الشباب يعانون من البطالة. والتعليم الحكومي العام هو أضمن طريق للبطالة على المدى الطويل. اللجوء للرعاية الصحية الحكومية هو بمثابة إنتحار، فالتأمين الصحي الخاص الباهظ الثمن أمر لابد منه.
وعرج الكاتب على مساوئ الطبقية والحزبية في لبنان البلد العربي الأكثر شقاقا برغم عدم وجود محتل على اراضيه واستطرد ” الأمن في لبنان بالتأكيد ليس للصالح العام وإنما بمثابة خدمة انتقائية. فكل طائفة كبيرة في المجتمع لها قوات الشرطة الخاصة بها، وكذلك وكالات التجسس الخاصة بها. وبعضها مثل الحزب الشيعي “حزب الله” لهم جيش خاص بهم. ولا عجب أن العديد من الجرائم التي ترتكب في لبنان لا يتم معاقبة الجاني، بل يتم إطلاق سراح المسجونين قبل انتهاء مدة عقوبتهم.
واضافت المجلة أن كل ما يقوم به النظام هو الحفاظ على الاقطاعيات السياسية، وتشجيع المحسوبية، وتوليد الجمود، ومنع الإصلاح؛ لذا لم تعد لبنان قادرة على خلق حكومة فعالة أو مؤسسات دولة وطنية أو حتى جيش وطني قوي. وطالما استمر هذا النظام، ستظل لبنان رهينة التدخل الأجنبي محرومة من أي استقلال أو سيادة. لذا، ينبغي أن تنتقل لبنان للديموقراطية غير الطائفية عبر قانون انتخابي جديد يتيح الفرصة أمام السياسيين الصادقين الأكفاء غير الطائفيين للترشح والانتخاب.
من العوامل الأخرى التي تواجه المتظاهرين هي القوى الإقليمية التي لها تأثير كبير على السياسات في بيروت. وتفضل تلك القوى الإبقاء على الوضع القائم. ففي حين تحترق العراق وليبيا وسوريا واليمن، إعادة هندسة النظام في لبنان قد تكلف البلاد التوازن الهش الموجود، وقد توسع نطاق الأزمة في الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، وجود نظام ممثل للشعب ويتمتع بالشفافية ويمكن للبنان الإعتماد عليه، على الارجح سيقوض مصالح العملاء المحليين لتلك الدول الإقليمية.
ويسعنا هنا الإستشهاد بمثالين؛ لم يكن حسن نصر الله ،أمين عام حزب الله، وسعد الحريري، زعيم حركة المستقبل، ليصمدوا كل هذا الوقت، لولا تدخل كل من إيران والمملكة العربية السعودية، بتمويلاتهما، فضلاً عن توفير الحماية السياسية. ولا عجب إذًا أن زعماء الطوائف السياسية الرئيسية في لبنان أصدروا الأوامر لمؤيديهم بعدم الإنضمام للمتظاهرين.
وختمت الصحيفة مقالتها بضرورة أن يستمر الحوار بين الفرقاء اللبنانيين لأن الشرق الأوسط كله يعاني من بعض الصراعات ومشكلات الشرعية السياسية و العقد الإجتماعي، ينبغي على الجميع الاستماع والمشاركة في الحوار.