رأت صحيفة “ذا بوليتين” الأمريكية أن عبارة بسيطة تفوه بها الرئيس باراك أوباما في بيان ألقاه عام 2011 ورّطت الولايات المتحدة في الأزمة السورية.
وفيما يلي نص المقال:
بحلول صيف 2011، كانت الانتفاضة السورية تتجه لأن تكون تمردا كاملا، مع تفوق المليشيا المتشرذمة على المعارضة السلمية، وتوجيه ضربات خطيرة لنظام الرئيس بشار الأسد الذي كان حصينا يوما ما.
داخل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، اشتعلت المناقشات بين كبار المسؤولين المعارضين للتدخل في سوريا والآخرين الذين يحثون البيت الأبيض على فعل أي شيء لتعزيز حركة التمرد الوليدة آنذاك.
أضاف الحلفاء الأوروبيون والشركاء العرب إلى الضغوط من خلال دعوة الولايات المتحدة لتنديد بالأسد في خطوة رمزية أملوا في أنها تحفز تغيير النظام في دمشق.
وبعد شهر من تبادل رسائل البريد الإلكتروني بين الوكالات والتقديرات الاستخباراتية والمراجعات القانونية، استقر البيت الأبيض على كتابة بيان ليلقيه أوباما يوم 18 أغسطس 2011.
وتضمن البيان ديباجة تشيد بالمتظاهرين السلميين الذين وقفوا في وجه النظام “الوحشي”، ثم قال أوباما: “لمصلحة الشعب السوري، حان الوقت لتنحي الرئيس الأسد”.
ووصف كبار مساعدي أوباما هذا الكلمات بـ”الساحرة”، لكن بدلا من دفعها سوريا تجاه ما توقعه المتخصصون في شؤون الشرق الأوسط وهو خروج الأسد سريعا من السلطة، ربط البيان الولايات المتحدة بأحد جوانب ما أصبحت حربا أهلية لا ترحم.
ويمثل الشهر الجاري الذكرى السنوية الرابعة لدعوة أوباما الأسد للتنحي، ومع ذلك، لا يزال الرئيس السوري في منصبه، وتجاوزت حصيلة القتلى 220 ألف شخص، وفاق عدد اللاجئين 4 ملايين شخص نصفهم أطفال، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة.
وبلغت المساعدات الأمريكية للأزمة الإنسانية 4 مليارات دولار (جزء بسيط من الأموال اللازمة لتخفيف المعاناة الإنسانية السورية المتسربة عبر الحدود في ظل احتدام الصراع وغياب الحل السياسي والعسكري).
وقد فتح العنف الشرس في سوريا المجال للمتطرفين الإسلاميين، الذين باتوا يهيمنون على الحركة المعارضة للأسد، حيث يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على ثُلث سوريا، فيما تلعب جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة دورًا عسكريًا رئيسيا في ثُلث آخر تقريبا، وتشكل الفصائل الإسلامية الأخرى (التي تبدأ من المعتدلين نسبيا والجهاديين المتشددين) معظم المتبقى من الحركة المعارضة للأسد، أما الجماعات المتمردة التي تتبنى الأفكار الديمقراطية تقلصت حتى فقدت دورها في إدارة الأزمة.
وتدخل الجيش الأمريكي – الذي ظن أن حروبه في الشرق الأوسط انتهت بعد ثماني سنوات كئيبة في العراق – مجددا لقصف أهدف في العراق وسوريا، ويجادل الأمريكيون إذا ما كان ينبغي لقواتهم العودة لمكافحة مقاتلين أكثر ضراوة تابعين لنفس الحركات الجهادية التي اعتبروا أن قادتها اختفت يوما ما.
وانهارت جهود الولايات المتحدة لبناء قوات بالوكالة يمكن الاعتماد عليها، حيث أنتج البرنامج الأمريكي الممول بـ500 مليون دولار لتدريب وتسليح المتمردين 60 مقاتلا فقط، سيطر الإسلاميون على معظمهم في غضون أسابيع قليلة من القتال في ساحة المعركة.
ويقول الدبلوماسيون الأمريكيون سرا إنهم لا يريدون سقوط الأسد حقا، ليس على الأقل خلال الليل، وليس عندما يعلمون أن تغيير النظام سيثمر عن سيطرة المسلحين على دمشق، لكنهم لا يستطيعون الاعتراف بذلك علنا، لأنهم عالقون بسياسة تحددت في اللحظة التي دعا أوباما فيها الأسد للتنحي.
وفي مقابلات متعددة خلال العام الماضي، روى تسعة من كبار صناع السياسة السوريين – بعضهم تحدث شريطة عدم الكشف عن هويتهم حتى يتمكنوا من وصف المناقشات الداخلية الحساسة بحرية – كيف أن إبداء التضامن من المعارضة ورّط الولايات المتحدة في مناهضة الأسد رغم أنه لم يعد الهدف الأساسي في ظل تطور السياسية إلى استراتيجية “داعش أولا” التي دعا إليها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري.
وذكر مسؤول أمريكي سابق، شارك عن كثب في التخطيط لسوريا خلال العامين الأولين من الصراع: “إنها حرب داعش أولا، وبالطبع لا يوجد شيء ثانٍ، لكنهم لا يعلنون ذلك فحسب”.