كانت مفارقة للصحفيين الذين حضروا المؤتمر الصحفي الذي عقده المجلس القومي لحقوق الإنسان -جهة حكومية- أمس الخميس، أن ينفي المجلس- بعد زيارة وفد منه لسجن “العقرب” الشهير في مصر- أن يكون هناك تعذيب “ممنهج” للإخوان في سجن العقرب، وأن يعترف في الوقت ذاته “أن ذلك لا يعنى عدم وجود حالات تعذيب”-بحسب ما قاله أمين عام المجلس محمد فائق، الذي كان وزيرًا للإعلام في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.
بعد وفاة 4 سجناء داخل جدرانه في الأشهر الثلاثة الأخيرة، عاد اسم السجن شديد الحراسة المعروف بـ«العقرب» أو «992»، والمخصص للإخوان والجماعات الإسلامية للظهور بقوة مؤخرًا، خاصة أن من بين حالات الوفاة الـ 264 التي وردت في تقرير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان، بشأن أحوال المساجين داخل السجون المصرية منذ 3 يوليو 2013، عددٌ كبير من نزلاء هذا السجن.
ففي هذا السجن توفي كل من: عصام دربالة، رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية، ومرجان سالم، القيادي بـ«السلفية الجهادية»، والقيادي الجهادي نبيل المغربي، والقيادي الإخوان فريد إسماعيل؛ ليرفع السجن شعار «قبلة المعتقلين سابقًا، ونهاية الإسلاميين، والإخوان حاليًا» عقب تكرار حالات الوفاة داخله.
يقع سجن «العقرب» ضمن منطقة سجون طرة «ب»، ويُسمى في وزارة الداخلية بـ«سجن شديد الحراسة بطرة»، ويقع على بعد 2 كم من بوابة منطقة سجون طرة الرئيسة، إلا أن وضعه مميز كسجن شديد الحراسة، لأنه محاط بسور يبلغ ارتفاعه 7 أمتار، وبوابات مصفحة من الداخل والخارج، كما أن مكاتب الضباط تقع بالكامل خلف الحواجز، والقضبان الحديدية.
وتوفي عدد كبير من المعتقلين في السجون خلال الفترة الماضية، أشهرهم القيادي فريد إسماعيل، والبرلماني «الفلاحجي»، والدكتور طارق الغندور، وزكي أبو المجد، وأبو بكر القاضي؛ بسبب الإهمال الطبي، ثم القيادي الجهادي نبيل المغربي، والقيادي الجهادي مرجان سالم، وأخيرًا القيادي في الجماعة الإسلامية عصام دربالة.
مع تكاثر التقارير الحقوقية، وشكاوى أسر المعتقلين، وسرد تقارير حقوقية أجنبية معلومات عن انتهاكات واسعة داخل هذا السجن، بجانب سجون أخري منها: منع العلاج والأدوية ومنع الزيارات والتزوير فيها، ومنع دخول الأطعمة، تقدم المجلس القومي لحقوق الإنسان بطلب لوزارة الداخلية لزيارة السجن، وتمت يوم الأربعاء 26 أغسطس، بيد أن أغلب المساجين الذين اشتكي أهلهم من تضررهم من إجراءات السجن رفضوا مقابلة أعضاء الوفد، باعتبار أن المجلس الحقوقي الحكومي مُعين من “حكومة انقلابية”.
وتلخصت تلك الشكاوى في إلغاء الزيارات الأسبوعية، والاستثنائية الخاصة بالعطلات الرسمية، والأعياد منذ فترة تصل لعام تقريبًا، وتقصير مدة الزيارة بالنسبة لأسر المسجونين إلى ما يقرب من 10 دقائق، وجعلها من خلف الحاجز الزجاجي، ومنع السجناء من الاتصال المباشر بالمصافحة لزوجاتهم وأولادهم وآبائهم، وتضمنت الشكاوى التي وردت مؤخرًا للمجلس منع الزيارة نهائيًا لأسر هؤلاء السجناء.
وعلى الرغم من أن الصحفي محمد عبد القدوس، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، قال إن كل ما حدث خلال الزيارة هو أن المجلس طلب من بعض الأشخاص الخروج من الزنزانة للحديث، وهؤلاء النزلاء؛ هم” خيرت الشاطر، مراد علي، أسعد شيخة، أحمد دياب، سعد الحبشي، علاء حمزة، أيمن هدهد، حسام أبو بكر”.
وقد أكد أمين عام المجلس “محمد فائق”، ورئيس الوفد “حافظ أبو سعدة” رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن الشكاوي التي قدمتها أسر قادة الإخوان غير صحيحة على الأقل بنسبة 50% كما قال أبو سعدة، وزعموا أن “السجون خالية من أي تعذيب منهجي”، مشيرًا إلى أن قادة الإخوان بمن فيهم “خيرت الشاطر”، والذين تقدموا بشكاوى رفضوا مقابلتهم؛ لأنهم لا يعترفون بالمجلس الذي عينته “سلطة الانقلاب” بحسب تعبيرهم، وقالوا إنهم اتفقوا مع وزارة الداخلية على زيارة السجون بمجرد الإخطار.
وأعلن “فائق” أنه من خلال الزيارات العديدة التي نظمها المجلس لعدد من السجون “تم التأكد من أن السجون المصرية خالية من أي تعذيب منهجي، لافتًا في الوقت ذاته إلى أن “ذلك لا يعنى عدم وجود حالات تعذيب”، قائلاً “كلنا بشر وكلنا نخطئ”.
وأكد “فائق” أنه جرى الاتفاق مع اللواء مجدي عبد الغفار وزير الداخلية على السماح للمجلس بتنظيم زياراته للسجون، وأماكن الاحتجاز بمجرد الإخطار دون إذن مسبق، وجدد مطلبه بتعديل قانون السجون؛ حتى يتوافق مع الدستور الجديد، وتعديل قانون تنظيم عمل المجلس القومي لحقوق الإنسان، ومنحه الحق في زيارة السجون، وأماكن الاحتجاز بمجرد الإخطار دون إذن مسبق.
وضم وفد المجلس الذي زار السجن، حافظ أبو سعدة رئيسًا، وبعضوية محمد عبد القدوس، والدكتور صلاح سلام، ونبيل شلبي، وإسلام ريحان، ومعتز فادى، وقال إنه التقى باللواء حسن السوهاجى مساعد وزير الداخلية لقطاع مصلحة السجون، وممثلي قطاعي مصلحة السجون، وحقوق الإنسان بوزارة الداخلية؛ لعرض الشكاوى الواردة للمجلس من السجن من أسر عدد من السجناء وهم “مراد محمد علي، جمال العشري، أسامة يس، عصام سلطان، أيمن عبد الرؤوف علي هدهد، مجدي قرقر.
وأوضح أبو سعدة في المؤتمر أن “زيادة التكدس والكثافة وصلت لأعلى درجاتها في السجون المصرية“، وأن مطالبهم لمصلحة السجون تضمنت عمل مظلات على البوابة الخارجية لمنطقة سجون طرة؛ لحماية الأسر المنتظرة للزيارات، بالإضافة إلى توفير أسرّة ومراتب جديدة لكافة السجناء خلال شهر عوضًا عن الأسرّة والمراتب المتهالكة، وإتاحة مُدد الزيارة كاملة للأسر والمحامين -وفقًا للائحة السجون.
أهالي السجناء يكذّبون المجلس
وقد عاد أهالي السجناء ليكذبوا أعضاء المجلس، ويعترضوا على تقريره الذي أعلن فيه أنه لا توجد انتهاكات في السجون، والذي استغله إعلاميون مصريون في الحديث عن أن سجن العقرب “فندق 5 نجوم”، وقال بعضهم أنهم يرغبون في قضاء إجازتهم فيه!
وقال الصحفي محمد عبد القدوس عضو المجلس إنه “تواصل مع أهالي المحبوسين بسجن العقرب؛ للوقوف على اعتراضاتهم على تقرير المجلس القومي حول تفاصيل زيارة العقرب“، وإنه اقترح على الأهالي تقديم مذكرة، وشكوى رسمية جديدة للمجلس القومي، مؤكدًا أنه سيتم فحصها والتحقيق فيها مرة أخرى.
وكان أعضاء المجلس قد أعلنوا أنهم اطلعوا على سجل الزيارات، وتأكدوا أن الزيارات غير ممنوعة على عكس شكاوى أُسر المسجونين، ولكن الأسر كشفت في تصريحات صحفية عن أن ما يحدث؛ هو تزوير في أوراق السجون الرسمية بادعاء أنهم زاروا أهاليهم المعتقلين، دون أن يحدث ذلك فعليًا.
وأكدت شيماء، ابنة بهجت الأناضولي، الأستاذ بكلية العلوم المسجون في العقرب، أن “دفاتر الزيارات نظريًا تثبت أنهم زاروا المحبوسين بالفعل، لكنهم في الحقيقة ممنوعون من الزيارة، واصفة المشهد بأنه بات أشبه بالدوران في دائرة مغلقة”.
وتشرح شيماء ذلك بقولها: “إدارة السجن تقوم بجمع تصاريح الزيارة التي يحصلون عليها من النيابة العامة بشكل قانوني، وتسجيلها في دفاتر الزيارة، ثم تخبرهم بأنه لن تكون هناك زيارة في ذلك اليوم”، ويتكرر هذا بحسب شيماء مرات كثيرة“.
وقالت إنها عندما نجحت في زيارة والدها أخبرها بأن إدارة السجن جردتهم من كافة متعلقاتهم والملابس، ولم يُترك لهم سوى البدلة الميري، وبطانية ميري، ومصحف وسجادة صلاة لكن بعد فترة، ثم جردوهم مرة أخرى من باقى متعلقاتهم، حتى ساعات اليد أخذوها، مما جعل معرفتهم للوقت في داخل الزنازين الانفرادية مستحيلة.
وقالت زوجة “مجدي محمد”، أحد متهمي قضية كتائب حلوان، إنها لم تره منذ 5 أشهر، وفي كل موعد للزيارة تحصل إدارة السجن على التصريح وترفض الزيارة، كما ترفض إعادة التصريح لتجديده مرة أخرى، كما أن التفتيش يعد نوعًا من الإهانة للأهالي؛ وهو ما جعل نجلتها ترفض الذهاب للزيارة لرؤية أبيها.
واتهم هيثم أبو خليل رئيس مركز “ضحايا” لحقوق الإنسان المجلس الحكومي لحقوق الإنسان بالكذب في تقريره.
وفي حوار سابق للزيارة مع موقع “مصر العربية”، وصف عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان محمد عبد القدوس سجن العقرب بأنه “أسوأ السجون في المنطقة، ويكاد ينافس سجون جوانتنامو، فالسجناء محرومون من كل شيء، والزيارات ممنوعة، والأهالي “بيطلع عينيهم علشان يشوفوا عيالهم”- بحسب تعبيره.
وقال إن: “السجن غير آدمي بالمرة، ولابد من محاسبة المسؤولين عنه، والذين أصدروا أوامرهم بسوء معاملة المسجونين “، وأضاف: “سجن العقرب منذ أن أتى وزير الداخلية مجدي عبد الغفار وتغيرت قيادات مصلحة السجون، أصبحت سياستهم “الزنزانة على البلاطة”، سحبوا كل ما يوجد في الزنزانة من طعام، ومتعلقات شخصية وأسرّة، وأصبحوا ينامون على الأرض“.
وردًا عن سؤال حول: هل يمكن اعتبار زيارات المجلس القومي للسجون تساعد فى تحسين الوضع؟ قال عبد القدوس: “زيارات المجلس القومي لم تساعد في ذلك، المجلس مجرد وسيلة ضغط؛ ﻷن الحكم عسكري وسيء، والسجون جزء من هذا الحكم السيء”.
وقال عبد القدوس: “وضع حقوق الإنسان من أسوأ ما يكون، ومصر في ذلك تنافس ما يحدث في دول الجوار كسوريا والعراق، يكفي أن نتحدث عن وفاة 3 مسجونين في شهر واحد بسجن العقرب نتيجة للإهمال الطبي، والتعذيب داخل مقرات أمن الدولة، والسجون بها تفرقة واضحة بين السياسيين والجنائيين، فالجنائيون يُعاملون أفضل مليون مرة من السياسيين، وهذا ما وجدناه خلال زيارات السجون، وعدد المعتقلين خلال عهد السيسي، لم يسبق له مثيل في تاريخ مصر كلها، إذا يصل إلى 40 ألفًا، والدماء التي سالت لم يسل مثلها أيضًا“.
وقال عبد القدوس إنه “لا توجد إرادة سياسية لدى الدولة لتحسين أوضاع السجون، والجنائيون يعاملون معاملة طبيعية، وهناك سجون الوضع بها يمكن أن يكون آدميًا، فمثلاً داخل مجمع سجون طرة هناك فرق بين سجن مزرعة طرة، وملحق مزرعة طرة، فمزرعة طرة “سوبر لوكس”، ولكنه يضم الجنائيين فقط، والملحق سيء جدا ويحتوي على سياسيين فقط، الإرادة السياسية تريد اضطهاد كل ما هو معارض لها“.
القتل الممنهج في العقرب
وفي 16 أغسطس الجاري، وعلى عكس ما ذكره تقرير المجلس الحكومي لحقوق الانسان، نقلت زوجة د. عصام حداد مساعد الرئيس الشرعي د.محمد مرسي للشؤون الخارجية، والمعتقل بسجن العقرب، السيدة منى إمام، رسالة مسربة منه، وذلك خلال زيارتها له بعد السماح لهم بالزيارة التي كانت متوقفة منذ شهور، حيث يقول الدكتور حداد في هذه الرسالة، إن ما يحدث مع القيادات السياسيين والمعارضين للانقلاب العسكري داخل السجن؛ هو “عملية قتل طبي ممنهج”.
وقالت زوجة الحداد عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: “لقد أكد لي زوجي وكررها عدة مرات، أن ما يحدث في العقرب هو عملية قتل طبي ممنهج للتخلص منهم”، مضيفة لكن أراد الله أن يموت عدد كبير من المعتقلين في أيام متتالية بوتيرة أسرع من المطلوب، فافتضح المجرمون، وأصبح لزامًا أن تتوقف سياسة القتل مؤقتًا.
وكشف الدكتور حداد لزوجته خلال الزيارة، كواليس وفاة القيادي الشيخ مرجان السالم الذي وافته المنية في سجن العقرب مؤخرًا في العنبر الذي يتواجد فيه، وبرّرت إدارة السجن وفاته بأنه تعرّض لأزمة صحية مفاجئة، حيث أخبر الحداد بأنه “تم منع الأدوية عنه، وظل أربعة أيام يشكو صداعًا شديدًا في رأسه، وظل الإخوة في العنبر يطرقون على الأبواب؛ لعرضه على الطبيب أو إعطائه أدويته التي سرقوها منه، ولكنهم تركوه حتى مات في الزنزانة”، مشدداً “ما جرى هو قتل عمد مع سبق الإصرار“.
وأضافت زوجة الحداد “ذكر لي زوجي أنهم كانوا يعطونه دواء تسييل الدم أسبوعًا، ويمنعونه عنه أسبوعًا آخر، مما يجعله عرضة للإصابة بالجلطات الدموية”. وحمّلت مصلحة السجون ووزارة الداخلية المسؤوليةَ الكاملة عن حياة زوجها، وحالته الصحية، كما اعتبرت أن الجهات ذاتها تتحمل أيضًا مسؤولية حياة نجلها جهاد الحداد المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين سابقًا.
عادل القاضي – التقرير