نشر موقع (المصدر) الإسرائيلي الناطق بالعربية تقريرا عن الدكتورة جليلة دحلان وكيف تنفق ملايين الإمارات لتلميع صورة زوجها تحت لافتة المشاريع الخيرية وكيف تدخل قطاع غزة المحاصر بالتنسيق مع الجانب المصري والإسرائيلي في حين تلق الحواجز في وجه أي فلسطيني.
وهذا نص التقرير:
السنوات القليلة التي عاشتها سهى عرفات في مناطق السلطة الفلسطينية لم ترسخ صورتها لدى الفلسطينيين على أنها سيدة فلسطين الأولى. مصطلح السيدة الأولى لم يكن جزءا من الحياة السياسية والجماهيرية للفلسطينيين. لكن هذا الوضع قد يتغير أو أنه بدأ يتغير في الأشهر الماضية. فاسم الدكتورة جليلة دحلان تحول في الأشهر الأخيرة إلى الاسم النسائي الفلسطيني الأكثر تداولا في الإعلام، وفي وسائل التواصل الاجتماعي.
فقد أطلق على الدكتورة دحلان لقب “سيدة فلسطين الأولى”، و “أم الفقراء”، وألقاب أخرى مثل: “الشيخة موزة الفلسطينية”، وذلك كجزء من خطة واضحة لتحديد شخصية القيادي الفتحاوي محمد دحلان، كأبرز المرشحين لخلافة الرئيس الفلسطيني، محمود عباس. وأصبح اسمها يتردد على ألسنة الفلسطينيين في القطاع والضفة وحتى في الشتات، تحديدا في لبنان، وأيضا في الاردن، في سياق أنشطة خيرية واجتماعية عديدة تقوم بها الدكتورة دحلان.
ولا يختلف الكثيرون على أهميتها، لكن الفتحاويين يختلفون على دوافعها وعلى مصادر تمويلها ويعتبرونها الأرضية الاجتماعية – الخيرية، والذراع الجماهيري الذي يهدف إلى تعزيز شعبية الزوج محمد دحلان، وتسهيل فوزه بزمام القيادة في حركة فتح والسلطة الفلسطينية.
المركز الفلسطيني للتواصل الإنساني “فتا”، هو الجهة التي تدير من خلاله الدكتورة دحلان أنشطتها المختلفة والتي تعالج قضايا المعاقين، والعقم، والمشاكل النفسية للأطفال، بالإضافة إلى قضايا عديدة أخرى.
هذه الأنشطة تثير قلق السلطة الفلسطينية التي ترى كيف، عن طريق هذه الأنشطة، يكسب ابو فادي – محمد دحلان- تعاطف الكثيرين وتأييدهم داخل حركة فتح.
ولو نظرنا إلى آخر أنشطتها، فكان للدكتورة دحلان مشروعان كبيران أشرفت على تنفيذهما، وهما العرس الجماعي على شاطئ بحر غزة، والذي شارك فيه 400 عروس وعريس من الشرائح المجتمعية الضعيفة في قطاع غزة، وكذلك مشروع علاج 600 حالة في القطاع، وفي الضفة الغربية لمن يعانون من العقم. هذه المشاريع تُتيح للدكتورة جليلة الاحتكاك بالناس وهمومها، لكنها تتيح أيضا لزوجها إعادة ارتباطه مع أوساط شعبية واسعة رغم ابتعاده عن الضفة والقطاع.
ويرى خصوم محمد دحلان في قيادة السلطة الفلسطينية، أن تعاون حركة حماس وحكومتها مع مشاريع دحلان وسيلة تلجأ إليها حماس لإضعاف الرئيس الفلسطيني، والاستفادة من حالة الانقسام الفتحاوي. فقد سمحت حماس للدكتورة جليلة زيارة القطاع لافتتاح مشاريع ورعاية مشاريع أخرى، وأن هذا التقارب لا يعني بأي حال من الأحوال نهاية الخلاف بين حركة حماس ودحلان بقدر ما هو محاولة من الطرفين، أي حماس ودحلان، لإظهار عجز سلطة الرئيس عباس.
ويشير مسؤول فلسطيني إلى أن الدكتورة جليلة تدخل القطاع تارة عبر منفذ رفح، وتارة عبر منفذ “إيرز” بيت حانون الحدودي مع اسرائيل، في إشارة إلى خطة متفق عليها من أطراف محلية وعربية وإسرائيلية، كل لحسابتها الخاصة، تساهم في إبراز أنشطة الدكتورة، وهدفها واحد ووحيد، وهو إعلاء شأن محمد دحلان وإضعاف مكانة رئيس السلطة الفلسطينية.
مشاريع مؤسسة “فتا” لا تقتصر على الداخل الفلسطيني في الضفة وفي القطاع، لكنها تصل الشتات الفلسطيني، وتحديدا المخيمات الفلسطينية وخاصة في لبنان. فقد دعمت المؤسسة عددا كبيرا من المشاريع والعائلات الفلسطينية المحتاجة، مما دفع بالسلطة الفلسطينية، الطلب من سفارتها في بيروت أن تتدخل لدى السلطات اللبنانية، لوقف أنشطة الدكتورة جليلة على اعتبار أنها مناوئة للسلطة الفلسطينية. وأنها تضعف السلطة وتخلق حالة من الازدواجية في رأس الهرم الفلسطيني. وأبرز ما يمكن ذكره هنا زياراتها لمخيم عين الحلوة، ودعم أنشطة في المخيم بملايين الدولارات.
وتعتبر السلطة الفلسطينية وفريق الرئيس عباس أن هذه الأموال لا تهدف إلى دعم أنشطة خيرية، وعائلات محتاجة وحالات إنسانية، وأن الهدف منها هو تعزيز نفوذ الزوج محمد دحلان. ولم تتردد السلطة في فصل قياديين فتحاويين بارزين لمجرد تعاملهم مع مشاريع الدكتورة جليلة، أبرز هذه الحالات كان فصل رجل فتح الأقوى في المخيمات اللبنانية.
وقررت قيادة الحركة ممثلة بلجنتها المركزية فصل العميد السابق، وقائد قوات فتح في المخيمات اللبنانية، محمود عيسى، الملقب بـ “اللينو” لمجرد مشاركته في مشاريع الدكتورة جليلة ورعايته لهذه المشاريع واستضافته لها. وتقول قيادة فتح إن الملايين الإماراتية التي جلبتها الدكتورة دحلان لمخيم عين الحلوة، والمخيمات الفلسطينية، أرادت بها شراء الولاءات لزوجها. وبالفعل تقرر فصل العميد عيسى، وسحب رتبه العسكرية وامتيازاته، ووقف تمويله وتمويل حراساته، الأمر الذي أدى إلى حالة انقسام كبيرة داخل أهم معاقل فتح خارج نطاق الضفة الغربية وقطاع غزة.
ما يلفت الانتباه بالنسبة للدكتورة جليلة، هو عدم تهربها من الأسئلة الصعبة، فهي لا تخفي أن هذه المشاريع، بتمويل إماراتي في غالبيتها، أتت نتيجة علاقة زوجها بالقيادة الإماراتية وأن من بين أهدافها إعادة مكانة زوجها لدى الشارع الفلسطيني. كما وأن الدكتورة لا تتهرب من الإجابة عن التهم التي توجه لزوجها بالنسبة للعديد من القضايا الأكثر حساسية، مثل تهمة دوره في وفاة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وعلاقاته مع مسؤولين إسرائيليين وخلافاته مع الرئيس عباس.
وكذلك لا تتردد الدكتورة في الدفاع عن زوجها، وهو أمر طبيعي. وتهاجم الرئيس عباس ومن حوله وتنتقد حركة حماس وكأنها تقول “أنا لست للزينة فقط”، وأن لها رؤية واضحة بالنسبة للوضع الفلسطيني الداخلي، وللمفاوضات مع إسرائيل. وهي أمور تجعل الكثيرين، حتى ممن يختلفون مع زوجها، يعترفون أنها انتزعت لقب “سيدة فلسطين الأولى” على الاقل من الناحية الإعلامية.
ومن غير المستبعد، في ظل التطورات الداخلية في حركة فتح، والحديث عن تغييرات في القيادة، أن تتطور الأمور بشكل يُعيد محمد دحلان إلى الصدارة الفلسطينية، وفي هذه الحالة لقب “السيدة الأولى” يستصبح النظرية واقعا، مع أن الدكتورة جليلة ومعارفها يقولون إن لقب “أم الفقراء” هو الأقرب إلى قلبها.