وصف رئيس الحكومة الجزائرية اقتراح تقدمت به وزيرة التعليم اعتماد اللهجة العامية في مدارس البلاد بأنه اقتراح بهلواني.
ويعد هذا التصريح هو الأول لرئيس الحكومة عبد المالك حول قضية “العامية” التي أثارتها وزيرة التربية في حكومته بشأن تصميمها على إدراجها مبدئيا في السنتين الأولى والثانية من التعليم الابتدائي.
ونفى رئيس الحكومة الجزائرية عبد المالك سلال أي توجه لبلاده نحو تدريس اللغة العامية (الدارجة) في مدارسها الابتدائية كما أعلنت عن ذلك في وقت سابق وزيرة التربية نورية بن غبريت، ملمحا إلى أن الوزيرة قد تكون فهمت خطأ ما تم تداوله خلال ندوة عن التعليم، من توصيات واقتراحات خرجت بها هذه الندوة والتي لم ترتق الى مستوى القرارات الصادرة عن الدولة، على حد تعبيره.
ويقول محللون إن سلال بهذا التدخل ينهي الجدل الذي أثارته وزيرة التربية بشأن إدراج تدريس “العامية” في الطور الابتدائي، ويؤكد أن حكومته قد تراجعت بصفة رسمية عن تدريس “الدارجة” في المدارس.
وشدد سلال أن “اللغة العربية مرجع دستوري وثقافي ولغوي، وعليه ينبغي التفريق بين توصيات وبين قرارات الدولة”، في إشارة على ما يبدو إلى أن بن غبريت لم تتلق أي قرار حكومي لتنفيذ خطط تدريس العامية، وإنها قد تكون فهمت خطأ بعض التوصيات التي خرجت بها ندوة وطنية حول أوضاع التعليم في الجزائر تم تنظيمها مؤخرا.
ويؤكد المحللون أن رئاسة الحكومة وسلال تحديدا ليس بعيدا عن قرار الوزيرة، لأنه لا يمكن تصور أن يكون أي وزير جزائري له من حرية اتخاذ مثل هذا القرار شديد الحساسية والخطورة اجتماعيا وسياسيا، في حكومة يعتبر القرار فيها شديد التمركز بيد الوزير الأول.
غير ان سلال سارع إلى الحلّ السهل لمعالجة هذه الأزمة، وهو تحميل بن غبريت المسؤولية عنها لوحدها، متذرعا بأنه لم يأذن لها بتطبيق هذا الاقتراح بقرار صادر عن الحكومة.
ويضيف هؤلاء إن سلال كان يعرف ان مثل هذا القرار سيثير غضبا في الساحة السياسية والاجتماعية الجزائرية، لذلك أطلق “بالونة اختبار” للرأي العام بواسطة وزيرة التربية وبشكل لا يحمل حكومته تبعات هذا المقترح، ثم عاد لاحقا مدعيا أنه لم يصدر قرارا قانونيا بخصوصه، واكثر من ذلك بدا وكأنه يسجل نقاطا سياسية له ولحكومته التي تعاني من ضغوط متعددة الأوجه.
وأثار إعلان وزيرة التربية نورة بن غبريت عزمها على تدريس العامية في المدارس الابتدائية غضبا عارما في أوساط اجتماعية وسياسية عديدة
واشارت وسائل إعلام محلية إلى تحرك مجموعات برلمانية، داعية إلى رحيل وزيرة التربية بسبب “تجاوزها القوانين الدستورية والثوابت الوطنية الجزائرية”
كما اعتبر عدد من السياسيين أنّ قرار اعتماد اللهجة الدارجة في التعليم الابتدائي “مقترح بهلواني وخرق للدستور”، في حين صاح الأئمة بصوت واحد “أنقذوا لغة القرآن وهوية الأمة من الاندثار”.
ويبدو أن السلطات الجزائرية قد رأت أن مثل هذا القرار قد يزيد في تعميق الازمة الاجتماعية في الجزائر وقد يشكل عامل ضغط اضافي عليها وهي التي تعاني أصلا من مواجهة اوضاع اقتصادية تنذر بانفجار الوضع بين الفينة والأخرى مع انهيار اسعار النفط واتساع دائرة عجزها عن تلبية احتياجات الجزائريين وخاصة فيما يتعلق بالدعم السخي للمواد الاساسية وأيضا بتوجهها نحو تحرير العملة المحلية الأمر الذي سيؤدي كما قال خبراء الاقتصاد الى رفع أسعار المواد الاستهلاكية على نحو لا يقدر عليه عموم الجزائريين من ضعاف الحال.
وقال الوزير الأول “وجب التفريق بين اقتراحات لندوة وبين قرارات دولة، وأي اقتراح يأخذ بعين الاعتبار يجب أن يمر على مجلس الوزراء، ثم يعرض على غرفتي البرلمان لاعتماده”.
وأفاد رئيس الحكومة الجزائرية بأن “هناك جهود أخرى تبذل لتحسين الأداء البيداغوجي، وقد شاركت في الندوة الوطنية الأخيرة حول المنظومة التربوية، وقد دعوت فيها إلى ضرورة إبعاد المدرسة عن السياسة”.
وأضاف “خرجت من الندوة توصيات واقتراحات سندرسها، ونأخذ منها ما يساعدنا على تطوير المنظومة التربوية، وسنأخذ بعين الاعتبار إعطاء دفع جديد للمدرسة الجزائرية”.
وقال سلال “اللغة العربية مرجع دستوري وثقافي وحضاري، وأيضا الأمازيغية التي سنطورها داخل المجتمع، لأن القضيتين تتعلقان بالهوية والوحدة الوطنيتين، وذلك انطلاقا من تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، الذي أسهر شخصيا مع أعضاء الحكومة على تنفيذه دون أي طموح، لأن طموحي الوحيد هو برنامج الرئيس”.
وتحتاج المدرسة الجزائرية حسب سلال إلى “وصولها إلى مستويات أعلى.. ومن الضروري والأكيد أن تكون منفتحة لاكتساب مزيد من التكنولوجيا والعلوم”.
ونفى سلال وجود انشقاق وسط الحكومة بسبب قضية “العامية”، قائلا إن “هناك حكومة واحدة تعمل على تطبيق برنامج الرئيس، وبدوري أطبقه دون خلفية ودون طموح”.
وتدل العبارة الأخيرة لسلال وكأنه ينفي أخبارا تقول إنه يسعى إلى رئاسة الجمهورية، مثلما أشيع سابقا أثناء قيادته الحملة الانتخابية لعبدالعزيز بوتفليقة في العهدة الرابعة.