انتشرت في اوساط الشبان العاطلين عن العمل في قطاع غزة فكرة القرصنة من الانترنت للحصول على الأموال وذلك بعد تفشي نسب البطالة ووجود امكانيات متميزة في مجال الانترنت والتكنولوجيا .
ولفت وجود عددا من الشباب الذين تحولوا من الفقر المدقع الى الثراء الفاحش في غضون شهور قليلة قد تصل لعشرات الالاف من الدولارات عبر ما يعرف بقرصنة “المكالمات الصوتية عبر الإنترنت”، وتمّ اشتقاقها من المعرّف الرقميّ للجهاز المتّصل بشبكة معلوماتيّة IP address ، حيث بدأ يشكّل هؤلاء القراصنة في غزة نادياً اجتماعيّاً صغيراً وغيتو يصعب اختراقه.
وتعد قرصنة “المكالمات الصوتية عبر الانترنت VoIP” مهنة جديدة يحترفها شباب لعاطلين عن العمل في قطاع غزة، ويطور أدواتها خريجوا كليات تكنولوجيا المعلومات، بدأت القرصنة تذر أمولاً تصل إلى ملايين الدولارات على هؤلاء القراصنة، بعدما سهل لهم تجار فلسطينيين طريقة تمكنهم من استلام الأموال نقداً، ولا نصوص قانونية فلسطينية يمكن ملاحقتهم بموجبها ولا خبرة ولا تواصل دولي مع أجهزة الأمن في قطاع غزة.
مراحل القرصنة
وظهرت قرصنة “المكالمات الصوتية عبر الإنترنت (VoIP)”، بالتّزامن مع فرض الحصار الإسرائيليّ على قطاع غزّة وعزله تماماً عن العالم الخارجيّ منذ عام 2007، كانت المرحلة الأولى لقرصنة المكالمات الصوتية عبر الإنترنت في قطاع غزة قد نشأت على يد أحد محترفي البرمجة من أجل استخدامه الشخصيّ للتّواصل مع عائلته المقيمة خارج قطاع غزّة من دون تكلفة. وما أن استطاع الحصول على فائض أكثر من حاجته حتّى بدأ يوزّع خدمة اجراء الاتصال مجّاناً على أصدقائه الرّاغبين في إجراء اتّصالات دوليّة. وبعد ذلك، عمل على استثمارها بالتّعاقد مع مكاتب الإتّصالات المحليّة على أن يوفّر لزبائن المكتب خدمة اجراء اتصال دولي وقت حاجتهم وبأسعار أقل من المتداولة ثم تقسّم أرباحها بين صاحب المكتب والقرصان.
أمّا المرحلة الثانية من القرصنة، وهي الأكثر احترافيّة وربحاً، فظهرت في غزّة عام 2009، على يدّ الطالب (م.ش) 34عاماً حيث سافر لدراسة تكنولوجيا المعلومات في الجزائر، لكنه تورط في جرائم قرصنة عبر الإنترنت، فرّ منها بعد اكتشافه وملاحقته قانونياً، واضطرّ للعودة إلى مكان إقامته في مدينة رفح بجنوب قطاع غزّة وهو معروف لدى السكان المحليين لارتباط اسمه بالقرصنة والثراء الفاحش، وكان قد احترف قرصنة المكالمات الصوتية عبر الانترنت أثناء اقامته في الجزائر، بعد عودته اتخذ القرصنة كمهنة وبدأت تذرّ عليه أرباحاً خياليّة تصل إلى ملايين الدولارات، من خلال رصد خطوط الاتصالات الصوتية عبر الإنترنت، وتحويل مسارها نحو لوحة برمجيّة خاصّة يمتلكها، ليعاود بيعها إلى حسابه الخاص وتسويقها بواسطة الإنترنت بسعر أقلّ من سعرها العالميّ.
لقد أصبحت أرقام الـIP المهنة الأكثر شيوعاً وربحاً، تنتشر بطريقة سريّة وواسعة بين العاطلين عن العمل. .وفي هذا السّياق، قال لـ”المونيتور”الشاب محمّد حسن، وهو اسمه الوهميّ، 25 عاماً، وتخرّج من كليّة تكنولوجيا المعلومات – الجامعة الاسلامية بغزة: “أعمل حاليّاً كمطوّر لبعض برامج الهاك وبعض أدوات البرمجة الّتي يمكنها أن تسهّل عمليّة تجريب الأرقام المملّة الّتي نستخدمها للوصول إلى عناوين، لم أعد أفضّل العمل في قرصنة المكالمات بشكل مباشر، إنّما أعمل على تطوير برامج تسهّل عملية القرصنة، ثمّ بيعها للقراصنة في غزّة. أمّا عن أسعار البرامج المسهلة لعملية القرصنة فتختلف بين زبون وآخر حسب قدرته وطبيعة البرنامج”..
ولتهسيل عملية تحويل الأموال الناتجة عن القرصنة، انتشر في مدينة رفح مكاتب صيرفة تعمل كسوق سوداء، تستلم الأموال في إحدى الدول كالصين وليبيا عبر حسابات لتجّار فلسطينيين على اتصال مع مكاتب الصيرفة ثمّ تسلّم المبالغ هذه إلى القراصنة هنا في رفح.
لقد أدّى تسليم الأموال بهذه الطريقة السهلة إلى تشجيع القرصنة في قطاع غزّة، بعدما كانت طريقة استلام الأموال هي الأكثر صعوبة ما قبل عام 2009، إذ كانت تبقى الأموال في حسابات المصارف خارج قطاع غزّة، وكان من الصعب استلامها نقداً، فلجأ عدد من القراصنة إلى شراء بضائع عبر الانترنت ثم شحنها إلى مصر و بعد ذلك تهريبها عبر الأنفاق الّتي كانت تربط رفح المصريّة برفح الفلسطينيّة إلى قطاع غزة، وأصبحت هناك علاقة واضحة بين التهريب عبر الأنفاق و القرصنة الإلكترونيّة. كذلك، ارتبطت القرصنة والأنفاق بعقار الترامادول المخدّر، وهو ينتشر في أوساط العاملين في “الأيبيهات”، إذ يستخدمه بعضهم ليتمكّن من العمل لساعات أطول.
وقدّر الصرّاف خالد علي، وهو اسمه الوهميّ أيضاً ” المبالغ الّتي يجنيها القراصنة في قطاع غزّة بحوالى خمسة ملايين دولار شهريّاً، مشيراً إلى أنّه يسلّم مبالغ ماليّة أسبوعيّاً إلى عدد من القراصنة تقدّر بين 500 دولار و100000 دولار، بعد أن تدخل حسابه المصرفيّ في أحد المصارف خارج البلد. ويقدّر عدد العاملين في قرصنة المكالمات في قطاع غزّة بحوالى 20 ألف فئة كبيرة، منهم من موظّفي السلطة المستنكفين عن العمل، ويتوقّع أنّهم يوميّاً على ازدياد مستمرّ، فدائماً هناك زبائن جدد.
وبعد سيطرة حركة “حماس” على قطاع غزّة في صيف عام 2007 تحوّل قطاع غزّة إلى بيئة خصبة لإتّساع القرصنة، بحيث أنّ قرصاناً في رفح يمكنه إجراء عمليّة قرصنة تسبّب خسارة بالملايين لأي شركة عالمية يتمكن من الوصول إلى سيرفراتها. يستغلّ القراصنة عدم التّواصل هذا بين الأجهزة الأمنيّة التي شكلتها حركة حماس بعد سيطرتها على قطاع غزّة والإنتربول الدوليّ لصحالهم. وكذلك على المستوى المحليّ، لا توجد تشريعات قانونيّة تكافح جرائم القرصنة في قطاع غزّة، نتيجة لحداثة هذا النوع من الجريمة، في مقابل قانون فلسطينيّ تقليديّ يعود إلى عام 1936، وهو قانون العقوبات رقم 74.
ويعتبر قطاع غزة بيئة خصبة لنشاط الجريمة الالكترونية نتيجة لعدم وجود أدوات متطورة لمكافحة هذا النوع من الجريمة سواء على مستوى القوانين المحلية المعمول بها أو على مستوى الخبرة لدى أفراد أجهزة الأمن، علاوة على ذلك عدم قدرة ضحايا الجرائم الالكترونية بتقدم دعاوى قضائية لملاحقة هؤلاء المجرمين الالكترونين بالإضافة إلى عدم اقتران هذه الجرائم بأحراز كونها تقع في فضاء رقمي يعصب متابعته ورصده.