أكد مصادر اسرائيلية أن 75% من واردات إسرائيل، تصل من كردستان العراق، وأوضحت أن ذلك يأتي في سياق دعم تل أبيب لمحاربة تنظيم الدولة ، غير أن ذلك ليس السبب الرئيسي والوحيد وإنما بحسب مراقبون تهدف إلى توظيف العلاقات مع كردستان العراق في تحسين بيئتها الإقليمية والاستراتيجية بشكل جذري، لا سيما في ظل التحولات الإقليمية المتلاحقة.
وقال الكاتب والمحلل الفلسطيني صالح النعامي ” الحقيقة أن الإستراتيجية التي تتبعها إسرائيل في علاقاتها القوية مع كردستان العراق تتجاوز بكثير مسألة الحرب على تنظيم الدولة التي توظف كشماعة لتبرير الشراكة الإستراتيجية بين الطرفين، إن الحرص على التعاون مع الأكراد ومصلحة تل أبيب في تعزير القدرات الاقتصادية والعسكرية لإقليم كردستان العراق، يأتي لأن إسرائيل معنية أساسا بتمكين حكومة أربيل من تأمين الشروط والظروف التي تساعدها على إعلان استقلال الإقليم عن العراق”
واكد النعامي ، أنه لا توجد دولة في العالم تبدي حماسا قويا لفكرة تحويل الإقليم إلى دولة مثل إسرائيل التي تجاهر بشن حملة سياسية ودبلوماسية ودعائية تهدف إلى تأمين اعتراف دولي باستقلال كردستان عن العراق”
وقد أعلن نتنياهو دعم إسرائيل لـ”تطلع الشعب الكردي لتحقيق مصيره وإقامة دولته المستقلة”، في حين لم يتردد وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان في 22 يونيو/حزيران 2014 في الاتصال بنظيره الأميركي جون كيري وحثه على تغيير موقف أميركا من استقلال كردستان، على اعتبار أن العراق مقسم عمليا (هآرتس، 29-6-2014).
ونظرا لعلاقته الجيدة مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، فقد كلف نتنياهو الرئيس السابق شمعون بيريس بمحاولة التأثير على الإدارة وإقناعها بإعلان دعم صريح للاستقلال الكردي عن العراق.
ونظرا لعمق اعتماد إقليم كردستان على الدعم الإسرائيلي لفكرة الاستقلال عن العراق، فقد كشفت صحيفة معاريف – في عددها الصادر بتاريخ 9 مايو/أيار 2015- النقاب عن أن حكومة الإقليم قد أرسلت مستشارها السياسي الدكتور ناهرو زاغروس، للتباحث مع كبار المسؤولين الصهاينة حول سبل الدعم السياسي الذي يمكن أن تقدمه إسرائيل للتحرك الكردي الهادف لتأمين اعتراف دولي بالاستقلال عن العراق.
وقد خرج زاغروس، في المقابلة التي أجرتها معه الصحيفة عن طوره وهو يعبر عن مدى تضامن الأكراد مع إسرائيل. ومما لا شك فيه أن إسرائيل تراهن على الدور الذي ستلعبه الدولة الكردية العتيدة في إحداث تحول إيجابي عميق في البيئة الإستراتيجية والإقليمية للكيان الصهيوني.
وحسب المنطق الإسرائيلي، فإن دولة كردية في شمال العراق ستكون نواة لدولة كردية أكبر يمكن أن تضم لها لاحقا مناطق التواجد الكردي في شمال وشمال شرق سوريا، وشرق تركيا وغرب وشمال غرب إيران.
وستمكن الدولة الكردية “الكبيرة” إسرائيل من اصطياد عدة عصافير بحجر واحد، حيث تفترض إسرائيل أن مثل هذه الدولة ستواصل نهج إقليم كردستان التاريخي في التحالف مع إسرائيل، بحيث أن هذه الدولة يمكن أن ترتبط بشراكة إستراتيجية مع تل أبيب، تقلص من عزلتها، وتزيد من هامش المناورة أمامها في التأثير على المشهد الإقليمي. من هنا لم يكن مستهجنا أن يجزم معلق الشؤون العسكرية ألون بن دافيد أن دولة كردية تضم أجزاء من العراق وإيران وسوريا وتركيا ستمثل “حليف الأحلام بالنسبة لإسرائيل” (معاريف، 30-6-2015).
في الوقت ذاته، فإن الإعلان عن مثل هذه الدولة سيحول دون إحياء خطر تشكل “الجبهة الشرقية”، والمتمثل في إمكانية تعرض إسرائيل لغزو من الناحية الشرقية، حيث إن إعلان الدولة الكردية يعني عمليا إعلانا رسميا عن تقسيم العراق وبإقرار دولي.
“حسب المنطق الإسرائيلي، فإن دولة كردية في شمال العراق ستكون نواة لدولة كردية أكبر يمكن أن تضم لها لاحقا مناطق التواجد الكردي في شمال وشمال شرق سوريا، وشرق تركيا وغرب وشمال غرب إيران”
مما لا شك فيه أن دولة كردية كبيرة ستضمن تحقيق المصالح الإسرائيلية في سوريا التي تشهد صراعا بين نظام الطاغية بشار الأسد وقوى المعارضة المسلحة. فتقسيم سوريا سيكون النتيجة الأبرز لضم مناطق تواجد الأكراد في شمال سوريا للدولة الكردية، وهذا يسهم في تحقيق الهدف الإستراتيجي الإسرائيلي الأبرز المتمثل في تصفية وجود الدولة السورية وتحويلها إلى كانتونات ذات صبغة عرقية ومذهبية.
وسيتعاظم الإنجاز الإسرائيلي، في حال حدث توافق إقليمي على تدشين دويلة للعلويين في الساحل السوري. ومن الواضح أن دولة كردية ترتبط بتحالف مع إسرائيل ستمكنها من العمل بسهولة في قلب سوريا، لا سيما في حال تحقق سيناريو الرعب الإسرائيلي المتمثل في أن تتخذ جماعات إسلامية سنية من مناطق في سوريا كنقاط انطلاق للعمل ضد العمق الإسرائيلي.
اللافت أن النجاحات التي حققها أكراد سوريا في مواجهتهم لتنظيم الدولة جعلت كثيرا من النخب الإسرائيلية تراهن على الاعتماد عليهم في درء المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها إسرائيل بعد انهيار نظام الأسد.
فعلى سبيل المثال، اعتبر الجنرال رؤفين إيرليخ، مدير “مركز تراث الاستخبارات ودراسة الإرهاب” أنه باستثناء الأكراد، لا توجد قوة محلية بإمكان إسرائيل الاعتماد عليها في مواجهة التنظيمات الجهادية السنية، معتبرا أن أداء المقاتلين الأكراد أثبت الحاجة لتدشين دولة كردية شمال العراق وسوريا (ميكور ريشون، 29-6-2015). ولا حاجة للتذكير بأوراق تقدير الموقف التي أصدرها “مركز يروشليم لدراسة المجتمع والدولة” الذي يرأس مجلس إدارته دوري غولد، وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلي، والتي رصدت “العوائد الإستراتيجية” التي ستجنيها إسرائيل من تقسيم القطر السوري.
إن أحد الأسباب التي تدفع النخب الأمنية الإسرائيلية للمجاهرة بحماسها لفكرة إقامة دولة كردية، هو تقديرها أن مثل هذه الدولة ستسهم في محاصرة كل من تركيا وإيران اللتين تناصبهما إسرائيل العداء.
وقد سبق للجنرال عوزي ديان، رئيس مجلس الأمن القومي وقائد شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي الأسبق، أن تحدث عن دور الدولة الكردية المهم في محاصرة أنقرة وطهران، على اعتبار أن مثل هذا الدور يقلص من قدرة هاتين الدولتين للتفرغ للاهتمام بالصراع مع إسرائيل مستقبلا. مع العلم أن إسرائيل استخدمت إقليم كردستان في العمل ضد إيران، حيث كشفت وسائل إعلام أجنبية أن جهاز الموساد اتخذ من “كردستان” منطلقا لتنفيذ عمليات سرية ضد المنشآت النووية الإيرانية.
“تمتد العلاقة بين إسرائيل وأكراد شمال العراق إلى أواخر ستينيات القرن الماضي، وجاءت تطبيقا لإستراتيجية “حلف الأطراف” التي اعتمدها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول ديفد بن غوريون، والتي تقوم على توثيق العلاقات مع أطراف تخوض صراعات مع دول عربية”
ولا يقتصر الدعم الإسرائيلي لإقليم كردستان على شراء النفط، بل يتعداه إلى تعاون اقتصادي كبير. فقد كشفت صحيفة “معاريف” -في عددها الصادر بتاريخ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2014- النقاب عن أن شركات إسرائيلية تستحوذ على الكثير من الاستثمارات داخل كردستان، لا سيما في مجال الطاقة والإنشاءات والاتصالات والاستشارات الأمنية. وحسب الصحيفة، فإن جميع الشركات الإسرائيلية العاملة في الإقليم يديرها جنرالات احتياط خدموا في الجيش والاستخبارات، على رأسهم الجنرال داني ياتوم، الرئيس الأسبق لجهاز “الموساد”.
تمتد العلاقة بين إسرائيل وأكراد شمال العراق إلى أواخر ستينيات القرن الماضي، وجاءت تطبيقا لإستراتيجية “حلف الأطراف” التي اعتمدها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأول ديفد بن غوريون، والتي تقوم على توثيق العلاقات مع دول إقليمية وأقليات عرقية ودينية تخوض صراعات مع دول عربية تؤثر في الصراع مع إسرائيل.
ونظرا لتخوف إسرائيل من دور العراق المستقبلي في الصراع، فقد حرصت على تطوير علاقات سرية مع الأكراد، الذين كانوا في صراع مع الحكومة المركزية في بغداد.
وفي مذكراته الصادرة حديثا، يشير نائب رئيس “الموساد” الأسبق، نحيك نفوت، إلى أن الموساد عمل على تدريب وتسليح المقاتلين الأكراد بقيادة مصطفى بارزاني. ويلفت نفوت بشكل خاص الأنظار إلى أن الأكراد لعبوا دورا مركزيا في مساعدة إسرائيل على تهجير يهود العراق أواخر العام 1969، حيث قاموا بنقل اليهود من منازلهم باتجاه الحدود مع إيران، التي كانت في حالة تحالف غير معلن مع إسرائيل، ومن ثم تم نقلهم إلى إسرائيل.
وتكتسب شهادة نفوت أهمية خاصة، لأنه هو من تولى تطوير وإدارة هذه العلاقات من قبل الموساد، حيث أشار إلى أنه ما زال يحتفظ بعلاقات شخصية مع الكثيرين من قيادات الأكراد، وضمنهم الرئيس الحالي مسعود بارزاني.
قصارى القول، في ظل غياب إستراتيجية عربية موحدة، فإن إسرائيل تحاول توظيف التحولات الإقليمية وصراع الهويات المحتدم في إحداث مزيد من الاختراقات في العالم العربي، بما يخدم مصالحها الإستراتيجية.
حاولت إسرائيل تقديم تفسير تسطيحي لما كشفت عنه صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية أول أمس، حين أكدت أن 75% من واردات الكيان الصهيوني من النفط تصل من كردستان العراق، من خلال الزعم بأن هذه الخطوة تأتي في إطار حرص تل أبيب على تعزيز قدرة حكومة أربيل على مواصلة حربها على تنظيم “الدولة الإسلامية”.
وقد حرصت صحيفة “يسرائيل هيوم” المقربة من ديوان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وتعد بوقا له، على تصوير الأمر بأنه إسهام إسرائيلي غير مباشر في الحملة الدولية على تنظيم الدولة، عبر تمويل الجهد الحربي لكردستان.