يتذكر المواطن البحريني السابق، تيمور كريمي: “كنت نائمًا عندما اكتشفت ذلك. جاء أطفالي إليّ، وأيقظوني. كل ما استطاعوا قوله كان: أبي، لقد حصلنا على أخبار سيئة. إنك على القائمة“. لقد تم إلغاء جنسيته. وكريمي هو واحد من 159 شخصًا جردتهم الحكومة البحرينية من الجنسية منذ عام 2012. وفي ثلاث مناسبات منفصلة، ومن دون إنذار مسبق، نشرت الدولة قوائم الأشخاص الذين تم إلغاء مواطنتهم.
ويوضح عبد النبي حسن العكري، وهو رئيس الجمعية البحرينية للشفافية: “لا تستطيع أن تفعل أي شيء إذا كنت عديم الجنسية. لا يمكنك شراء أو بيع أي شيء. لا يمكنك استخدام الخدمات الحكومية مثل الصحة أو التعليم. يطلب منك مغادرة البلاد، وإذا عصيت الأمر، سوف يقبض عليك لكونك مهاجرًا غير شرعي“.
ويجرد الأشخاص عديمو الجنسية من أوراق الهوية، ويصبحون غير مرئيين في نظر القانون. ومن دون هذه الوثائق، تصبح المهام اليومية البسيطة أمرًا مستحيلًا. وعلى سبيل المثال، يصبح الشخص غير قادر على العمل بشكل قانوني أو فتح حساب مصرفي. وبالمثل، لا يمكن لأي شخص من دون بطاقة الهوية تسجيل الزواج، مراجعة طبيب محلي، أو حتى حضور المدرسة. وقبل أن يفقد جنسيته، كان كريمي محاميًا محترمًا. ولكنه يقول الآن: “بعد أن سحبوا جنسيتي، أخذوا رخصة العمل؛ ولذلك، اضطررت لإغلاق شركتي“. ويضيف: “أنا عاطل عن العمل منذ ذلك الحين، ولدي ثلاثة أطفال غير قادر على دعمهم. لقد أجبرت جميع البنوك في البحرين على إغلاق حساباتنا. إننا نعاني كثيرًا“.
وبدأت الحكومة البحرينية سحب الجنسيات بعد فترة وجيزة من اجتياح الربيع العربي للبلاد في عام 2011. وفي 14 فبراير من تلك السنة، خرج المحتجون الشيعة والسنة على حد سواء إلى الشوارع للمطالبة بالحقوق والحريات السياسية نفسها للسكان الشيعة الذين يمثلون الأغلبية وللمواطنين السنة. وأرسل نظام عائلة آل خليفة الحاكمة، وهي من السنة، القوات لإخماد الحركة الاحتجاجية. وبعد أربع سنوات، لا يزال المتظاهرون يحتجون كل ليلة في شوارع القرى الشيعية عبر البلاد.
ويقول الطبيب والناشط سعيد الشهابي، الذي أصبح من عديمي الجنسية في عام 2012: “لقد بدأت الخيارات تنفد أمام النظام. لقد عرض هذا النظام الناس للتعذيب، وجوّع الآلاف حتى الموت، و قتل علنًا المئات من الناس في الشارع، ورغم كل ذلك، لا يزال أهل البحرين مصرين على تحقيق التغيير“. وأضاف: “إبطال المواطنة هو مجرد أداة أخرى لتخويف الناس وإثنائهم عن المطالبة بحقوقهم“.
ويعد معظم الناس الذين جردوا من الجنسية في البحرين من الأغلبية الشيعية، التي غالبًا ما تجد نفسها تحتج على التمييز المنهجي الممارس ضدها من قبل أعضاء الحكومة. وبالرغم من أنهم يشكلون ثلثي السكان، لا يحتل الشيعة عمليًا أي وظيفة في الجيش، الحكومة، السلطة القضائية، أو المناصب العليا الأخرى في البلاد. ولأن النظام السني يخاف من أن الشيعة قد يطيحون به في يوم من الأيام؛ فإنه لا يزال يبحث عن سبل لقمعهم، ويعد إلغاء المواطنة واحدًا من هذه التكتيكات. هذا، ورفضت الحكومة البحرينية التعليق على هذا الموضوع، على الرغم من توجيه الطلبات إلى وزارة الداخلية البحرينية والمكاتب الرسمية الأخرى.
ويشك المسؤولون البحرينيون في أن إيران الشيعية مسؤولة جزئيًا عن تحريض الحركة الاحتجاجية لعام 2011 من خلال تدريب نشطاء المعارضة الشيعية. ولكن التحقيق المستقل الذي تم إجراؤه من قبل اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وهي اللجنة التي أنشئت أساسًا للتحقيق فيما إذا كان قد تم ارتكاب أي انتهاكات لحقوق الإنسان في البحرين في فبراير 2011، لم تعثر على أي أدلة تدعم هذه الفرضية.
ورغم ذلك، لدى العديد من البحرينيين الذين جردوا من جنسيتهم إما إرث إيراني بعيد أو أنهم قاموا بالسفر إلى إيران لسبب أو لآخر. ويقول نضال السلمان من مركز البحرين لحقوق الإنسان: “معظم البحرينيين عديمي الجنسية هم من أصل إيراني“. ويضيف: “ولكنهم موجودون في البحرين منذ أكثر من مئتي سنة، ويعتبرون أنفسهم بحرينيين. هذه أطول من مدة عائلة آل خليفة“. وتهدف الحكومة بشكل واضح لزيادة تشويه سمعة الشيعة من خلال تصويرهم كجزء من الطابور الخامس الإيراني في البلاد.
وتم سحب جواز سفر حسين خير الله محمد، وهو تاجر عديم الجنسية الآن، بعد عودته من رحلة لزيارة أخيه في إيران. ويقول محمد: “في الواقع، كان لدي مشاكل مع النظام منذ عام 2011 عندما كنت واحدًا من الذين يقدمون الإسعافات الأولية لأشخاص كانوا يحتجون في دوار اللؤلؤة“. ويضيف: “وضعوني في السجن لمدة أربعة أشهر لفعلي ذلك. وتتم مراقبتي من قبل الدولة منذ ذلك الحين“.
وقد تم إلغاء الجنسيات للمرة الأولى في أواخر عام 2012، عندما أصدرت وزارة الداخلية بيانًا لإخطار 31 شخصًا بأنهم لم يعودوا بحرينيين وفقًا للمادة 10 (3) من قانون الجنسية البحرينية. وفي يوليو 2014، تم إدخال تعديلات على المادة 10 أعطت السلطات قدرة إضافية على سحب الجنسية. وقد استخدم هذا القانون لجعل 72 شخصًا من عديمي الجنسية في يناير من هذا العام. واستخدم بعد ذلك لتجريد 56 مواطنًا آخرين، من بينهم تسعة من القصر، من جنسياتهم في 15 حزيران. وقد تم اتهام كل الحالات البالغ عددها 128 حالة لهذا العام بالتورط بأنشطة ذات صلة بالإرهاب.
ويقول محمد التاجر، وهو محام حقوق إنسان بحريني يمثل العديد من الأشخاص عديمي الجنسية في البلاد: “عندما تنشر الحكومة البحرينية قوائم إلغاء الجنسيات هذه، فهي تتضمن مزيجًا من الأبرياء، وداعش، والإرهابيين الحقيقيين“. ويضيف: “تكون الغالبية العظمى من الناس على اللائحة من الأكاديميين الشيعة العاديين فقط، ومن نشطاء حقوق الإنسان، والمحامين، ورجال الدين، ورجال الأعمال. ولكن عن طريق وضع هؤلاء على القائمة مع الإرهابيين الحقيقيين، تأمل الحكومة بتشويه سمعة أولئك الذين لم يفعلوا شيئًا خاطئًا“.
ومن جهته، يقول البرفيسور مسعود جهرمي، الذي أصبح من عديمي الجنسية أيضًا في وقت سابق من هذا العام، إن تمييز الحكومة ضد الشيعة يخلق الانقسامات بين الشيعة والسنة. ويضيف: “في الماضي، لم تكن هناك مشاكل بين السنة والشيعة والأقليات الأخرى التي تعيش في البحرين. كنا نعمل معًا، نعيش معًا، ونتزاوج. ولكن للأسف، تبذل الحكومة قصارى جهدها لوضع حد لهذا“. ويوافق التاجر على أن تكتيكات الذراع القوية للحكومة تخلق التوترات العرقية. ويقول: “تعايش السنة والشيعة دائمًا بسلام هنا. إن الحكومة تأخذ هذا البلد إلى مكان مظلم جدًا“.
وبدورهما، عاش الأخوة جلال وجواد فيروز، وكلاهما عضو سابق في البرلمان عن حزب المعارضة “الوفاق”، في المنفى في بريطانيا منذ أن تم تجريدهما من الجنسية في عام 2012. وقد استهدفت السلطات “الوفاق”، مثل الكثير من جماعات المعارضة في البحرين، لعدة سنوات. ويتواجد زعيم الحزب الحالي، وهو علي السلمان، وراء القضبان الآن.
ومتحدثًا من منزله في شمال لندن، يقول جلال فيروز إن جهود الحكومة السنية للحفاظ على السلطة تذهب إلى ما هو أبعد بكثير من مجرد نشر الكراهية ضد الشيعة وإلغاء جنسياتهم. ويضيف: “على مدى السنوات القليلة الماضية، أعطت الحكومة الجنسية البحرينية لآلاف وآلاف من السنة من دول مثل المملكة العربية السعودية، والأردن، وسوريا، وغيرها الكثير. هدفهم هو إحداث تغيير دائم في التركيبة السكانية في البلاد، بحيث تنتقل البحرين من بلد ذي غالبية شيعية إلى بلد ذي غالبية سنية“.
وفي عام 2006، نشر الدكتور صلاح البندر، وهو مسؤول سابق في الحكومة، تقريرًا من 240 صفحة، أوضح فيه بشكل تفصيلي أن التمييز ضد الأغلبية الشيعية هو سياسة رسمية للدولة. ويؤكد التقرير أيضًا على أن الدولة تمنح الجنسية البحرينية للسنة من دول مختلفة كوسيلة لتغيير التركيبة السكانية للبلاد.
ويعتقد التاجر أن عدد جوازات السفر البحرينية التي منحت للسنة من مختلف دول الخليج، والشرق الأوسط، وآسيا، يصل إلى مئات الآلاف. وهو يعترف بأنه من الصعب معرفة العدد الدقيق؛ لأن الحكومة لا تناقش مثل هذه المسائل علنًا.
ويقول التاجر: “نظرًا لحجم البحرين وعدد سكانها الذي لا يتجاوز الـ 1.3 مليون نسمة، لن يستغرق هذا الأمر وقتًا طويلًا قبل أن يحدث تأثيرًا كبيرًا، وهو يهدد بجعل الانقسامات بين السنة والشيعة أسوأ“. ويضيف: “ينتهي المطاف بالعديد من هؤلاء السنة بالعمل لصالح الأجهزة الأمنية، كما يحدث للباكستانيين، ويكونون قادرين على الحصول على جوازات سفرهم البحرينية في غضون أسابيع. إن البحرين تسير في اتجاه خطير للغاية“.
فورين بوليسي – التقرير