وصف حقوقيين المشروع الذي يقترحه الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي والذي سماه ب ” قانون المصالحة الوطنية ” بأنه يعد خرقا للدستور وتبييضا للفساد في الوقت برر السبسي المشروع بأنه الخلاص الوحيد لاقتصاد الدولة ولطي صفحة الماضي والنظر الى المستقبل.
ويهدف التونسيين بشكل عام الى تحقيق مصالحة مجتمعية لإنقاذ الاقتصاد التونسي المتهاوي منذ العام 2008 حيث وصل معدل تراجع الاقتصاد منذ ذلك العام الى 10% سنويًا إضافة إلى العجز المالي في ميزانية الدولة ،، فيما شهدت السوق التونسية للاستثمار منافسة قوية من قبل دول كالمغرب وتركيا، التي أصبحت وجهة للمستثمرين الأوروبيين، بما تتسم به هذه الأسواق من استقرار أمني و اقتصادي“.
وعليه يرى مراقبون أنه “لا بد من تسوية وضعيات رجال الأعمال بالمحاكمة ودفع الأداءات؛ لأن بقاءهم في حالة التعليق لا يخدم الاقتصاد“، وأوضح خبراء أنّ الاستثمار في تونس “يشكو من عدة عراقيل، أهمها عدم توفر بنية تحتية ملائمة، إلى جانب قانون الشغل الذي لا يشجع على التشغيل“، مؤكدين أنّ “الاستثمار في القطاع الخاص هو المنقذ الوحيد للاقتصاد، خاصة وأنه يوفر متسعًا من الوقت في تكوين جيل جديد من رجال الأعمال يتطلب أكثر من 10 سنوات ليكون قادرًا على الاستثمار ودعم الاقتصاد الوطني“.
وفي مناظرة بين عدد من الخبراء وممثلي الأحزاب السياسية حول مشروع قانون المصالحة، قال الخبير الاقتصادي معز الجودي إن “تطبيق هذا القانون سيمكّن تونس بحسب بعض الدراسات من استعادة 500 مليون دينار“، مضيفًا أنه “لن يشمل كافة رجال العمال، بل يشمل صنفًا منهم”.
وقد وافق المجلس الوزاري الذي انعقد في الرابع عشر من شهر يوليو الماضي على مشروع قانون المصالحة الاقتصادية المالية، الذي اقترحه الرئيس الباجي.
واعتبر الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي، محمد عبّو، أنّ مبادرة رئيس الجمهورية “مخالفة للفصل 148 من الدستور، الذي ينصّ على أنّ الدولة تلتزم بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية“، موضحًا أنّ “المساس بهذا القانون يعتبر خرقًا واضحًا للدستور“. ودعا عبّو كل القوى السياسية إلى “التصدي لهذا القانون”.
وأضاف الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي أنّ “هناك نحو 10 آلاف قضية فساد منذ 2011، وقد تؤدي هذه المبادرة إلى ضياع فرصة على الدولة للحصول على التعويضات الضرورية التي يمكن الحصول عليها عن طريق هيئة الحقيقة والكرامة“ وشدّد عبّو على ضرورة العمل وتكاتف جهود المجتمع المدني وأحزاب المعارضة على إفشال هذا المشروع.
موقف الحقوقيين
واعتبر رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء، أحمد الرحموني، أنّ “الأهداف والمضامين والآليات الواردة، سواء بشرح الأسباب أو بنصّ المشروع المذكور، لا تتوافق مع مقتضيات العدالة الانتقالية؛ باعتبارها مسارًا متكاملًا من الآليات والوسائل لفهم ماضي انتهاكات حقوق الإنسان ومعالجتها بما يحقق المصالحة الوطنية، فضلًا عن اعتماد المشروع لمفاهيم مبهمة من قبيل: العدالة التصالحية والاستناد إلى إجراءات مختصرة وغير شفافة في مسائل تتّسم بالتعقيد والخطورة، كالأفعال المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام“.
وطالب الرحموني “بسحب مشروع القانون المتعلق بالمصالحة والتخلي عن التوجهات الرامية إلى تهديد مسار العدالة الانتقالية والتراجع عن مشروع القانون الذي تعدّه وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية بشأن إعادة النظر في إجراءات المصادرة وإجراء الصلح بخصوص الممتلكات المشمولة بها“، داعيًا إلى “الاعتماد في معالجة الانتهاكات المتّصلة بالمجال الاقتصادي والمالي على منظومة العدالة الانتقالية والأحكام الخصوصية المتعلقة، سواء بنظر الدوائر القضائية في الانتهاكات الخاصة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام أو بتعهّد لجنة التحكيم والمصالحة بمطالب الصلح في ملفات الفساد المالي”.
في حين اوضح السبسي أن المعيين بقانون المصالحة ، فهم “الموظفون الذين قاموا بأعمال قد تدخل تحت طائلة القانون لكنهم لم يستفيدوا منها” و”المواطنون عمومًا بمن فيهم رجال ونساء الأعمال من الذين ربّما استفادوا من العهد السابق؛ حيث سيتمّ النظر في ملفاتهم على أساس إعادة الأموال و إجراء الصلح ومن ثمّة تبرئة ذمّتهم بالرجوع عن التتبعات“، و”مخالفات الصرف وهنا للسلطة وللدولة الحقّ في كلّ وقت في إجراء الصلح حتّى لو صدر حكم في الغرض”.
وقال السبسي: “من منظوري الشخصي، فهو يريد طيّ صفحة الماضي برمتّه والنظر للمستقبل. ولكن، مراعاة لقانون العدالة الانتقالية، قام بإعداد مبادرة أشركت فيها هيئة الحقيقة والكرامة التي يمكنها أن تنظر في المشاكل السياسية والحقوقية، في حين أنّ المسائل الاقتصادية ليست ضرورية بالنسبة لها“.
وقد أعلنت سهام بن سدرين، رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، أنّ محاسبة المتورطين في الفساد المالي وإجراء مصالحة معهم “
وقال مجلس هيئة الحقيقة والكرامة، بعد اطلاعه على مشروع القانون الأساسي المتعلق “بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي“، إن “مشروع قانون المصالحة موضوع المبادرة التشريعية المذكورة يفرغ منظومة العدالة الانتقالية من محتواها ويؤدّي إلى التخلّي عن أهم آلياتها في كشف الحقيقة والمساءلة والتحكيم والمصالحة وإصلاح المؤسسات لضمان عدم التكرار، كما أنّه يضمن الإفلات من العقاب لمرتكبي أفعال تتعلّق بالفساد المالي وبالاعتداء على المال العام”.
وأضافت الهيئة في بيانها أنّ مشروع قانون المصالحة “أعدّ دون استشارة أيّ من المؤسّسات والهياكل القائمة ذات العلاقة بموضوعه، وخاصة منها هيئة الحقيقة والكرامة، لاسيما وأنّه تمّ التنصيص به على مشاركة أعضاء الهيئة في تركيبة لجنة التحكيم المقترحة في حدود الثلث؛ وهو خيار، علاوة على عدم وجاهته من الناحية القانونية، يتناقض مع صفة أعضاء الهيئة باعتبارهم منتخبين ضمن جهاز مستقل، كما يشكّل ازدواجًا في المهام والوظائف مع لجنة التحكيم والمصالحة المحدثة صلب هيئة الحقيقة والكرامة بموجب نص قانوني سابق الوضع“.
يشار إلى الرئيس الباجي السبسي قدم قانون ” المصالحة الوطنية” وينتظر أن يقدّم قريبًا إلى مجلس نواب الشعب (البرلمان) للمصادقة عليه خلال الفترة المقبلة .