استبعد وزير البترول المصري، شريف إسماعيل، أن يؤثر الإعلان عن كشف حقل غاز “عملاق” في المياه المصرية، على واردات الغاز لإسرائيل، في تصريحات تُعد “رسالة طمأنة” واضحة من الحكومة المصرية إلى الإسرائيليين.
وقال اسماعيل إن المفاوضات التي تجريها شركات القطاع الخاص لاستيراد الغاز من منتجين في منطقة شرق المتوسط، مثل إسرائيل وقبرص، لن تتأثر بهذا الكشف، مضيفا أن “السوق المصري كبير، وحجم الاستهلاك فيه ضخم”. حسب مقابلة أجرته معه “رويترز”.
وأضاف إسماعيل: “لسنا في تنافس مع آخرين.. وأي مباحثات بين الشركات الخاصة في مصر وفي شرق البحر المتوسط، وأعني بهذا إسرائيل وقبرص لم تتوقف.. هذه المفاوضات والاتفاقيات المبدئية مستمرة ولم تتوقف”.
وقال الوزير إن إنتاج حقل “ظُهر” الذي تبلغ احتياطياته نحو 30 تريليون قدم مكعبة وأعلنت شركة إيني الإيطالية الأحد اكتشافه في امتياز “شروق” قبالة السواحل المصرية، “سيخصص بالكامل للسوق المحلي، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج منه في مطلع عام 2018”.
وأعلنت “إيني” الإيطالية أن الكشف هو الأكبر في البحر المتوسط، وربما يصبح واحدا من أكبر اكتشافات الغاز الطبيعي في العالم، وتكهنت بأنه سيساعد في تلبية احتياجات مصر من الغاز لعقود مقبلة.
وألقى الكشف العملاق بظلاله على الكشوف التي حققتها إسرائيل قبالة سواحل الأراضي المحتلة خلال السنوات الأخيرة، إذ يوازي تقريبا مثلي حجم حقل لوثيان للغاز قبالة السواحل، وحقل تمار الذي تبلغ احتياطياته 10 تريليونات قدم مكعبة.
وقال الرئيس التنفيذي لـ”تامير فيشمان” الإسرائيلية للاستثمار، إلداد تامير: “من السابق لأوانه إلى حد ما تقييم جودة البيانات ودرجة أهميتها.. لكن إذا كانت دقيقة، فإن الكشف الذي تم قبالة السواحل المصرية يشكل أنباء سيئة للاقتصاد الإسرائيلي، وللشركات التي تحوز أصول (الغاز) على وجه الخصوص”.
لكن شريف قال في مقابلة مع “رويترز”: “مع إعلان خبر اكتشاف حقل ظهر ظنت إسرائيل أننا سنمانع في استيراد الغاز من الخارج.. لكننا لم نتعرض لخطط الشركات الخاصة التي تهدف إلى استيراد الغاز الطبيعي من دول شرق البحر المتوسط”.
وقال: “أهلا وسهلا بمن يريد استيراد الغاز الطبيعي إلى مصر ليستخدمه في السوق المحلي أو ليستخدمه في تسهيلات إسالة الغاز المصرية لتصديره مرة أخرى. بالنسبة لنا هذه شركات تتفاوض وتتفق، وليس لدينا أي مانع طالما أن هذا يحقق الشروط المطلوبة”.
وأوضح أن هذه الشروط هي التقدم بطلب رسمي لاستخدام الشبكة القومية للغاز، وأن يحقق الاستيراد قيمة مضافة للاقتصاد المصري، وأن يأتي بحلول لقضايا التحكيم القائمة.
وتواجه مصر قضايا تحكيم دولي بسبب توقف محطتين لإسالة وتصدير الغاز الطبيعي عن العمل نتيجة نقص إمدادات الغاز.
“شروق” و”ظُهر”
وأوضح الوزير أن حقل “ظُهر” العملاق الذي أعلنت “إيني” عن اكتشافه يغطي مساحة 100 كيلومتر مربع، ويقع في امتياز “شروق” الذي قد تصل مساحته إلى نحو 3000 كيلومتر مربع في البحر المتوسط.
وقال: “ظهر هو أكبر حقل على الإطلاق يتم اكتشافه في مصر، من حيث الاحتياطيات القابلة للاستخراج. النسبة التي يمثلها الكشف الجديد من الاحتياطيات المؤكدة لدى مصر تبلغ حوالي 30 بالمئة”.
ويبلغ حجم الاحتياطي الأصلي في حقل “ظهر” 30 تريليون قدم مكعبة، في حين تبلغ نسبة الاحتياطيات القابلة للاستخراج حوالي 22 تريليون قدم مكعبة.
وقال إسماعيل: “هذا تقدير أولي قد يزيد أو يقل مع حفر الآبار، ولكن شركة إيني ترى أن هذا الرقم قابل للزيادة”.
ويتوقع الوزير بدء تشغيل حقل “ظهر” في مطلع عام 2018 بمستوى إنتاج يتراوح بين 2.5 مليار و 3 مليارات قدم مكعبة يوميا.
وأبلغ أن حفر الآبار سيبدأ في أواخر كانون الأول/ ديسمبر ومطلع كانون الثاني/ يناير، وأن عدد الآبار التي سيتم حفرها سيتحدد بناء على خطة التنمية التي لم تقدمها “إيني” بعد.
لكنه أضاف: “من المتوقع أنه في نهاية تشرين الأول/ أكتوبر ستكون إيني قدمت خطة التنمية بالكامل. ونتصور أنه ما بين 30 و36 شهرا تكون تمت تنمية الحقل بالكامل”.
وأوضح أنه لم يتم الاتفاق بعد مع “إيني” على سعر الغاز.
وقال: “سنتفق بعد تقديم خطة التنمية وبناء على النموذج الحسابي وتقديرات الاستثمارات المطلوبة وتقدير الإنتاج والتكلفة الجارية وحجم الاستثمارات.. المهم أن يكون رقما مناسبا للطرفين، وأن يحقق عائدات مناسبة للطرفين، وليس شرطا أن يكون الرقم ذاته المتفق عليه في اتفاقية أخرى”.
ورفعت مصر في تموز/ يوليو الماضي سعر شراء الغاز الطبيعي من شركة “إيني” إلى 5.88 دولارات لكل مليون وحدة حدا أقصى، وعند أربعة دولارات حدا أدنى، وذلك وفقا للكميات المنتجة، وارتفاعا من 2.65 لكل مليون وحدة سابقا.
وقالت وزارة البترول آنذاك إن تعديل سعر شراء الغاز الطبيعي من شركة “إيني” الإيطالية سيجذب استثمارات بأكثر من ملياري دولار لتنفيذ أنشطة استكشافية وتنموية جديدة.
وقال الوزير إن الخطة الاستثمارية لحقل “ظهر” لم توضع بعد، ولكنها ستكون “بمليارات الدولارات”.
وقال إن حصة “إيني” في الكشف ستكون 40 لاسترداد النفقات والاستثمارات، مع تقسيم نسبة 60 بالمئة الباقية بنسبة 65 بالمئة للجانب المصري و35 بالمئة لإيني، “مع الأخذ في الاعتبار أن الشريك الأجنبي هو المسؤول عن توفير الاستثمارات كلها، ويتحمل المخاطر”.
ومضى قائلا: “إذا كان هناك فائض في الاسترداد، وهذا أمر وارد، لأن الإنتاج كبير جدا.. سيقسم بنسبة 80 إلى 20 بالمئة .. 80 بالمئة للجانب المصري و20 بالمئة للجانب الإيطالي”.
وذكر أن المصروفات الجارية لـ”إيني” يتم استردادها كل ثلاثة أشهر، والمصروفات الاستثمارية يتم تقسيمها على خمس سنوات، وتسدد على أقساط.
وقال إسماعيل إن أحدث رقم لاحتياطيات مصر من الغاز هو حوالي 67 تريليون قدم مكعبة، “وبإضافة حوالي 22 تريليون قدم مكعبة (من حقل ظُهر) تصل الاحتياطيات إلى حوالي 90 تريليونا. لكن هذا رقم تقديري وليس رسميا”.
وأشار اسماعيل إلى أن “ظهر” هو ثاني كشف كبير في فترة زمنية وجيزة، بعد كشف “نورس” الغازي في منطقة امتياز أبو ماضي الغربية في البحر المتوسط، قبالة دلتا النيل.
وتابع بأن كشف “نورس” تبلغ احتياطياته نصف تريليون قدم مكعبة، وقد تزيد لاحقا من خلال عمليات التنمية وحفر آبار جديدة، ومن المتوقع أن ينتج “نورس” نحو 500 مليون قدم مكعبة من الغاز يوميا.
وقال الوزير إن صورة قطاع الطاقة ستختلف بعد سنة مع دخول 65 اتفاقية جديدة أبرمتها مصر حيز التنفيذ في البحر المتوسط وفي دلتا النيل وفي الصحراء الغربية.
الواقعية مطلوبة رغم الآفاق الواعدة
وردا على سؤال هل يمكن لمصر أن تعود مصدرا صافيا للغاز مع الاكتشافات الكبيرة، قال الوزير: “لازم نكون واقعيين. لازم نغطي احتياجات السوق المحلية بالكامل، وخطة التنمية ومعدلات النمو للاقتصاد، لازم نغطي كل ده في الأول”.
وتابع: “بعد ذلك إذا تحققت اكتشافات أخرى، وكان هناك فائض، فأهلا وسهلا بالتصدير. لكن الأولوية في جميع الأحوال للسوق المحلي. وفي تقديري إنتاج حقل شروق بالكامل سيوجه للسوق المحلي”.
واستبعد الوزير أن يعجل الكشف الجديد بالوصول إلى هدف تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة بحلول عام 2020 .
وقال: “ليس واردا أن نحقق الاكتفاء الذاتي قبل 2020 . الاكتفاء الذاتي ليس الإنتاج فقط، وإنما تحقيق معدلات النمو الاقتصادي التي نستهدفها. نريد أن نطلق العنان للاقتصاد المصري والمشروعات.. علينا نحن تدبير الطاقة.. الطاقة وسيلة لتحقيق معدلات، وليست هدفا في حد ذاتها”.
وقال: “لو فكرنا أن نعيش في حدود ما ننتجه من طاقة سنضع سقفا لمعدلات النمو، ونحن لا نريد عمل ذلك، وإنما نريد أن تنطلق معدلات النمو، وأن ينطلق الاقتصاد المصري، وعلينا نحن توفير الطاقة المطلوبة بتكلفة مناسبة”.
وتابع: “نريد أن تتحول مصر إلى مركز محوري واستراتيجي للطاقة.. وهذا يعني تطوير البنية الأساسية من معامل تكرير وخطوط أنابيب وخلافه، وفي الوقت ذاته، نرحب بالغاز المنتج في شرق البحر المتوسط، واستخدام التسهيلات الموجودة في مصر.. عاوزين نصدر ونستورد وننتج ونغطي احتياجاتنا”.
وتكهن الوزير بأن احتياجات مصر من الغاز المسال ستزيد على مدى ثلاث سنوات المقبلة، إلى أن يبدأ الإنتاج من الحقول الكبيرة، وهي شمال إسكندرية وشروق ونورس وأبوقير وشمال العامرية والمرحلة 9ب، التي تقوم بتنميتها شركة “بي.جي”.
وقال: “الكميات التي نستوردها ستزيد على الأرجح خلال السنوات الثلاث المقبلة. بعد ذلك سنراجع الموقف، وبناء عليه سنقول ما إذا كنا سنخفض الاستيراد أم سيتوقف”.
وتملك مصر محطتين لإسالة الغاز الطبيعي، ولكن الإنتاج توقف فيهما خلال السنوات الأخيرة، بسبب نقص الغاز.
لكن الوزير قال: “بالتأكيد ستعود للعمل خلال الفترة المقبلة، حيث لدينا خطة لأخذ فوائض الغاز في دول شرق البحر المتوسط، للاستفادة منها في تشغيل” المحطتين.
“المستقبل” بعد هذا الاكتشاف
وأعرب الوزير عن اعتقاده بأن منطقة شرق البحر المتوسط كلها والمياه الإقليمية المصرية ستكون في الفترة القادمة تحت أعين الشركات العالمية، نظرا لأن الكشف العملاق تركيب جيولوجي مختلف، وحجمه كبير، وإنتاجيته عالية.
وأضاف أن الهيئة المصرية العامة للبترول ستطرح في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر مزايدة تنقيب وبحث عن الغاز في مناطق الصحراء الغربية.
ويتوقع إسماعيل أن الشركات ستعيد النظر في الفترة المقبلة في كل أعمال البحث السيزمي التي جرت في البحر المتوسط، وفي التراكيب الجيولوجية الموجودة فيه، وفي دلتا النيل البحرية أو البرية.
وقال: “بعض الشركات العاملة في المياه المصرية بدأت تعجل ببرامج البحث السيزمي والمعالجة، وتريد بدء الحفر بسرعة، لأنها تشعر الآن أن هناك فرصا أكبر في المنطقة”.