بيت لحم- ترجمة عن صحيفة “يديعوت احرنوت”- المحلل العسكري الإسرائيلي رون بني يشاي- معا – “هذه المرة هو جاد، هذا ما أكدته أجهزة الأمن الإسرائيلية (أبو مازن يستعد للنهاية يعرف أن الأرض تشتعل من تحت قدميه وسيقوم بخطوات غير متوقعة بالقريب العاجل، هو لا يريد انتفاضة لكن ماذا يريد؟)”.
بعد قتل عائلة الدوابشة بقرية دوما استنفرت أجهزة الأمن الإسرائيلية والشباك لاندلاع موجة عنف كبيرة وشعبية. لكن اليوم يؤكد مصدر كبير بالمخابرات الإسرائيلية أنه وقيادات الأمن الإسرائيلي تفاجؤا من أن الضفة الغربية لم تظهر غير الحد الادنى نسبياً من الرد الميداني على الجريمة، وكان الحد الأدنى منسوب محدود من المقاومة الشعبية المتمثلة بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة وعدد من عمليات الدهس والطعن وإطلاق النار على محاور الطرق في الضفة الغربية والقدس، ولكن جبل البركان الفلسطيني في الضفة لم ينفجر بعد، كما توقع الامن الإسرائيلي حينها.
إن احد الاسباب الاساسية لعدم انفجار جبل البركان- يقول مصدر إسرائيلي كبير- النشاطات اللاجمة والسريعة التي اتخذتها اجهزة الأمن الفلسطينية بأوامر شخصية ومباشرة من أبو مازن مع التأكيد على أن الامن الإسرائيلي كفا منذ زمن بعيد على التعامل مع رئيس السلطة الفلسطينية أنه “فرخ وليس نسر” وهي العبارة التي اطلقها عليه شارون حين كان رئيسيا للوزراء.
اليوم ترى إسرائيل في أبو مازن عدواً مراً ومؤهلاً وصاحب تجربة عريقة يدير ضد إسرائيل في الساحات الدولية معارك ضارية لسحب شرعيتها الدبلوماسية والقضائية، وقد نجح في ذلك وأثقل على إسرائيل، وفي نفس الوقت أمر عباس اجهزته الأمنية على الأرض أن لا يتجاوز النضال ضد إسرائيل والمستوطنين خط المقاومة الشعبية، وحرص على أن لا تتقدم حماس والجهاد الإسلامي الصفوف ولا تأخذا مراكز القوة.
“في إسرائيل يعترفون هذه الايام أن محمود عباس نجح في السيطرة على مستوى اللهب ولا أريد أن اقلل من أهمية المخابرات الإسرائيلية عمليات الجيش في الضفة، ولكن ليس اسوء من المخاطرة الآن وعدم الاعتراف بقوة ومساهمة أبو مازن بخلق هذا الهدوء وخصوصا باللحظات الصعبة”.
لهذا السبب فان القلق يسري بأوساط أجهزة الأمن الإسرائيلية بعد تأكدهم أن أبو مازن يريد أن يستقيل وأنه اعطى اشارات واضحة عن خذلانه في الاسابيع الماضية، وأن جميع المسارات عالية ولا تقدم فيها ولذلك تخشى إسرائيل أن هذا الرجل سيرد بطريقة غير متوقعة، قد تقلب الامور رأساً على عقب وأن المخابرات الإسرائيلية تموت لتعرف ما هي”مفاجآت سبتمبر” التي قال محمود عباس إنه مزمع على القيام بها.
ومن المهم الاشارة هنا أن المخابرات الإسرائيلية لا تملك أي تأكيدات على أن محمود عباس سيقوم بخطوات دراماتيكية قريبة ولكنهم سوف يتابعون مستوى اللهب والفرصة الكبيرة، أن هذا الرجل صادق فيما يقوله، وأنه فعلا سيسقيل من منظمة التحرير ولقد همس للمقربين منه أنه سيستقيل أيضا من قيادة فتح وحتى رئاسة السلطة.
صحيح أن هذه التهديدات ليست جديدة وأن إسرائيل تعاملت معها في الماضي كأداة ضغط للحصول على تنازلات لكنه في إسرائيل يقولون اليوم إنه رجل جاد وعليكم الاستعداد للتطورات التي ستحدث بعد ذلك.
إن الامريكيين لا يقلون قلقاً عن قلق إسرائيل حيث حاول جون كيري ثني الرئيس عباس عن هذه الاستقالة.
المصادر الامنية الإسرائيلية تقول إن الرئيس عباس اتم في الربيع الماضي ثمانين عاماً وبعد قليل سيتم احد عشرعاماً في الرئاسة وأن الساعة البيولوجية السياسية للرجل تقترب وما يزال حلم اقامة دولة فلسطين بعيداً عنه، وأن المستوطنين يدنسون الاراضي الفلسطينية التي يجب أن تكون تحت سيطرته، وأن المصالحة بين فنتح وحماس بعيدة، وما يزال حكم حماس جرحا مفتوحا في عهده، وإن كان يحاول اعادة منظمة التحرير إلى فعاليتها بقطاع غزة، ورغم هذه العقبات إن عباس هو الرئيس الشرعي لهذا الشعب امام كل العالم، ولكن حماس تمنع نجاح عودة السلطة الى غزة وتمنع سيطرته على معبر رفح.
أبو مازن نفسه قلق مما سيحدث بعد مغادرته السلطة وبالذات من الاسلاميين الردكاليين امثال حماس والجهاد الاسلامي والسلفيين وأن يحاولوا السيطرة على منظمة التحرير والشارع الفلسطيني، وأن قيادة حركة فتح لن يحافظوا على وحدة منظمة التحرير، وأن يخطئون ويتركوا الانتفاضة الدبلوماسية والقضائية التي قام بها عباس ويبدؤون على عجل بقطف الثمار سيخطئون باستخدام النضال المسلح أو أنه حتى يخطئون باندلاع انتفاضة ثالثة، وعباس من كل قلبه مؤمن أن هذه ستكون خطوة كارثية وأن الكفاح المسلح هو الذي سيضر بالفلسطينيين امام العالم وسيزيد من عذابات السكان.
هناك زاوية شخصية بالأمر وهي أن عباس ثعلب سياسي عجوز ومجرب، وأن منافسيه في داخل المنظمة وفي حركة فتح يجمعون القوة وهو يعرفهم واحداً واحداً الذين يطلقون على انفسهم ابناء الجيل القادم من فتح من امثال دحلان والبرغوثي والرجوب وآخرين، وأنهم جميعا من تلاميذ عرفات وأنهم ما أن يشتمون رائحة الضعف من جانبه حتى يتقاتلون على الميراث وان كان ذلك سيؤدي بهم للخضوع لشروط حماس.
وكي يضمن أبو مازن أن الذين سيؤتون من بعده لن يخضعوا لحماس أو للخصوم فإنه يقوم بإجراءات في منظمة التحرير وهو ما ادركته إسرائيل بسرعة وتحاول جاهدة من عدة جهات أن تقلل الأضرار التي يقوم أبو مازن بالتسبب بها ضد إسرائيل.
أبو مازن وصل لقناعة أنه لا فائدة من تجديد المفاوضات مع إسرائيل وأنه مع المد الإسلامي الكبير الذي يجتاح المنطقة وبالتالي لا يريد أي حلول ضعيفة، وقد عرف أن نتانياهو لا يستيطع تقديم حلول كبيرة ولذلك أبو مازن يرفض الحل المرحلي ولا يثق بنتانياهو شخصياً، ويعرف أن أي حل مرحلي سيؤدي لتعاظم الاستيطان وسيطرته على الأرض ولن يقبل أبو مازن أن يسجل بتاريخه وفي عهده أن إسرائيل اخذت الضفة الغربية.
إن العالم لا يملك الوقت الكافي هذه الايام للملف الفلسطيني وهو منشغل بقضايا مشتعلة اخرى بالشرق الاوسط، ولكنه يعرف أنه في اوروبا وجامعات شمال امريكا اتخذ قرار حاسم ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأن عباس سيستغل الاجتماع القادم للجمعية العامة للام المتحدة في نيويورك بنهاية سبتمبر ليضرب ضربته.
ماذا يمكن أن يقول؟ غير دخوله في جميع المؤسسات الخاصة بالأمم المتحدة؟
وغير أنه سيرفع علم فلسطين في مبنى الأمم المتحدة بنيويورك.
وغير أنه حقق الاعتراف بدولة تحت الاحتلال.
وغير أنه اخذ وعداً من اوباما بإقامة دولة وغير أن هذه الدولة ستكون على حدود 67.
إن انتفاضة الدبلوماسية والقضاء التي بدأها عباس اصبحت استراتيجية سياسية ستحقق له هدفين:
1- اقامة دولة فلسطينية بواسطة قرارات الامم المتحدة.
2- سحب الشرعية عن الاحتلال الإسرائيلي.
وقد حققت هذه الاستراتيجية نجاحا كبيرا لولا أن واشنطن تقوم بإجهاضها.
الشق الثاني وهو النضال ضد حماس، حيث رفضت حماس عودة السلطة إلى قطاع غزة ومنعت تمكنها من الامن الداخلي والمعابر، ومن أجل اجبار حماس أن توافق على مطالبه، فإنه يتحكم بالأموال التي تأتي لغزة ويمنع حماس استلام هذه الاموال ويتحكم بأموال الاعمار أي أن أبو مازن يأخذ سكان غزة رهائن، كما ويحارب حماس بالضفة الغربية.
ويدعي الكاتب الإسرائيلي أن إسرائيل من يساعد سكان قطاع غزة وليس حماس أو السلطة، وأن حماس في حالة حرجة ولذلك تحاول مع إسرائيل عقد هدنة طويلة المدى، وأن تستغل مسالة تخفيف معاناة الناس، لكن عباس يعرف تماما أنه يستطيع افشال هذه الهدنة بين اسرائيل وحماس، ويتهم حماس بخيانة المشروع الوطني وليس أقل من ذلك.
إن اسقالة عباس من قيادة منظمة التحرير باعتبارها الممثل الوحيد والشرعي للشعب الفلسطيني سيؤدي لتغير موازين القوى الداخلية، وحتى عند حماس التي ستحاول السيطرة على المنظمة، كما أن استقالة عباس من قيادة فتح سيفسح المجال لتسلل الجيل الجديد للسيطرة على القيادة، ولكن عباس قبل أن يترك فتح يريد أن يضمن من خلال تياره أن فتح لن تتورط وتنزلق في موجة عمليات عنيفة ضد إسرائيل.
ولكن في ترسانة أبو مازن للتهديدات المزيد والمزيد، ففي اسرائيل ما يزالوا يخشون أن يضع عباس مفاتيح السلطة على الطاولة في الأمم المتحدة؛ رداً على الاستيطان وعلى الارهاب اليهودي ضد الشعب الفلسطيني، ما يعنيه أنه سيرمي بخدمات 2 مليون و600 ألف فلسطيني في الضفة الغربية على ظهر إسرائيل.
إذا نفذ عباس تهديده الأخير فإنه لن يضرب إسرائيل فقد، وإنما سينهي حلم اقامة دولة غرب النهر، وفي إسرائيل اقنعوا أنفسهم أنه لا يمكن أن ينفذ هذه التهديد، ولكن لا شي مؤكد والأخطر أن إسرائيل لا تعرف من هو خليفة عباس.