أكّد مدير وكالة المخابرات المركزية السابق ديفيد بتريوس اليوم أنه حثّ المسؤولين في إدارة أوباما على فصل بعض المقاتلين من جبهة النصرة للانضمام إلى قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة لمكافحة تنظيم داعش. ولكن تفسير بترايوس لا يأخذ في الحسبان حقيقة أنّ السياسة الأمريكية في سوريا أقصت الجماعات الإسلامية التي يمكن “التوافق” معها منذ أكثر من أربع سنوات.
وقال بتريوس لقناة سي إن إن: “لا يجب علينا تحت أي ظرف من الظروف محاولة استخدام أو اختيار جبهة النصرة، إحدى الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا، كمنظمة ضد داعش.” وأضاف: “لكنّ بعض المقاتلين، وربما بعض العناصر داخل جبهة النصرة اليوم، انضموا لأسباب نفعية وليس لأسباب أيديولوجية؛ لقد رؤوا جبهة النصرة كحصان قوي، ولم يروا بديلًا له مصداقية، في ظل عدم تقديم المعارضة المعتدلة للموارد الكافية“.
هذا يبدو وكأنه “صحوة سنُية” من أيام العراق، ولكن ليس ثمة احتمال لتكرار ذلك في سوريا اليوم. وتوضح التصرفات الأمريكية الأخيرة السبب في ذلك.
في الأسبوع الماضي، أرسل قائد “الفرقة 30″، جماعة المعارضة السورية “المعتدلة” التي تستضيف المقاتلين الذين دربتهم الولايات المتحدة، إشعارًا مثيرًا للقلق: تمّ قصف قواته بطائرات من سلاح الجو السوري. ولم يرد الجيش الأمريكي على هذا الهجوم.
“ليست لدينا معلومات عما إذا كانت قوات الأسد استهدفت جماعات المعارضة السورية أو القوات السورية الجديدة على وجه التحديد،” هكذا أخبرني اللفتنانت كايل رينز المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، مستخدمًا المصطلح الرسمي للجنود السوريين الذين تم تدريبهم وتسليحهم من قِبل الولايات المتحدة وإرسالهم مرة أخرى إلى سوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
قبل ثلاثة أسابيع فقط، ردّ الجيش الأمريكي بقوة على الهجوم ضد الفرقة 30، وهذه المرة كان الهجوم من جبهة النصرة؛ حيث اختطفت بعض المقاتلين الذين دربتهم الولايات المتحدة وقتلت آخرين، وأرسلت الولايات المتحدة طائرات بدون طيار للثأر. ولكن الفرقة 30 عارضت الهجمات الأمريكية على جبهة النصرة وتعهدت بعدم محاربة الجبهة، ومحاربة نظام الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية فقط.
في عام 2012، عندما كان بتريوس مديرًا لوكالة المخابرات المركزية. اقترح هو ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون تسليح المعارضة السورية؛ وهي خطة دعمها وزير الدفاع ليون بانيتا ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارتن ديمبسي. لكنّ البيت الأبيض رفض الخطة، وتعرضت جماعات المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة لهزيمة ساحقة.
والآن يقترح بترايوس فصل “الجماعات القابلة للتوافق” عن جبهة النصرة للقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية. كما قارن هذه الخطة بالصحوة السُنية في العراق في عامي 2007 و2008.
وقال بتريوس: “أثناء التمرد الذي شهده العراق، انحازت القبائل السُنية والجماعات المتمردة إلى الجماعات المنفصلة عن تنظيم القاعدة في العراق؛ لأنها خلصت إلى أن هناك بديلًا أفضل؛ وهي عقد شراكة معنا، وفي نهاية المطاف، تكوين حكومة عراقية، ولأنهم رؤوا أنّ تنظيم القاعدة كان رهانًا خاسرًا. كما أسهمت (عملية المصالحة) إلى حد كبير في هزيمة تنظيم القاعدة في العراق في الفترة بين عام 2007 و2008، واستمر هذا الوضع لمدة 2-3 سنوات“.
يعترف بتريوس أنّ الصحوة السُنية في العراق انهارت بعد مخالفة لحكومة العراقية لمعظم الاتفاقات مع القبائل السُنية العراقية. ويعترف أيضًا بأنّ سوريا والعراق ليستا نفسهما اليوم. لكنه يخلص إلى أنّ الولايات المتحدة يجب أن تعمل على هزيمة الجماعات المتطرفة في سوريا “من خلال إحداث الانشقاقات في صفوفهم من خلال تقديم بديل ذي مصداقية“.
المشكلة الرئيسة في فكرة بترايوس هي أنّ الولايات المتحدة لم تعد تمتلك أي “مصداقية” في سوريا. بعد أربع سنوات من بدء الأزمة السورية، تباطأ دعم الولايات المتحدة للجماعات التي تقاتل نظام الأسد؛ تلك الجماعات المعتدلة التي لم يتم سحقها أو استقطابها من قِبل الجماعات الإسلامية، والتي تشعر بأنّ واشنطن تخلت عنها.
حقيقة أنّ المجندين الجدد مضطرون إلى التعهد بعدم محاربة الأسد أعاقت برنامج تدريب وتجهيز المقاتلين في سوريا، الذي وصلت تكلفته إلى 500 مليون دولار. وينتهج المسؤولون في إدارة أوباما سياسة الأمر الواقع للحفاظ على النظام، في حين التشدق بأمل لا أساس له حول عملية سياسية يتفاوض فيها الأسد بشأن رحيله.
لم يكن بترايوس مخطئًا في عام 2012 عندما دعا إلى دعم أمريكي قوي لقوى المعارضة المعتدلة في سوريا. ولكن، في عام 2015، تجاوزت الأحداث الراهنة هذه الخطة. وإذا لم تغيّر إدارة أوباما مسارها، وتحاول خلق سياسة سورية تهتم بما هو أكثر من سحق تنظيم الدولة الإسلامية؛ فإنّ خطة بترايوس لن تنجح.
جميع الجماعات السورية التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية تستمد مصداقيتها من الشعب السوري في الأراضي التي يسيطرون عليها. بترايوس محق تمامًا في أنّه يمكن إقناع القبائل السورية بالانفصال عن جبهة النصرة والانضمام إلى قضية تدعمها الولايات المتحدة.
“استعادة مصداقية الولايات المتحدة لن تتطلب الكثير، كل ما تحتاج إليه هو وقف رمي البراميل المتفجرة على المدنيين“، هكذا قال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لقوة مهمة الطوارئ السورية، وهي منظمة غير حكومية تعمل مع الجماعات المتمردة على الأرض. وأضاف: “والسبب في أنّ الولايات المتحدة ليس لديها أي مصداقية مع الجماعات المسلحة على الأرض هو دعمها لإيران وروسيا ونظام الأسد“.
هناك أسباب أخرى لفشل خطة بترايوس. في العراق، تمتلك الولايات المتحدة أكثر من 100 ألف جندي، إلى جانب إنفاق عشرات المليارات من الدولارات، وعلاقة وثيقة مع الحكومة العراقية، والإرادة السياسية للفت انتباه الولايات المتحدة إلى هذه المسألة. لا يجد أي شيء من هذه الأشياء في سوريا اليوم.
يبدو أنّ إدارة أوباما تكتفي باحتواء تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، وبعد سنوات من الفرص الضائعة، من غير المرجح أن تحدث مواجهة بين أوباما والأسد. يتذكر الشعب السوري عندما قال أوباما في العام الماضي إنّ فكرة أن مجموعة من “الأطباء والمزارعين والصيادلة وغيرهم” يمكنهم هزيمة نظام الأسد ومؤيديه “كانت دائمًا ضربًا من الخيال“.
طبيعة الالتزام الأمريكي في سوريا ليس من المرجح أن تتغيّر، ولن يدعم مرشحو الرئاسة الجمهوريين المتشددين أي زيادة كبيرة من الموارد الأمريكية أو الأفراد لتغيير الأوضاع في سوريا. ومن ثم؛ ستحدث “الصحوة” السورية فقط عندما يسقط الأسد، وتدرك الولايات المتحدة أنه لا يوجد لديها أصدقاء هناك لتمثيل مصالحها.
بلومبرغ – التقرير