أقدمت وزارة الخارجية المصرية الأحد, على استدعاء السفير البريطاني في القاهرة (جون كاسن) للاحتجاج على تغريداته المنتقدة للأحكام الذي أصدرته الدولة المصرية أو ما يعرف بالـ(قضاء الشامخ) على 3 من صحفيي الجزيرة السبت.
جون كاسن معروف عنه أنه الدبلوماسي الغربي الأكثر شغبا وحضورا بين الشباب المصريين على الشبكات الاجتماعية، وكذلك الأكثر احتكاكا بالواقع المصري، وعادة ما يخاطب الشباب المصريين بلغتهم العامية ويعلق على القضايا مثار الجدل في الشارع، كما ظهرت له صور في شوارع القاهرة الفقيرة وداخل مطاعمها ومقاهيها الشعبية كانت عادة مثارا للاهتمام.
كاشن وجه انتقادات لحكم أصدرته محكمة مصرية بحق 3 من صحفيي قناة الجزيرة إضافة إلى 4 آخرين بالحبس المشدد لمدد تصل إلى 7 سنوات حيث اعتبره صدمة معربا عن قلقه من هذه الأحكام.
وعلى اثر تلك الانتقادات سارعت الخارجية المصرية إلى استدعاءه للاحتجاج على ذلك الانتقاد أي أنها (تعارض من يعارضها) بشدة فكلمة (هش) وهنا قصد بها الدبلوماسي الغربي الاستقرار في مصر لم تعجب نظام السيسي واعبرها (تدخلاً غير مقبول في أحكام القضاء المصري)
ووصفت الخارجية المصرية ما صدر عن كاسن بأنها تصريحات “تتنافى مع الأعراف والممارسات الدبلوماسية لسفير معتمد في دولة أجنبية، مهمته الرئيسية توثيق العلاقات مع الدولة المعتمد لديها”.
ورداً على ما قاله السفير البريطاني بأن “الأحكام الصادرة سوف تقلل من الثقة في الخطوات التي تقوم بها مصر نحو تحقيق الاستقرار بناء على تنفيذ الحقوق المنصوص عليها في الدستور المصري”، علق المتحدث باسم الخارجية المستشار أحمد أبو زيد بأن “المهم هو ثقة الشعب المصري في نزاهة قضائه واستقلاليته، مؤكداً أن “مصر لا تنتظر دروسا من أحد”.
بيان ثان للخارجية المصرية عقب انتقاد بعض المنظمات والدول مثل الولايات المتحدة للحكم أعربت فيه القاهرة عن “رفضها الكامل لأي بيانات أو تصريحات صادرة عن جهات خارجية تتعلق بالحكم الصادر فيما يسمى بقضية خلية الماريوت” الخاصة بسجن صحفيي قناة الجزيرة الانجليزية.
وأكد المتحدث باسم الخارجية أن “مصر دولة قانون ودستورها يصون ويحمي جميع الحقوق والحريات”، وأن “المحاولات المستمرة لخلط الأوراق للإيحاء بأن الأحكام تستهدف تقييد حرية الصحافة، هي ادعاءات لا تتسق مع الواقع، حيث أن هناك الآلاف من الصحفيين المصريين وغير المصريين الذين يعملون في مصر بحرية تامة ولم توجه إليهم أية اتهامات”.
وهنا تكمن الحكاية وخاصة عقب الاحكام التي صدمت العالم أجمع فجاء تعلق كاسن على تلك الاحكام بالقول (أنا مصدوم وقلق جدا من هذه الأحكام), مضيفا “هذه القضية جذبت اهتماما دوليا لأسباب ليس أقلها وجود مواطنين أجانب بين المتهمين من بينهم مواطنان بريطانيان، ولكن هذه القضية لها أهمية أعمق بالنسبة للمصريين لأنها أصبحت رمزا لأساس الاستقرار في مصر الجديدة”.
كما قال إن “بريطانيا تدعم بنشاط الاستقرار في مصر. ولكن السؤال الهام اليوم هو: هل سيكون هذا الاستقرار هشا ومؤقتا على أساس منع الحريات الإعلامية وحرية التعبير وحرمان الأفراد من الحقوق الواردة في الدستور المصري؟ أم أننا نستطيع أن نبني استقرار قوي طويل الأمد مبني على حرية التعبير والإعلام تحت حكم القانون الذي ينفذ بشكل مستقل على الجميع بغض النظر عن الأجندات السياسية أو المصالح”.
وأعرب كاسن عن قلقه معتبرا “أن الحكم سيضعف الثقة داخليا وفي الخارج في الأساس الذي ينبني عليه الاستقرار في مصر، أعرف أن للمتهمين حق نقض الحكم”، وأكد أنه “من الضروري للسلطات المصرية أن تتحرك لحل مشكلة المواطنين البريطانيين اللذين تأثرا بهذه القضية بشكل عاجل”.
الكثير من المصريين ووسائل اعلامها أطلقت لقب (المندوب السامي التويتري) على كاسن وخاصة أنه الدبلوماسي الأكثر قربا إلى النشطاء المصريين بسبب تغريداته الناقدة لمصر، وأخرها التغريدة التي أعلن فيها نقده للحكم على صحفيي الجزيرة.
وقبلها قوله إن “السفارة البريطانية ترحب بابن عامل النظافة لكي يعمل بها”، وذلك ردًا على تصريحات وزير العدل المستقيل، المستشار محفوظ صابر، “أنه لا يمكن لابن عامل نظافة تولي منصة القضاء”.
تغريده “جون كاسون” حينها أثارت الجدل على موقع “تويتر”، وتصدر هاشتاج باسم “السفير البريطاني” موقع التواصل الاجتماعي تأييدا لتغريداته، وهاشتاج آخر بعنوان “اطردوا السفير البريطاني” اعتراضًا على تدخله في الشأن المصري.
ويعد حساب السفير البريطاني بالقاهرة، هو الأكثر نشاطًا على “تويتر” واندماجًا في الواقع المصري، ففي تغريده نشر صورة في مساحة خضراء، موجهًا سؤال لمتابعيه بالعربية “هتعمل إيه في شم النسيم؟”، وكذلك صورة أخرى أعلى كوبري قصر النيل، وفي مصر القديمة.
ويستخدم “جون كاسون”، اللغة العامية المصرية في تغريداته، وينشر تغريدات كثيرة له وهو وسط المصريين ويتناول طعام أو حلوي مصرية مثل “غزل البنات”.
وتتميز تغريدات “كاسون”، بحسب صحيفة “الوطن” المصرية الخاصة، “بالحس الفكاهي”، ففي أحد ردوده على شخص طالبه بأن يعمل سفير مصر في بريطانيا، قام بالإشارة لحساب وزارة الخارجية المصرية على “تويتر” معلقًا: “حد عايز يشتغل معاكو”.
وكانت آخر تغريدات السفير البريطاني، موجهة إلى بطل مصر في لعبة الإسكواش محمد الشوربجي، بعد فوزه بـ”لقب بطولة بريطانيا المفتوحة للإسكواش” للمرة الأولى في تاريخه بعد التغلب على حامل اللقب الفرنسي جريجوري جولتييه، قائلًا: “مبروك يا شوربجي مش كده يا مصريين.. ادونا فرصتنا شوية”، ورد عليه البطل المصري في تغريده قائلًا: “ولا كمان 20 سنة يا جون إحنا جامدين قوي”.
الدولة المصرية باتت اليوم ترى في نفسها الدولة العظمة التي لا يجب أن يقف في طريقها أحد, ففي الامس القريب أصدر النظام المصري أكبر عدد أحكام بالإعدام على معارضين اعتبرهم (إرهابيين) كما نفذ أكبر مجزرة في العصر الحديث تمثلت في ميدان رابعة العدوية والنهضة.
كل تلك الممارسات لاقت فقط (انتقادات) من قبل الدول الغربية ولكن سرعان ما تلاعب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في تلك الرؤية التي أخذت عنه وحول الامر إلى محاربة الإرهاب وهي الرواية التي صدقتها الحكومات الغربية وباتت اليوم مكشوفة أمامهم الامر الذي يهدد مستقبل السيسي على الصعيد الدولي.