نشر موقع “المونيتور” الأمريكي تقريرا عن مراكز علاج الادمان في مصر لافتاً إلى أن مصر شهدت على مدارس الشهرين الماضيين انتشار كبير لمراكز تدعي علاجها للمدمنين وشفاءهم، مستعينة بأشخاص ليسوا أطباء ولا متخصّصين، وهي مراكز غير مرخّص لها بمزاولة المهنة، وكلّ ذلك في مخالفة واضحة للقانون المصريّ ، الّذي يشترط أن يخضع أيّ مركز أو منشأة طبيّة لإشراف طبيب مرخّص له بمزاولة المهنة .
وأضاف الموقع إن هذه المراكز لاقت انتشاراً واسعاً بين المدمنين، الّذين يرغبون في الشفاء من المرض، بعيداً عن أعين أسرهم أو المحيطين بهم ونظرة المجتمع المتدنّية لهم، فيلجأ كلّ واحد منهم إليها في الخفاء، رغبة منه في الشفاء.
وأشار الموقع إلى أن هذه المراكز المجهولة تستعين بأشخاص في داخلها تعافوا من الإدمان، من أجل أن يقنعوا غيرهم من المدمنين بقدرتهم على شفائهم أكثر من الطبيب المتخصّص، الّذي يتواجد داخل مستشفيات الصحّة النفسيّة المرخّصة من قبل وزارة الصحّة.
وتعتمد هذه المراكز بشكل رئيسيّ على إقامة المدمنين داخلها ليالٍ عدّة مقابل مبلغ ماليّ يختلف بين مركز وآخر، يتراوح بين 150 جنيهاً و400 جنيه للّيلة الواحدة، بحسب منطقة تواجده، مع العلم أنّ تواجدها يرتكز في منطقتي المقطّم وحدائق الأهرام بمحافظتي القاهرة والجيزة، وهما أكبر محافظتين في مصر .
لم يستطع مصطفى مجدي، وهو أحد المدمنين، الّذين توجّهوا إلى مركز غير مرخّص لمعالجة الإدمان في منطقة حدائق الأهرام، التّابع لمحافظة الجيزة، الصمت عن الأموال الّتي خسرها من دون أن يشفى من المرض، خصوصاً أنّه من أصحاب الدخل البسيط .
وتحدّث عن رحلة دخوله إلى مركز “طريق المستقبل” الكائن بمنطقة حدائق الأهرام، وقال لـ”المونيتور”: ما أن دخلت إلى المركز، حتّى وجدت أشخاصاً عرّفوني بأنفسهم على أنّهم كانوا مدمنين فأقنعوني بقدرتهم على علاجي، شرط أن أقيم معهم 10 أيّام، مقابل أن أدفع 150 جنيهاً في اللّيلة الواحدة. وبعد موافقتي، حصلوا على كلّ متعلّقاتي بما فيها الهاتف المحمول، وقطعوا الإتّصال بيني وبين أسرتي ومعارفي”.
ويستعين القيّمون على غرف الاحتجاز التّابعة للمركز بالأبواب الحديديّة والغرف المصفّحة، حتّى لا يحاول المدمن الهرب، فلتناول الطعام وقته، وللنّوم وقته، والإتّصال منقطع بيني وبين الجميع، طبقاً لمصطفى مجدي .
يستخدم القيّمون على تلك المراكز حبوباً مهدّئة وحقن وريد وأدوية تخدير، ويربطون المرضى بالقوّة بحبال لتهدئتهم والحدّ من صراخهم، وذلك كلّه بغياب الإشراف الطبيّ أو برامج إعادة التّأهيل والعلاج النفسيّ السلوكيّ ومنع الاكتئاب عن المرضى ، طبقاً لما صرح به الدكتور صابر غنيم رئيس الإدارة المركزيّة في المؤسّسات العلاجيّة غير الحكوميّة والتّراخيص
وفي هذا السّياق، قال مصطفى “لقد دفعت 1500 جنيه، وانتهت رحلة علاجي الوهميّة في هذا المركز، فتركته ماضياً بعد توقّفي عن تعاطي المخدّرات طيلة العشرة أيّام. وبعد عودتي إلى المنزل، رقدت أيّاماً عدّة من شدّة التّعب، نتيجة المهدّئات الّتي كنت أتناولها من أشخاص كانوا مدمنين.”
أضاف: “والمفاجأة أنّي بمجرّد نهوضي وخروجي من المنزل إلى الشارع، شعرت بأنّي في حاجة شديدة إلى تعاطي المخدّرات، فضلاً عن تعب في أعصابي ومفاصلي. كما زادت من أوجاعي الحقن التي كنت أتلقّاها في المركز”.
وكانت وزارة الصحّة المصرية أصدرت في يونيو الماضي قراراً باغلاق 12 مركزاً للعلاج من الإدمان في محافظتي القاهرة والجيزة لمزاولة المهنة من دون ترخيص ومخالفتها لقانون المنشآت الطبيّة .
ولم يقتصر إنشاء تلك المراكز غير المرخّصة على علاج المدمنين من الذكور فقط، وإنّما هناك مراكز نشأت خصوصاً لعلاج الفتيات من الإدمان، بترحاب من الأهل، خوفاً من الفضائح، ظنّاً منهم بأنّ هذه المراكز ستساعدهم في الشفاء.
وفي هذا الإطار، قالت فاتن، وهي والدة إحدى الفتيات ” اللاتي يترددن على المركز “سمعت عن تلك المراكز كثيراً، فتوجّهت إليها بعد إصابة ابنتي الوحيدة بالإدمان، إذ أنّها كانت تتعاطى مخدّر الهيرويين مع زملائها في الجامعة، ولكنّي اكتشفت أنّ هذه المراكز تستخدم طرقاً غير قانونيّة لعلاج المرضى، ومنها استخدام العصي لضربهم وتعذيبهم داخل غرف الاحتجاز.
يمكن قضاء ليلة داخل مركز الأمل لعلاج الإدمان بمنطقة المقطم” مقابل 300 جنيه. وبعد قضاء ثلاث ليالٍ ودفع 900 جنيه، قرّرت فاتن إخراج ابنتها من محبسها، والتوجّه بها إلى طبيب خاصّ، خوفاً على ابنتها من الاكتئاب أو الموت .
وافقت فاتن على إقامة إبنتها ، بالرغم من انقطاع الإتصال بينهما، فهذا المركز لا يختلف عن مراكز الذكور، فلابد أن تقيم البنت للمدة المتفق عليها، دون أن ترى أهلها.
ولقد شهد أحد المراكز المتخصّصة بالعلاج من الإدمان في منطقة المقطّم خلال الفترة الماضية، وفاة أحد المدمنين من شدّة التّعذيب الّذي تعرّض له على أيدي مسؤولي المركز .
واعترف الدكتور صابر غنيم بصعوبة حصر تلك المراكز والقضاء عليها، لأنّها تقام داخل شقق سكنيّة، وسط الأحياء الشعبيّة.
وقال “هذه المراكز بالفعل منتشرة داخل محافظات الجمهوريّة، لأنّها تستغلّ حاجة المرضى ورغبتهم في المعالجة بالخفاء، لأنّ المدمن ينظر إليه المجتمع على أنّه ‘عار'”.
وأشار إلى أنّ الإدارة شنّت حملات عدّة خلال الفترة الماضية أدّت إلى انكماشها والقضاء على البعض منها.
وختم الموقع بالقول: للأسف وزارة الصحة تتبع الطرق التقليدية في التصدي لهذه المراكز فلا تبتكر طرق جديدة لعلاج الإدمان، ولا تقوم بحملات في وسائل الاعلام للتصدي لهم.