يتوقع الرئيس باراك أوباما أن يعطي لقاء القمة الذي ينوي عقده مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، في واشنطن الجمعة المقبل، دفعاً كبيراً للاتفاقية النووية مع إيران، والتي سيبدأ الكونغرس مناقشتها فور عودته من عطلته الصيفية في الثامن من الشهر المقبل.
ولقاء القمة بين الزعيمين هو الثاني من نوعه بين الرجلين، منذ تولى خادم الحرمين منصبه مطلع العام.
ولطالما عوّلت الإدارة الأميركية على الدعم الخليجي للمفاوضات، وتالياً الاتفاقية مع إيران، لتقديم هذا الدعم كحجة ضد القائلين إن حلفاء أميركا في الشرق الأوسط يعارضون الاتفاقية.
وكان وزير الخارجية جون كيري قد زار الرياض في مارس، والتقى زعماء دول “مجلس التعاون الخليجي”، وعند عودته، قال في جلسة استماع في الكونغرس إن الدول الخليجية، وهي المعنية الأكبر بملف إيران النووي، توافق على المفاوضات.
وقبل التوصل للاتفاقية مع إيران نهاية يوليو، استضاف أوباما الزعماء الخليجيين في قمة كامب ديفيد في مايو، وكرر الإشارة إلى التأييد الخليجي للدبلوماسية مع إيران.
واستند مسؤولو الإدارة إلى موافقة الخليج على المفاوضات والاتفاقية لمواجهة إسرائيل وأصدقائها الأميركيين ممن يعتبرون أن في الاتفاقية النووية مع إيران خطراً على حلفاء أمريكا في المنطقة، وفي طليعتهم الدولة العبرية.
ولطالما أشار الجمهوريون المعارضون لأوباما والاتفاقية مع إيران إلى تغيب الملك السعودي عن قمة كامب ديفيد للقول إن غياب خادم الحرمين كان بمثابة “توبيخ سعودي” ردا على الاتفاقية.
لكن زيارة الملك سلمان من شأنها إسكات الجمهوريين وأصدقاء إسرائيل وتقديم دعم قوي لأوباما، الذي يعمل منذ نهاية يوليو على حشد التأييد للاتفاقية لدى الرأي العام الأميركي والكونغرس المتوقع أن يصّوت عليها بعد أيام من زيارة الملك سلمان إلى الولايات المتحدة.
ويقول المسؤولون الأميركيون ممن تابعوا زيارة وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر إلى السعودية الشهر الماضي إن المسؤول الأميركي “ألحَ على المسؤولين السعوديين قبول الاتفاقية النووية مع إيران”. ويتابع المسؤولون الأميركيون أن كارتر قال للسعوديين: “لا تعاملوا الاتفاقية مع إيران بالشكل الذي تتعامل معها إسرائيل|.
ويضيف المسؤولون الأميركيون ممن تابعوا الزيارة أن كارتر سمع في الرياض أن المملكة “تؤيد أي اتفاقية من شأنها أن تمنع إيران من حيازة أسلحة نووية”. لكنَ المسؤولين السعوديين “عبّروا بوضوح عن تباينهم مع واشنطن حول التأثيرات الجانبية للاتفاقية مع إيران على الملفات الأخرى في الشرق الأوسط”.
ونقل الأمريكيون قول السعوديين قالوا إن أوباما يكرر أن الإيجابية المتولدة عن الاتفاقية مع إيران من شأنها أن تساهم في التوصل إلى حلول في الملفات الأخرى، خصوصاً في سورية واليمن، وأن الرياض تختلف مع هذا الرأي، بل إن السعودية، حسب متابعي زيارة كارتر، طلبت تأييد الولايات المتحدة للمواقف السعودية في سورية واليمن مقابل الدعم السعودي للاتفاقية النووية مع إيران.
هكذا، بدا جلياً أن السعوديين يسعون إلى مقايضة دعمهم للاتفاقية مقابل دعم أميركي للحسم العسكري لمصلحة السعودية وحلفائها في كل من اليمن وسورية.
ويتمثل الاختلاف في وجهات النظر بين الرياض وواشنطن في اعتقاد السعوديين أن قلب موازين القوى العسكرية على الأرض لمصلحة حلفاء السعودية هو مفتاح الحل، فيما يعارض الأميركيون الرؤية السعودية، ويحاولون عرقلة المجهود السعودي العسكري المباشر في اليمن، وغير المباشر في سورية، حيث تساهم السعودية، إلى جانب قطر وتركيا، في رعاية وتسليح وتمويل بعض فصائل الثوار التي تخوض مواجهات على جبهتين: واحدة ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه والثانية ضد مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
في اليمن، بعد بدء عملية “عاصفة الحزم”، لم تبد واشنطن حماسة كافية لدعم التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ما دفع العرب إلى التسوق عسكرياً في عواصم أخرى، فاشتروا من الفرنسيين صوراً لمواقع انتشار مقاتلي الحوثيين بعدما رفض الأميركيون تزويدهم هذه الصور، حسب المسؤولين الاميركيين.
أما في سورية، فالموقف الأميركي القاضي بعدم تسليح الثوار واضح، وكان آخره إيعاز الولايات المتحدة للأردن بتهديد قطع خطوط إمداد ثوار الجنوب في حال عدم إيقافهم الهجوم الذي كان يهدف إلى ربط مناطق الجنوب مع المناطق التي يسيطر عليها الثوار في ضواحي دمشق.
وفي ظلّ العرقلة الأميركية للمجهود الحربي السعودي في اليمن وسورية، يتوقع المسؤولون الأميركيون أن يكرر العاهل السعودي أمام الرئيس أوباما ما سبق أن قاله أمام كارتر: تتوقع الرياض، مقابل دعمها للاتفاقية مع إيران، وقوف واشنطن إلى جانبها في حربها الدائرة ضد إيران وحلفائها في اليمن وسورية.
وما لم يسمع الملك تعهداً من أوباما بدعم السعودية وحلفائها في هذين البلدين، يتوقع المسؤولون الأمريكيون أن يطلب الملك سلمان من أوباما “حياد أمريكا” أو عدم تدخل أو عرقلة حتى يتسنى للسعودية وحلفائها تحقيق انتصارات على الأرض من شأنها أن تجبر إيران –المعززة بالموارد الإضافية جراء الاتفاقية– بالحضور إلى طاولة المفاوضات وتقديم بعض التنازلات، وفي طليعتها التخلي عن الأسد، كمدخل للحل والتسوية في سورية.
لقاء القمة بين أوباما والملك سلمان سيكون ودياً، حسب المسؤولين الأميركيين، لكن الحوار سيكون معقداً وشائكاً، أو هذا على الأقل ما تتوقعه واشنطن، فهل يبادل أوباما ضيفه السعودي اللفتة الإيجابية فيقترب الموقف الأميركي من الموقف السعودي في اليمن وسورية، أم تصر واشنطن على حصدها التأييد السعودي للتفوق على خصومها في الداخل، من دون أن تقدم أي بادرة إيجابية في المقابل، فتتحول قمة تأكيد الصداقة بين الزعيمين الأميركي والسعودي إلى قمة تثبيت الافتراق؟
واشنطن – حسين.ع